نهاية

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد الرحمن أقريش
الأصيل.
جو ربيعي جميل ودافئ.
يجلس بهدوء على حجرة تحت شجرة الأركان العجوز، أشعل سيجارته السوداء، امتص منها نفسا عميقا، شعر بخدر لذيذ يسري في تفاصيل جسده، أغمض عينيه، استسلم للحظة بياض قوية، حالة تشبه الغيبوبة…
راح يسترجع شريط حياته في صور سريعة ومتلاحقة، صور بالألوان، بالأبيض والأسود، بالرمادي…
طفل صغير برأس حليقة وضفيرة مفتولة بخيط من الصوف الأحمر، يمص إبهامه الأيسر، ويمسك بيده اليمنى جديا صغيرا يحضنه إليه…
طفل يمسك كرة من الخبز المعجون بين يديه، ينفخ عليها بقوة، فتتطاير الأجسام الصغيرة للنمل، يأكل منها قضمات صغيرة ويضعها في مكان مكشوف لكي تقتات منها الطيور والحشرات…
أطفال بأعمار متقاربة يغادرون الجامع جريا، تعبث الريح بجلابيبهم، يتطاير الغبار الأبيض تحت أقدامهم الصغيرة وهم يصرخون بفرح من تحرر من قيود قاسية.
تلاحقت الصور بسرعة.
حفل زواج، سيدة شابة، متبرجة بشكل بدائي، وبجانبها رجل خجول يلبس الأبيض…
رجل يركب دراجة هوائية، محملة بصناديق خشبية يجوب المدينة، ويصيح.
– سرديييل…ساركالا…سردييييل…ساركالا…سرديييييييييل!!
عندما عاد إلى نفسه، استحضر اللحظات القليلة التي ذاق فيها طعم الحياة والسعادة، ابتسم، نصف ابتسامة حزينة.

تساءل بصمت.
– لم لم يعد بإمكانه إسعاد نفسه؟! 
سحب نفسا آخر من سيجارته، حبسه للحظات، ثم حرره، أخرج الدخان على دفعات قوية، أرسله بعيدا من فمه وأنفه بالتناوب في حركات متناغمة وبطيئة.
خلع جلبابه، أخرج مقصا صغيرا من جيب بنطلونه، وراح يقص منه أشرطة طويلة، شدها إلى بعضها، فتلها، صنع منها حبلا مشدودا بقوة، اشتغلت أصابعه بمهارة، صنع أنشوطة بعقدة محكمة ومتحركة…

عندما عاد إلى سيجارته، رفعها إلى شفتيه، أحس بحرارتها تلهب أصابعه، سحقها ودفن عقبها في التراب…
أشغل سيجارة أخرى.

نهض بهدوء، صعد إلى أعلى الشجرة، شد الحبل إلى عود قوي، دلاه إلى الأسفل، عاد إلى مكانه، سحق سيجارته، أشعل أخرى وراح يتأمل الفراغ…
بين الحين والآخر يبتسم ابتسامات جامدة، يقطب، يزم شفتيه، يصدر همهمة غامضة، يلوح، يشير بيده وكأنه يخاطب شخصا ما!!
هبت ريح خفيفة من جهة البحر، انتبه، كان الحبل يتحرك والأنشوطة مفتوحة، سحب نفسا أخيرا من سيجارته، سحقها بحذائه، قام بخفة، صعد إلى أعلى الشجرة، توقف هناك للحظات، توقف بهدوء وكأنه يستوعب الموقف، التفت، إلى اليمين تبدو القرية صغيرة وبعيدة، إلى اليسار بدا له الأفق مفتوحا وممتدا، ثم أدخل رأسه في الأنشوطة، سحب العقدة، تأكد أنها مشدودة بقوة، ثم هوى بجسده إلى الأسفل!!
مالت الشمس نحو المغيب، فقدت حرارتها، تسربت خيوطها الصفراء تخترق الغابة الكثيفة، في الخلفية يسمع هدير البحر من بعيد، وصوت طائر (الأووك) المشؤوم يمزق الأفق!!

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون