ناجى شاكر: العرائس تمتلك القدرة على التعبير

عبير عبد العزيز
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حوار: عبير عبد العزيز

 ارتبطت العرائس بخيال الإنسان منذ تاريخه الحضاري، فهى نتاج خيال الإنسان الأول، وهى المحرك المثير الذى أنمى هذا الخيال وأخصبه وزاد من أفقه ومداركه.

عرفها قدماء المصريين والفينيقيين والآشوريين والهنود والصينيين واليابانيين القدماء، وعرفتها الحضارة اليونانية قبل أن تعرف المسرح الآدمي نفسه، ولا تعجب فالثابت تاريخيا أن العرائس كانت أسبق من الإنسان في التمثيل، وأنها كانت الأولى في "طابور" الفنون التعبيرية الأخرى. لذلك تهيأت العرائس لأن تؤدي الأدوار التى خلقها الخيال الإنساني وضمنها الأساطير والقصص الخيالية التي تحفل بها حضارات الإنسان في بقاع الأرض المختلفة. وعلى مدى قرون حملت العرائس مسئولية إدخال السرور إلى قلوب الناس، صغارهم وكبارهم. وأثبت تاريخ فن العرائس أن تلك الدمى المصنوعة من الخشب أو الورق المقوى والتي ترتدي ملابس زاهية الألوان، أبلغ في التأثير على نفوس الناس من الممثلين الآدميين.

 

حوار: عبير عبد العزيز

ارتبطت العرائس بخيال الإنسان منذ تاريخه الحضاري، فهى نتاج خيال الإنسان الأول، وهى المحرك المثير الذى أنمى هذا الخيال وأخصبه وزاد من أفقه ومداركه.a

 لذلك كان لي لقاء مع الفنان أ.د. “ناجي شاكر” الحاصل على الجائزة الدولية عن تصميم عرائس الليلة الكبيرة، وله العديد من الأعمال الفنية مثل: “الشاطر حسن.. الفيل نونو.. قيراط حورية.. حمار شهاب الدين..” وغيرها من أعمال مسرح الدمى. والفنان “ناجي شاكر” هو رائد هذا الفن الجميل والأستاذ بكلية الفنون الجميلة. وكان في بداية حواري معه مفاجأة وخبرا سارا وهى أنه يعد كتابا عن رحلته مع العرائس فى السينما والمسرح وكواليس هذا العالم، مما أسعدني لوجود هذا المرجع الهام والنادر بالنسبة لمجال العرائس، ورائد مثل هذا الرائد العظيم. بل شرفني بقراءة مقدمة الكتاب التي تحكي عن طفولته وذكرياته الأولى مع الفن، وهى بقلم أخيه الفنان الجميل “إيهاب شاكر”. وفى شهادة كتبها عنه، جاء ذكر معرض الحجرة فسألته:

ما حكاية معرض الحجرة ؟

نشأت من بداية الطفولة ضعيف الجسم وحساساً.. من هنا كان يهاجمني المرض كل فترة فأضطر إلى الانقطاع عن المدرسة.. وكان هذا يحزنني كثيراً .. وكنت أشعر بالفراغ فجذبنى الرسم ، وبدأت أعبر عن نفسي من خلاله وكلما انقطعت عن الدراسة بسبب المرض أرسم وأرسم.. أملأ كراسات ، وفي كل مرة أكون قد أنجزت معرضاً.. عشرات اللوحات أفترش بها حوائط حجرتي..

ما دفعني لحب الفن أيضاً وفي سن صغيرة..  كان في بيتنا مكتبة كبيرة وكان والدي يزودها باستمرار بكتب الفن التي بهرتني بأغلفتها السميكة البديعة وصورها وألوانها، فتعرفت على أشهر الفنانين العالميين من الصغر.. تعرفت على ليوناردو دافنشي صاحب الموناليزا، ومايكل أنجلو الذى أبدع سقف كنيسة السستينا بروما، وبيكاسو وروسو ومانيس وغيرهم.. وكنت أندهش من هذا التنوع في الأساليب فلكل رسام طريقته التي تختلف عن الآخر في التعبير من حيث رسم الأشخاص وتناول الطبيعة وصور الحياة المختلفة.

ساهم في تكوين شخصيتي أيضا تشجيع والدتي لي من البداية عندما اكتشفت اهتمامي بالرسم، فكانت تصحبني باستمرار لزيارة المعارض التي تقام في قاعات الفن التشكيلي بالقاهرة بالإضافة إلى المتاحف كالمتحف المصري والإسلامي والمتحف الزراعي والحربي ومتحف السكة الحديد. كل هذا أكد اقتناعي بأن الرسم ليس مجرد لعب على الورق ولكنه شيء حيوي له دور وقيمة.

ومع الرسم أحببت الموسيقي وتمنيت أن أتعلم آلة.. فبدأت في العزف على الكمان بإجادة شديدة وعمري 12 سنة.. واستمر حبي للرسم والموسيقي. بحث والدي حتى اهتدى إلى فنان إيطالي يدير مدرسة للهواة في الرسم.. وبدأت أدرس معه، وكانت المدرسة تضم سيدات الطبقة الراقية من محبي الفن وكنت الولد الوحيد والصغير وسط هذه المجموعة من السيدات ، وعندما شعر بموهبتي أصر على أن يدرس لي بالمجان.

 

ما العروسة الأولى التي أدخلتك لهذا العالم الساحر ؟

عندما شاهدت فيلم “بينوكيو” لـ “والت ديزني” بدأ حبي لفنون الطفل بالذات، حيث وجدت في هذا الفيلم عالماً غنياً مليئاً بالخيال ، وشعرت من خلاله أن الفن التشكيلي مسخر لخدمة الطفل. ساهم في تعلقي أيضاً بهذا الاتجاه ما كنت أشاهده مثل كل أبناء جيلي من فنوننا الشعبية كالأراجوز وصندوق الدنيا المليء بحواديت أبي زيد الهلالي وعنترة بن شداد ، بالإضافة إلي دنيا البيانولا . مع فترة النضوج وبعد حصولي على الثانوية العامة التحقت بكلية الفنون الجميلة فقد وجدت فيها المكان الذي يتمشى مع ميولي ، ومن خلاله من الممكن أن أطور نفسي فنياً.. ومع دراسة الكلية كانت حياتي مفتوحة على جمعيات الفيلم وكتب ومجلات الفن.. بالإضافة إلي فن الفيلم ورواد السينما الصامتة والرسوم المتحركة مثل شارلي شابلن وماكلارين.وأثناء الدراسة اكتشفت أن هناك فناً اسمه فن العرائس عرفته . وأدهشني كيف أن المخرج يحول عالم العرائس إلى عالم قريب من البشر.. إلى كائنات حية لها قدرة على التعبير تفوق “البني آدمين” . وبدأت أبحث في الكتب فاكتشفت أن هناك مسارح للعرائس في أوربا.. صحيح الأراجوز موجود في كل الدنيا والعروسة الشعبية تجوب الشوارع في كل مكان، لكن هناك أيضاً مسرحاً وحركة وتصميم وموسيقي وألوان .. يعني عمل فني مركب اسمه مسرح العرائس.

 

ما الخطوة الأولى التي فعلتها لتقترن بهذا الفن الذي بهرك؟

في مشروع الدبلوم اخترت العرائس، وعندما عرضت الفكرة على أساتذتي أشفقوا على، وكان ردهم في كلمة واحدة: دُمى ؟ تعمل مشروع التخرج عن الدُمى؟

قلت لهم عرائس مسرح.. أنا عاشق لهذا المجال وهو معترف به في العالم كله.. أنا أتمني أن أفتح بداية طريق وأحقق نفسي أيضاً من خلاله ، وبالفعل ترجمت القصة الشعبية “عقلة الإصبع” إلي عرائس ، وكان هذا بداية دخولي لهذا الفن بشكل عملي وفني.. في الوقت نفسه جاء التفكير متوافقا ومتوازيا مع حضور فرقة من رومانيا مصر عام 57 وقدمت عروضها لأول مرة في مصر ، مما جعل الدولة تفكر في تأسيس أول فرقة على المستوي نفسه فاتفقت مع أقدم وأكبر مسرح في العالم للعرائس في بوخارست من أجل هذا الغرض بمساعدة بعض خبرائه. وهنا طلبني مدير الأوبرا المصرية في ذلك الوقت لتعلم فن العرائس على أيديهم بعد أن رأي مشروع “عقلة الإصبع”.

 

 ما قيمة أوبريت الليلة الكبيرة في حياتك ؟

كان صلاح جاهين ضمن هذا الفريق المتحمس لهذا الفن الجديد وكتب وألف مسرحية “الشاطر حسن” كأول إنتاج للفرقة الوليدة ، افتتح بها مسرح القاهرة للعرائس أول عروضه عام 1959.

ثم استمرت التدريبات في مختلف التخصصات الفنية والحرفية علي أيدي خبراء المسرح الروماني إلي أن اكتمل تكوين النواة الأولي لمسرح القاهرة للعرائس.

في هذه الأثناء عشقت الصورة الغنائية ” الليلة الكبيرة” التي كانت تذاع من حين إلى آخر في برامج الإذاعة، وأصبح حلمي أن يأتي يوم أستطيع أن أحول هذه الصورة المثيرة الرائعة إلى مسرحية تؤديها العرائس بكل ما تحتويه هذه الاحتفالية شديدة الثراء من صور فولكلورية أصيلة وشخصيات معالجة بصدق وبساطة وعمق وطرافة.

وعندما عرضت الأمر على صلاح جاهين وسيد مكاوي اندهشا أول الأمر للفكرة ولكيفية تجسيدها على خشبة المسرح ، ولكن سرعان ما تحمسا للأمر وشرعنا في العمل .. وبدأنا في الإعداد وإضافة بعض المشاهد لاستكمال الصورة المسرحية وتسجيلها من جديد، ساعدنا في هذا أننا كنا نزور الموالد الشعبية ونتأمل تلك الصور والشخصيات التي تزدحم بها ، وبعد أن اكتملت الصورة وأضاف جاهين بعض الفقرات .. في وقت قياسي تم الانتهاء من تجهيز الليلة الكبيرة حتى نستطيع الاشتراك بها في المهرجان الدولي للعرائس في بوخارست عام 1960 والذي اشتركت فيه 27 دولة .. وحصلنا على الجائزة الثانية في تصميم العرائس والديكور.

نجحت الليلة الكبيرة نجاحا كبيرا في الخارج ، ثم في الداخل عند عرضها بالقاهرة ليس لشيء إلا لأن العرائس قدمت عملاً موسيقيا متكاملاً يجمع بين صياغة جاهين الشعرية وتلك اللغة النغمية التي تعبر عن الروح الشعبية المصرية الأصيلة من خلال صور فولكلورية ثرية ترتبط بالطقوس والعادات الشعبية بأفراحها وأحزانها المليئة بالبهجة والمواجع والمتعة والصوفية والتقرب إلى الله مع لقطات مختارة من الحارة الشعبية من صخب وضجيج المقاهي وغناء الباعة ونداءات الشحاذين والتائهين وتعبيراتهم المليئة بالعاطفة والشجن ومفرداتها المميزة الطريفة والتي تمثل روح الشعب. وجاءت ألحان سيد مكاوي فيها شقاوة الحارة وسياحة الأفراح والموالد ومواكب الطرق الصوفية ومعاصرة لتجليات أشهر المطربين وكبار الموسيقيين في المقاهي الشعبية، كل ذلك مطعم بشخصية مكاوي المرحة المتواضعة ابن النكتة خفيف الظل.

 

ماذا عن بقية أعمالك .. ؟

بعد نجاح الليلة الكبيرة تقرر بناء أول مسرح خاص بالعرائس من قبل وزارة الثقافة وذلك عام 1963. وقدمت تجارب عديدة منها: “حمار شهاب الدين” و”مدينة الأحلام” و”دقي يا مزيكا”، وهذه المسرحية أخرجتها وصمم العرائس والديكورات أخي “إيهاب شاكر” أيمانا منى بأن مسرح العرائس باعتماده على الفنون التشكيلية في التعبير، له دور كبير في رفع الذوق الفني، هذا مع المتعة والبهجة حيث يتجسد في العروسة كل مقومات الفن، من الخط وألون والبعد الثالث والخامات العديدة والمتنوعة، فهو مجال في الإبداع ليس له نهاية وليس له قيود.

 

ما رأيك في خريجي الفنون الجميلة الآن خاصة أقسام العرائس ؟

أولاً ليس هناك قسم للعرائس بكليات الفنون، ولكن مادة العرائس تدرس لأقسام الديكور، والعرائس مادة ضمن قسم الديكور. ولابد أن يكون لفن العرائس قسم خاص بكلية الفنون، وهذا حلم تأخر كثيرا.

 

هل هناك تطور في مجال العرائس الآن ؟

هناك ظاهرة جميلة وجديدة حدثت وتحدث من عام 2000 حيث حضرت دفعة إلى الكلية لم أجد لها مثيلا منذ أربعين عاماً وبهرت بها جداً ولا أعرف كيف أتت وهؤلاء يقيمون المعارض ويعملون بإبداع وبجد وهم مبشرون جداً ولديهم حيوية وحماس وقد تخرجت مجموعة مماثلة لهم عام 2006 وهذه ظاهرة جديدة وجميلة خاصة أن الوضع العام الثقافي والفني لا يفرز مثل هؤلاء ولكن مصر ولادة بالعباقرة والمجيدين 

 

 وما تقييمك لمسرح العرائس وتطوره بعد تلك البداية؟

للأسف لم يستمر مسرح العرائس بنفس المستوى ، ونتيجة لذلك تركت المسرح، رغما عني لظروف خارجة عن إرادتي، حيث كان هناك اتجاه لتحويل مسرح العرائس إلى مسرح أطفال وليس مسرح عرائس متخصص كما بدأ وكما كان ولم نجد من يفهم مسرح العرائس ويطوره.

 

 هل توجد معارض أو مهرجانات لفن العرائس؟

لا توجد معارض أو مهرجانات أطلاقاً وبالصدفة أقيم معرض لفنان تشكيلي عن العرائس عام 2006، ولكن أولادنا لا يقيمون معارض ولا يشتركون في مهرجانات عرائس، والسبب عدم الاهتمام بهذا الفن بشكل جيد، وبالتالي لا يحدث تطور في فن العرائس، والأخطر من ذلك عدم الاشتراك في المهرجانات الدولية لفن العرائس. ونتيجة ذلك خطيرة جداً، لأن المهرجانات العالمية تعرفك على ما يحدث في الدنيا من تطور في مجال العرائس، وهذا الانعزال والتقوقع وعدم دعوة بلدان لإقامة معارض في بلدنا خسارة كبيرة لنا، ولا تأتى إلينا إلا فرق قليلة ونادرا ما تحضر فرقة مسرح عرائس عالمية، وحدث بالصدفة أن حضرت فرق شبه عرائس قليلة أثناء المهرجان المصري الدولي للمسرح التجريبي.

 

ما هى مجالات فن العرائس المسرحي ؟

مجاله لا نهائي، لأن فن العرائس ومسرح العرائس يخلق شيئا من لا شيء، فمن الألوان والقماش والخامات الأخرى تخلق عالما آخر، تشاهده فيتحقق أمامك حلم، فهذا الفن مكان للشعر والشاعر والفن الشعبي، كل هذا يحدث الناس عن حياتهم ومشاكلهم، ولتعريف الناس كيفية إدراك ما هم فيه وما حولهم، أى رسالة وعى وتوجيه.

 

كيف نصل إلى ما نصبو إليه في مجال فن العرائس؟

بالاحتكاك وحضور المهرجانات الدولية ودعوة الفنانين في هذا المجال، ويوجد ما بين 60- 70 مهرجانا في العالم لهذا الفن، وأعتقد كما سمعت أنه توجد هذه الأيام فكرة مهرجان دولى لفن العرائس في مصر.

 

ما الجوائز التى حصلت عليها في هذا المجال؟

حصلت على جائزة دولية لتصميم عرائس الليلة الكبيرة وحصل زميلي “مصطفى كامل” على جائزة لديكور عن هذا العمل عام 60، وحصلت على الجائزة الثانية في مهرجان بوخارست الدولي برومانيا وكان يشارك في المهرجان 27 دولة. وكمعلومة أول مهرجان عرضت فيه الليلة الكبيرة كان بروما بإيطاليا، وحصلت على جائزة في مهرجان بإيطاليا للأفلام التجريبية عن فيلم تجريبي قمت بإخراجه أثناء دراستي هناك، وكذلك جوائز صغيرة كثيرة عن البوسترات مثل جائزة فيلم “الأراجوز ” لعمر الشريف، وحصلت على جائزة من الدولة عن فيلم “شفيقة ومتولي” عن الديكور والملابس والإشراف الفني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبير عبد العزيز

شاعرة وكاتبة أطفال – مصر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صور العرائس من أعمال الفنان: ناجى شاكر

مقالات من نفس القسم