وحيد الطويلة: أكتب بين معطف جدتي ومعطف غوغول

وحيد الطويلة: نحن الكُتّاب غلابة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاوره في تونس: حكمت الحاج

وحيد الطويلة: كاتب مصري من مواليد 1960، يقيم حاليا في تونس. له في القصة القصيرة مجموعتان هما: "خلف النهاية بقليل" والتي صدرت عن منشورات مركز الحضارة العربية بالقاهرة عام 1997. ومجموعة ثانية بعنوان "كما يليق برجل قصير" وقد صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2000. صدرت له قبل أيام عن دار "ميريت" بالقاهرة وضمن سلسلة تجليات أدبية، روايته الأولى تحت عنوان "ألعاب الهوى". هنا حوار مع الكاتب أجريناه في تونس بهذه المناسبة

حاوره في تونس: حكمت الحاج

وحيد الطويلة: كاتب مصري من مواليد 1960، يقيم حاليا في تونس. له في القصة القصيرة مجموعتان هما: “خلف النهاية بقليل” والتي صدرت عن منشورات مركز الحضارة العربية بالقاهرة عام 1997. ومجموعة ثانية بعنوان “كما يليق برجل قصير” وقد صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2000. صدرت له قبل أيام عن دار “ميريت” بالقاهرة وضمن سلسلة تجليات أدبية، روايته الأولى تحت عنوان “ألعاب الهوى”. هنا حوار مع الكاتب أجريناه في تونس بهذه المناسبة: 

كيف تنبئنا عن نفسك؟ سيرتك؟ وضعك ككاتب؟

أعلق على باب روحي كلمة للشاعر “سعدي يوسف” تقول: “عش في الهامش واكتب في الواجهة”.. ولكن حتى الواجهة سرقها برابرة العلاقات، والهامش يميد بنا ويتخلى عنا كلما عدنا إليه.. وأمام سؤالك البسيط، ولكن الخبيث أيضا، أكاد أجزم انك تريد أن توقع بيني وبين نجيب محفوظ. فرغم انه حصل على جائزة نوبل للآداب إلا إن مجموعتي القصصية “خلف النهاية بقليل” قد طبعت ثلاثة مرات، وهو ما لم يحدث له، وهو الروائي بامتياز

* كيف حدث انك ذهبت إلى القص والحكي؟

كأنه سؤال الوجود، أو دخان الأسئلة التي تنام تحت إبطك.. تفاجئك.. كأنك تراها لأول مرة.. أنا من منطقة فسيحة البر، كانت أرضها قاسية، ورجالها غلاظ، يخرجون ولا احد يعرف متى سيعودون.. هل في منتصفات الليالي، أم تذهب أجسادهم قبض الريح؟ وعلى ضوء لمبة صغيرة بشريط قماش، تخرج جدتي من جرابها الحكايات والبطولات الكاذبة لأجدادي ومن جايلهم، بينما شواربهم تتراقص على الحيطان.. يخرج الرجال ويتركون النسوة بمسافة الشوق والخوف من المجهول.. ومن حيرة أن لا يعود الغائب، أو من أن تصادفه طريدة أخرى في الطريق، ما بين الشوق والخوف، تولد الحكايات.

لأعترف، فأنا ابن حكّائين عظام، لذا فقد يخفي سؤالك عن المسافة بين الشفاهي والمكتوب سؤالا آخر يقول هل أن الحكاية أتت إلي أم أنني أنا الذي ذهبت إلى الحكاية؟ يقول الشاعر عزت الطيري “أحلم أن تحلم فاتنة بي وتقص الحلم علي..”. فأينا يقص الآخر؟ أينا يذهب إلى الآخر، أنا أم الحكاية؟ لا أكتمك أنني أعد العدة للحكاية وأقتنصها في الوقت الذي يليق بها وكأنني أقابلها لأول مرة، أو كأنني لم أشاهدها في الحلم ليلة أمس. أجدادي الذين حكيت عنهم في روايتي هذه، كما في قصصي السابقة، يدعي أخوتي أنهم سرقوا النار ليعيشوا، وأنا أؤمن أنهم سرقوا الغناء ونسوا أن يسرقوا حكاياتهم.. مضوا بسيوفهم الخشبية وتركوني أغني وراءهم.

* ما هي مراجعك في الكتابة القصصية؟ هل تركز على “الحياة” أم على “التراث” القصصي المدون؟ إذا كانت الحياة هي المرجع، فكيف تنظر إليها كمادة قصصية؟ وإذا كانت المدونة القصصية هي المرجع، فما هي مصادرك؟

لا شك أنني اكتشفت الحياة ذات يوم عبر هذا التراث القصصي المدون الذي فتح عيني على عوالم أخرى لم اعرفها، أو كنت اعرفها ولكنني لم أكن اعرف كيف انظر إليها.. نصوص تدفعك لأن تمسك بأطراف حياتك.. لكنني عندما اكتب فإنني أكون على مسافة انزياح حقيقي عن الحياة أو الواقع، بين قوسين.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فان بيني وبين التراث القصصي المدون انزياح آخر يؤدي بي إلى إنتاج نص نغل، نص لقيط، لا هو ابن للحياة شرعا، ولا هو ابن للتراث القصصي المدون نسبا. انه نص أب شريد وأم عاهرة. وهكذا أخرج من معطف جدتي، ومن معطف غوغول في نفس الوقت، لأكون نصي وحدي.

* أعتقد انك كقصاص ضائع ما بين الشعر والرواية، فإلى أي مدى يكون هذا الكلام صحيحا؟

أعتقد كما شئت.. فأنا كما قلت لك سابقا، ابن قبيلة ارتحلت طويلا حتى استقرت في مشوارها الطويل. فكان عليها أن تـَسْرِقَ كي لا تُسْرَقَ، وأن تسقط أعمار أبنائها في الطريق. لذا جاءت حكاياتهم كرواية وجاء سردهم كشعر.. لا تستغرب، إن معظم المواويل التي عشنا عليها جاءت بإيقاع محكم يسكه الرجال ويلوكونه ويتركون الحكاية للنساء بكلمات مسجوعة وسرد متمكن. لقد أخذني هذا السرد المنطوق شعرا لفترة طويلة. في السيرة الهلالية كثيرا ما تتوقف الحكاية ليقول الشاعر.. وجدتي كانت تقول كل صباح “إصح يا بني الشمس يحيي على الحيط..” ويقول الشاعر عبد المنعم رمضان إنني اكتب قصة صوت، يسمعها وهو يقرؤها، وكأن هنالك من يتلو عليه..

يبقى لي القول إنني أرى القصة لحظة عصية على الإمساك بكل ما فيها من توتر وكثافة استخدم فيها طرائقي التي أحبها وإنني أظن أن كل قصة أو رواية إنما تأتي بلغتها معها. قد لا أحب السيرة الهلالية، لكنني أحب الذين أحيوها سردا وشعرا. انظر حولك ترى قصيدة النثر تتلبس بالسرد وتبتعد عن الإيقاع وتروم موسيقى داخلية، رغم اعتراض من يرى إن الإيقاع ضروري لتميز الشعر عن السرد. ربما تفوح من نصوصي رائحة إيقاع ما، كرائحة الإيقاع في الشعر، لكنه ليس هو تماما.. ألم أقل لك إن نصي هو نص لقيط؟

* لماذا الرواية إذن؟ هل ستستقر فيها كنوع أدبي، أم أنها مكان للاستراحة، ومن ثم العودة إلى نوعك الأثير: القصة القصيرة؟

أكتب القصة القصيرة وأحبها فنا عصيا، رغم إنني اعرف إنها باتت شهيدة هذه الأيام. لكنني أحب السينما والغناء والفن التشكيلي وشموخ أنف “فيروز” ووجوه الغلابة في قريتي.. إن الرواية كما تعرف تسمح بالفنون القولية وغير القولية، وتسمح بلعبة الصراع التي قد أنأى عنها في حياتي قدر ما أستطيع، وأمارسها على الورق.. لذا كتبت هذه الرواية التي لا اعرف إن كانت استراحة أم لا.. أعرف إنني سأعود إلى غرامي الأول، القصة القصيرة، لحظة ما، فإن بيني وبينها غرام متأجج دوما. وهي قد تفسح في المجال لامرأة لعوب أن تسكنني حينا، لكنني سأعود إليها وسأفارقها مرة أخرى.. وهكذا.. ولكنني عندما أعود إليها سأقول لها إن دارها لم تكن لتتسع لكل أولئك الأحبة الأوباش الذين سكنوا دار الرواية، وسأحاول أن أكذب عليها بأنها كانت ستعاني من آلام الولادة كثيرا لو تزوجت شخوص الرواية لذلك فقد أرحتها كي يبقى جسدها دائما كغصن البان ممشوقا كلسعتها الجميلة.

* أخيرا، من تريد أن تذكر من أصحاب التجارب القصصية والروائية التي أَثَّرَتْ فيكَ، وأَثْرَتْكَ أيضا؟

قد تعرف أنت وغيرك جيدا أنطون تشيخوف، زكريا تامر، يوسف إدريس، بورخس، ماركيز، وإبراهيم عبد المجيد، وإبراهيم أصلان، وجمال ألغيطاني، وإدوار الخراط، لكنكم قد لا تعرفون طاهر الشرقاوي، ونجوى شعبان، وشريف صالح، وأنيس العلوي، وجمال أبو حمدان، ومحمد بركة، وجرابيع آخرين في هذا العالم.. أشتاق كثيرا إلى قصص محمد خضير، ويأخذني عالم زيد مطيع دماج، وخيري عبد الجواد. أحب محمد مستجاب كثيرا وألومه. ولعلك سمعت بعبد الحكيم حيدر أو منال محمد السيد، وربما ياسر عبد اللطيف، بينما يفاجئك حمدي أبو جليل قصا ورواية.

لعلني أحاول أن أقرأ الأدب الكلاسيكي بالمعنى الذي تحدث عنه إيتالو كالفينو وهو انك بصدد إعادة أدب سبق لك وأن قرأته. ولعلك هنا تلاحظ إن هنالك أسماء كثيرة غير معروفة لكنها تحفر بعمق وتملك الموهبة والحلم.. قد تأخذك للحظة خلطة إيزابيل الليندي، لكنها قطعا ليست فتنة ماركيز. هنالك أسماء تبدو فرادى من هنا وهناك، إلا أنها تحفر عميقا في روحك.. ثمة نصوص تأخذك إلى المتعة، وثمة نصوص تدفع بك إلى الكتابة، وكلن تلك مسألة أخرى قد نثيرها معا ذات حوار.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم