هدية الفلانتاين

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

جميلة شحادة

غامتِ الأشياء أمامها، وخيمَّ الصمت على الغرفة لفترةٍ قصيرة من الزمن، بعد أن أخبرهما الطبيب بنتائج التحليلات المخبرية، وبعد أن كشفَ لهما ما أظهرته صور الأشعة السينية. تنبَّهت منار لصوت زوجها، وهو يسأل الطبيب بصوت تخنقه العبرات، التي لمعت في عينيه العسليتين.

– وما العمل الآن؟ هل ستُجرى عملية جراحية لاستئصال الورم ؟  سأل ماهر، الطبيب وكأنه يسأل نفسه البائسة.

– لا بدَّ من القيام بذلك. أجابه الطبيب، وتمهل قليلا قبل أن يقول: لكن المشكلة لا تكمُن بإجراء العملية، وإنما بإيجاد متبرع. 

وفي اليوم التالي، ذهبت منار الى الشركة التي تعمل بها سكرتيرة، والتقتْ بصاحبة الشركة ومديرتها تالا، بذات الوقت، لتطلب إجازة من العمل لمدة شهر.

منار، في حدود الثلاثين من عمرها. وجهها رائق القسمات من غير سوء، وممتلئ من غير سمنة. جسمها بين الطول والقِصر، وبشرتها حنطية. ورغم الصداقة التي تربطها بتالا منذ ايام الدراسة الثانوية، إلا أنها لم تخبرها عمَّا كان في أمسها. لعلها لم ترغب بأن تفسد عليها فرحتها وهي تتحدث عن أي الهدايا التي عليها أن تختار لتفاجئ بها زوجها في الفلانتاين، القادم بعد أسبوعين. أو، لعلها أرادت ان تتحاشى عاطفة الشفقة التي قد تبديها تالا تجاهها، وتجاه زوجها وأسرتها، وهي التي ما كرهتْ شيئا في حياتها مثل كُرهها لشفقة الآخرين عليها.

منار، نشأت في عائلة غير ميسورة الحال، الأمر الذي حال بينها وبين متابعة دراستها للمحاماة، ودفع بها الى سوق العمل في سنٍ مبكرة.  فبعد تخرجها من الثانوية ذهبت لتعمل موظفة في شركة والد صديقتها تالا، كي لا تثقل على كاهل عائلتها، وتزيد من عبئها الاقتصادي. فمنار تميزت عن بنات وابناء جيلها بتمسكها بعزة النفس وبتمسكها بالمبادئ والقيم الإنسانية. وبعد سنتين من العمل، تزوجت ممن هواه قلبُها.  

وبدأ مشوار منار الشائك والمضني في بحثها عن حل للمشكلة التي وجدت نفسها، وأفراد أسرتها أمامها. وبدأ مشوار تالا في بحثها عن هدية لزوجها لتفاجئه بها في الفلانتاين. عاشت منار، أياما صعبة ما بين مرافقة زوجها الى العيادات الطبية والمشافي، وما بين حيرتها وقلقها على مصير زوجها وابنيْها. أما صديقتها، ومديرة عملها، تالا، فعاشت أياما لا تخلو من الفرح، ما بين الترقب لتسلُّمها هدية زوجها في الفلانتاين، وما بين تنقلها بين المتاجر لانتقاء هديةٍ له، تليق بعنصر المفاجأة.

وأشرقت شمس الرابع عشر من شباط لطيفة، ناعمة، واخترق ضوؤها النوافذ، وراح يغازل أهداب النائمين ويوقظهم، ليشهدوا نهارا مليئا بالدفء والمحبة وبهجة العشاق بيومهم، يوم الفلانتين. غير أن هذا الضوء احتجب عن غرفة منار وتالا، بانسدال الستائر البيضاء المعقمة، حيث رقدت منار في سريرها بعد أن تبرعت لزوجها، بإحدى كليتيها وأعادت له الحياة، ورقدت تالا في سرير آخر، تعاني سكرات الموت نتيجة إصابتها بحادث سير تسببت به وهي تجرِّب قيادة مركبتها الجديدة والتي أهداها إياها زوجها قبل يوم من يوم العشاق، الفلانتين. 

*********

كاتبة فلسطينية

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون