مي التلمساني

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 61
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هشام نوار

من المألوف دوما أن يكتب الأدباء سواء كانوا روائيين أو قصاصين أو شعراء عن الفنانين، لكن من غير المألوف أن يكتب فنان عن أديب. كان ذلك أول ماتبادر إلى ذهنى عند دعوتى لأكون مشاركا بكلمة فى تكريم الصديقة العزيزة مي التلمساني، الأديبة والناقدة الكبيرة. ذلك أن الكتابة للأديب بمثابة الوسيط الإبداعى الأول، بينما هي للفنان بالتأكيد  ليست وسيطه الأول، وربما لن تكون الثانى أو الثالث أيضا، ناهيك عن معرفتى أنه بالتأكيد سيكون هناك مشاركون  من الأدباء أصحاب الأقلام الراسخة فى الكتابة الإبداعية، مايضعنى فى مأزق أن أكون أهلا للكتابة عن واحدة من علامات الحياة الأدبية والثقافية فى مصر.

لا أذكر تحديدا كيف تعارفنا فى البداية، لكن ذلك بالتأكيد كان من خلال صديقنا المشترك الفنان خالد حافظ. كانت  مي التلمساني ووليد الخشاب فى فترة الخطوبة، التقيتهما معا، وأحببتهما معا، رغم أننا كنا عددا كبيرا من الأصدقاء.  لكن هذين الشخصين كانا حالة خاصة بالنسبة لى، وربما لا يعلمان حتى هذه اللحظة أنهما فى كثير من الأوقات انتشلانى من هوة الإحباط واليأس فى لحظات كنت أشعر أن نفسى فيها هشة كالزجاج على وشك أن تنكسر وتصير إلى زوال. ربما جاءت أقدم هذه اللحظات  بعد أن حصلت على جائزة صالون الشباب الأول، وربما لصغر سنى وقتها ولأسباب أخرى لا أعرفها أثار ذلك حفيظة البعض . وكنت مشاركا فى أحد المعارض العامة وكان رد الفعل فاترا جدا على العمل الذى قدمت . لم أفهم وقتها لأننى حتى لم أجد من يعترض على التجربة التى قدمتها، فهل لم يرها أحد؟ رغم أن مكان عرضها كان فى رأيي  جيدا، ما جعلنى أبتعد عن المكان الذى وُضِعَ فيه عملى فأبدو  كما لوكنت مجرد زائر للمعرض لا مشاركا فيه.  ومن خلال الضباب الذى شعرت أنه يحجبنى ويحجب عني كل شىء وقتها،  ظهر أمامي فجأة  وليد ومى واقفين  بوجهين مبتسمين بشوشين يصافحانى ويهنئانى على عملى المشارك فى المعرض. أخذت الأمر أولا على محمل المجاملة وقلت لهما ربما العمل مختلف عن سابق أعمالى، فقالا على العكس فقد عرفنا أنه عملك قبل أن نقرأ اسمك المكتوب جواره، ربما لا يعلمان ما فعلت كلماتهم البسيطة تلك فى نفسى.

كانت لى لقاءات عديدة بالفنان الكبير الراحل منير كنعان رحمة الله عليه، وكان دائما ما ينصحنى ربما فى كل لقاء: لا تصادق أنصاف الموهوبين لأنهم سيجذبونك إلى الخلف، ابحث عن الموهوبين وكن معهم دائما، لأنكم سوف تدعمون بعضكم بعضا فكريا وإنسانيا فى مواجهة ماستواجهونه من حروب من أصحاب التوجهات الرجعية. فكنا نتفق دائما كلما كان هناك حدث ثقافى مميز أن نذهب إليه معا سواء كان حفلا موسيقيا أو فيلما سينمائيا وكنا نمثل مجالات إبداعية عديدة، حتى أننا كنا إذا ذهبنا إلى السينما كانت مجموعتنا تحتل صفا كاملا، وذلك فى قاعات السينما القديمة اللتى تم تقسيمها الآن إلى غرف أشبه منها بقاعات العرض. كل ذلك دون لقاءاتنا بمرسم خالد حافظ أو بشقة وليد ومي  بعد زواجهما بالهرم ثم الدقى فيما بعد، حيث التقيت عندهما بمن صاروا أصدقاء مقربين منى شخصيا وعلى رأسهم الصديق الكاتب الكبير منتصر القفاش . أظن أننا كنا مثل كرة الجليد التى تتدحرج فتزداد حجما.

ربما  يبدو أننى لم أخص مى حتى الآن بحديث مستقل عنها أو عن علاقتى بها وحدها. لكننى أظن أن ما قلت سابقا جزء لا يتجزأ من الحديث عن أي فرد من هذه المجموعة من الأصدقاء. فالكثير من الحوادث المشتركة كان لها أكبر الأثر فى تكويننا الفنى والإنسانى، ولا يتعارض ذلك مع وجود جوانب خاصة بكل فرد منا فى علاقته بالآخر من أصدقاءه. وأظن أن تلك كانت الصعوبة الثانية التى كانت تواجهنى فى كتابة هذه الكلمات عن مي التلمساني. فنحن شركاء فى أجزاء كبيرة من تجربتنا الفنية، فالأمر أشبه بمن يكتب جزءا من سيرته الذاتية، وأى مي تلك التى أكتب عنها؟ هل أكتب عن الأديبة والناقدة الكبيرة؟ لست الأجدر بذلك بالطبع. ربما محاوراتنا فى الفن والأدب، وربما علاقتنا الإنسانية. فهى مستودع أمين لكثير من أسرار علاقاتى العاطفية على مدار سنوات طويلة، وكانت دائما واسعة الصدر فى الإنصات لى وإمدادى بالرأى والمشورة. أما على المستوى الفنى والإبداعى فأظن أننى كثيرا ما كنت سىء الحظ معها، فكثير من مشروعات فنية نتشارك فيها لم يتم. كان أولها والذى ربما يثير دهشة البعض،  أني عثرت على كتاب قديم به مايشبه اليوميات لشخصية أجنبية غير معروفة، كتبتها حول وجودها فى مصر، وتحمسنا سويا للكتاب جدا وقامت بتصويره وأخذنا فى دراسته والحلم بكتابة سيناريو فيلم سينمائى مستلهم منه. ووجدنا بالفعل خيوطا عديدة يمكن أن ننسج بها قصة الفيلم، واستلزم ذلك لقاءات عديدة. لكن انشغالنا وقتها بأكثر من شىء حال دون استكمال مشروعنا، الذى مازلت أحلم بأننا ربما استكملناه سويا أو أحدنا ذات يوم، رغم السنوات الطويلة التى مرت على تلك التجربة. أما ما أراه الأغرب فى أمر علاقتنا إننى رغم عملى لسنوات طويلة فى مجال تصميم أغلفة الكتب، إلا أننى ومى التلمسانى فشلنا فى عمل ذلك معا، أى أن يكون لها كتاب  غلافه من تصميمى كاملا. وكانت التجربة الوحيدة لى معها لوحة لغلاف رواية “أكابيلا”. حيث اتصلت بى من كندا وحدثتنى عن موضوعها باختصار شديد وعن الفكرة  التي تريد إبرازها من الرواية، وإن كنت أستطيع أن أصور ذلك فى لوحة. وأخبرتنى بموعد قدومها إلى القاهرة، وكان ذلك بعد ثورة يناير 2011، وتحديدا فى مثل هذه الأيام من شهر مايو. بدأنا أولا فى استعراض مجموعة من اللوحات أرسلت لها صورها عبر البريد الإلكترونى، وحوار حول عايدة الشخصية الرئيسية فى الرواية والتى هى فنانى تشكيلية، وحدثتنى عن مشهد هام فى الرواية وهو مشهد القبلة، لأجد نفسى أتراجع عن استخدام لوحة أنجزتها سابقا لأقرر أن أرسم تلك القبلة التى تمثل قلب الرواية، وبالفعل أرسلت صورتها إليها بمجرد تمامها، وأسعدنى أن أعجبتها النتيجة وقام المصمم الجرافيكى الخاص بدار النشر بعمل تصميم الغلاف مستخدما تلك اللوحة، وكم أسعدنى ذلك.

مي التلمساني، فخور جدا أننا أصدقاء، وسعيد وأنا أكتب عنك لأنك أول من منحنى الثقة أن أكتب بعد أن عرضت عليك بعضا مما أكتب على استحياء وطلبت منى أن أستمر. وربما أخذت الأمر فى البداية وكأنه مجاملة أصدقاء، لكن تحفيزك لى لفترات طويلة بعدها  لكي أكتب جعلنى أتعامل مع الأمر بجدية أكثر حتى يصل بى الأمر لنشر ما أكتب. بل ومازلت تشجعيننى أن أجمع يوما ما أكتب ليصدر فى كتاب، وأمتلك تلك الشجاعة التى أكتب بها وأنا فنان عن أديبة كبيرة، شكرا مي التلمسانى أنك صديقتى.

 

 عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم