مي التلمساني: الكتابة أداة فعالة تبدد قسوة العالم

موقع الكتابة الثقافي may telmesany 4
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورتها: صحيفة البيان

مي التلمساني تنتمي إلى جيل التسعينيات.. تنشر القصة القصيرة ثم الرواية والسيرة الذاتية وتسهم في حركة الترجمة والنقد الأدبي والسينمائي ساعد على تكوينها الثقافي والفكري نشأتها فوالدها عبد القادر التلمساني، وهو من رواد السينما التسجيلية، درس في السوربون، ترجم وكتب، وعمها حسن التلمساني فنان تشكيلي ومدير تصوير.. مي التلمساني تقيم في كندا منذ أربعة أعوام ولها رسالة دكتوراه عن “الحارة في السينما المصرية” وتتردد بلا إنقطاع على القاهرة.

ـ نسألها.. جيل التسعينيات هذا الذي تنتمين إليه.. هل هناك ملامح تحدد إتجاهه وإبداعه.. ما علاقته بما سبقه من أجيال.. كيف يفكر؟ ـ

 ترد مي التلمساني: رغم أن كثيرين يتحفظون على لفظ جيل إلا انني أنتمي إلى جيل التسعينيات، الجيل الذي بدأ ينشر في دوريات عربية أو مصرية في التسعينيات وهذا ما حدث لي فإن كل ما نشر نشر لي من قصص قصيرة كان قبل 1995 وكان ضمن حركة هذا الجيل الذي يمكن أن نقول أنه ولد في الستينيات وبدأ ينشر في التسعينيات، من جيلي هذا نورا أمين وميرال الطحاوي ومن نفس الجيل أيضا أسماء لامعه مثل منتصر القفاش ومصطفى ذكري ـ وهو أيضا كاتب سيناريو وإبراهيم فرغلي.. كلها أسماء بدأت تثبت وجودها على الساحة الأدبية في التسعينيات، ولهذا يطلق عليه جيل الكتابة الجديدة أو جيل التسعينيات. ويمكن رصد ملامح معينة في هذا الجيل من بينها القطيعة التي يحدثها هذا الجيل مع ما يسمى بالقضايا الكبرى، القضايا الكبرى التي تعود جيل الستينيات في الرواية تحديدا أن يرتبط بها من خلال أعماله الأدبية لم يعد لها وجود ملموس وحاضر في كتابات جيل التسعينيات ولكن عادة ما يتهم هذا الجيل بالنزوع إلى الكسل والإنفصال عن الواقع وأرى أن هذه التهم لا محل لها من الإعراب ومردود عليها بشكل أو بآخر لأن العلاقة مع الواقع تتغير وليست علاقة ثابتة فالواقع اليوم غير الواقع منذ عشرين سنة، وبالتالي فإن كل جيل أو كل مرحلة ترى الواقع بشكل مغاير وتعطي هذا الواقع الأهمية التي يستحقها وأعتقد أن كتاباتي أو كتابات زملائي نجد فيها إنفصالها بشكل متعمد وواع كشكل من أشكال الرفض السياسي. والرغبة في وضع حد فاصل بين الكاتب كمبدع وكفنان بحيث ويسمح لكيانه بالإنطلاق وبين المؤسسات الاجتماعية والسياسة التي تقهره، وبالضروة يجب أن تكون هناك وقفة. وذلك بعدم التعرض سياسيا بشكل مباشر من خلال الكتابة. وبالتالي فإن الكاتب يلجأ إلى شئ يعرفة هو ذاته نفسه. تجربته الشخصية.. علاقته بالعالم وبالمحسوسات، وينطلق من هذا كله لكي يكتب. ولكن أريد أن أفرق بين فكرة التجربة الذاتية في الكتابة وفكرة الاغراق في الذاتية أو الغموض باعتبارها انفصالاً عن العالم بل هي اكتفاء بالذات داخل العالم. وفي الحداثة بشكل عام في أوروبا أو في مصر في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر ثم القرن العشرين دائما الإنسان لا ينفصل عن العالم في الحقيقة ليس هناك هذا الإنفصال. كما أنه ليس هناك إنفصال بين الجسد والروح. بين الإنسان والعالم.. بالتالي محوري داخل العالم وفي هذا العالم هناك إلى حد ما هامش.. أراه في لحظة من اللحظات أنه أصبح من القبح بحيث أن الكتابة هي الشئ الجميل الوحيد. العالم أصبح من السرعة والعنف والقسوة بحيث أن الكتابة هي الشئ الوحيد الذي يحد من قسوة العالم. والوصول إلى هذه الدرجة من شبه الهيستيرية. الكتابة فعل ذاتي حينما أحبس نفسي في غرفة وأتخيل أن لي قارئاً مفترضاً سيصل إليه كلامي أو لا يصله.. فالكتابة فعل تقاطع في النهاية يطرح نفسه كفعل إيجابي.. أقول أنه بمجرد أن هذا الجيل الذي أنتمي إليه قادر على أن يكتب إلى الآن وأن ينشر ما يكتب هذا محل إعجاب في إطار إنهيار قيم وإنهيار مجتمع فإن الشئ الوحيد الإيجابي هو أن يستطيع أن يكتب وأن ينشر ما يكتب. وكل ما ذكرته من أسماء أصبح له وجود على الساحة المصرية والساحة العربية وعلى الساحة العالمية من خلال الترجمة. وتمضى مي في تحديد ملامح جيل التسعينيات إرتباط هذا الجيل بإنساق معرفية جديدة.. فقد كان كتاب الأربعينيات والخمسينيات مصدرهم المعرفي هو الكتاب.. اما جيلي فمن مصادره الهامة مع الكتاب السينما. من ملامح كتاباتهم الرئيسية أنهم يميلون دائما إلى معرفة سينمائية.. كيف تتجلى هذه العلاقة: أولا بإشارات مباشرة نجد في كتاباتهم مفردات تستخدم في السيناريو أو بالإشارة والإحالة إلى أفلام مصرية أو ممثلين أو ممثلات وقد تجد عندهم فكرة عند كتاب الستينيات مثل صنع الله إبراهيم وإبراهيم أصلان هي التقطيع والعلاقة بالزمن السينمائي تنفي علاقة الإنسان بالزمن الممتد هي أقرب للحلم، وهذا ما يبرز في كتابات جيل التسعينيات وخاصة عند مصطفى ذكرى وهو كاتب سيناريو أصلا.. وهي جزء من الأدب ولكنه أدب يستقي جزءا كبيرا من أفقه من علاقة بالسينما.. وهذا ما أعانيه أنا نفسي في كتاباتي كيف أترجم الإحاسيس والمشاعر حتى الألوان.. كل الحواس الخمس. كيف تترجم إلى الصورة وكيف أستطيع نقل هذه الصورة بحروف الكتابة.. أن نخلق الكتابة صورا متتابعة أقرب إلى شكل السيناريو.

ـ هل معنى هذا أن روايات التسعينيات صالحة للسينما؟

ـ الإجابة لا.. فالميديا الوسيط.. تختلف تماما.. الكتابات التي تكتب من أجل التسعينيات كتابات أدبية صرفة. ولكن تتميز بالبعد السينمائي في الكتابة ولكن ليس فيها مجموعة الأحداث التي تجعل القصة أو الرواية صالحة للسينما. الملمح الثالث في أدب جيل التسعينيات هي فكرة أن الكاتب لا يقدم نفسه بوصفه نبيا أو أنه يستطيع أن يغير العالم.. فهو يشتغل في منطقة ضيقة جدا هي محيط شخصه وعلاقته.. أي البؤرة الضيقة حيث يشتغل فيها تمثل رغبة في أن يغير المحيط الضيق الذي يحيط به. لا يريد أن يغير المجتمع المصري أو المؤسسة أو السياسة إنما كل ما يريده هو المتلقي.. أن يكون له قارئ يقرأ هذه الكتب الجديدة ويستوعبها ويستمتع بها.. بل ويناقشني. وهكذا يصبح لكتاب جيل التسعينيات قراؤهم وأتذكر أنني كنت أناقش روايتي دنيا زاد في حي شعبي بولاق وأنبرى قارئ يرتدي جلابية وقال أنه قرأ الفصل الأول أكثر من مرة ليستوعبه.. أي أنه بذل مجهودا ليحاول أن يفهم.. الكاتب هنا ليس نبي ولكنه تواصل مع قرائه. وأرى أن فكرة النبي هذه فيها تعالي.. أنه سيعلم المجتمع وهذا النوع من الكتاب الذي تبنوا هذا المنطق من الكتابة أصبح جزءا من المؤسسة العامة في النهاية.. أي أصبح جزءا من السلطة التي كان في فترة سابقة ضدها.

ـ من الملاحظ أن جيلك ممن تثقفن بالثقافة الأجنبية فرنسية أو إنجليزية.. فهل كان تأثركن بهذه الثقافة الأجنبية له مردوده في الأسلوب؟

ـ مؤكد أنه تأثير كبير لأن كثيرين لا يعرفون لغات أجنبية.. مثلا مصطفى ذكري أو منتصر القفاش أو إبراهيم فرغلي قرأوا الآداب الأجنبية في ترجمات عربية وبالنسبة لي ولنورا أمين كان للتربية في مدارس أجنبية بعد مختلف فيه لون من المغامرة. فإن بين لغتين.. بين ثقافتين.. مفيدة في الخروج من اللغة الأم إلى اللغة الثانية والعودة إليها من الثقافة الأجنبية إلى الثقافة العربية والعكس بالعكس.. هذا يعطي قدرا من الحرية في التعامل مع الأدب.. يمكن أن تقرأ روايات بالفرنسية أو الإنجليزية وروايات من العالم الثالث أو من الهند ويكون لها تأثير في علاقتك الشخصية بأدبك. باعتباره ليس أدبا محليا بل مفتوحا على تيارات وثقافات متنوعة ومتعددة.. لاشك أن له تأثير في كتاباتنا وفي طرق مسارات جديدة لم نتطرق إليها. لأنني درست اللغة الفرنسية منذ كان سني أربع سنوات. وكان والدي قد درس في السوربون كان إتصالي وثيقا بالثقافة الفرنسية بشكل عام ثم درست الأدب الفرنسي أربع سنوات بجامعة القاهرة، ثم أعددت للماجستير في أدب مارسيل بروست.. كما أنني أقمت في فرنسا عاما كاملا خلال حرب الخليج. كانت تجربة مهمة حيث شاهدت حرب الخليج على شاشات التلفزيون الفرنسي.. ثم شاركت في أكثر من ندوة في أوروبا عن الأدب العربي. أما كندا فإنني أعيش في القسم الفرنسي منها ـ كيبيك ـ فقد حيث أنني يجب أن أعيش في هذا المجتمع على مدى أربع أو خمس سنوات لإعداد رسالة الدكتوراه.. كان الهاجس الأساسي لبقائي خارج مصر هاجس أكاديمي هو توافر المكتبات وإمكانيات البحث. ولكن بمرور الوقت دخلت في إطار صداقات مع أكاديميين في الجامعة أو ناس عاديين كنديين وأكتشفت أنه ليس هناك ذات وآخر.. كلنا نتشابه. جزء من جمال كندا في رأيي أنها جزء من عالم ثالث.. رغم أنها تنتمي إلى العالم الأول.. لكن بها آليات عالم ثالث بالمعنى الإيجابي.. أقصد هنا ثورية العالم الثالث، طموحه الدائم ورغبته في التغيير هذا أراه أمرا إيجابيا لأنه يدفع المرء إلى الأفضل غير المجتمعات الرأسمالية الراسخة.. التي تشعر أنها وصلت إلى القمة وأصبحت مسيطرة.. أظن أنها حاليا في حالة أفول عاجلا أو أجلا.. في حين أن في كندا ميزة الرغبة في اكتشاف الثقافات الأخرى.. تجد فيها خليطا من ثقافات العالم.. فلا يشعر الإنسان أنه غريب أو بين غرباء، ولأنه مجتمع متعدد الجنسيات فهو حتى على المستوى السياسي يحاول بشكل أساسي أن يحافظ على فكرة التعدد والتحاور بين المؤسسات الاجتماعية والسياسية الموجودة.. هذا ما أشعرني بالسعادة وعدم الإحساس بالغربة.. هذا على عكس السنة التي قضيتها في فرنسا أثناء حرب الخليج. كنت أحس أنني غريبة.. لدرجة أنني كنت أجد رجال الشرطة يقفون على رأس الشارع الذي أقطن فيه ويطلبون في كل مرة التحقق من جواز سفري. وكانوا يتشككون في كل عربي.. أما المجتمع في كندا فهو طموح وتتحقق فيه العدالة الاجتماعية على مستوى عال.. والناس في إطار في كيبيك كانوا يتطلعون إلى الإنفصال عن كندا ولهذا يعيشون في حركة لإثبات وجودهم.. لم أشعر بإحساس الذات والآخر والحاجة للإندماج داخل المجتمع. منذ الشهور الأولى تكونت لي صداقات مع الناس.. لمست عندهم رغبة في المعرفة عن العالم العربي والشرق الأوسط.. لي صديقة كندية تعد رسالة دكتوراه أزعم أنها تعرف عن الشرق الأوسط أكثر مما أعرف وتعد حاليا كتابا عن السينما الفلسطينية والسينما الإسرائيلية، هذا الإنفتاح والرغبة في التعرف لا تجده في مجتمعات أوروبية عريقة أو مجتمع رأسمالي مثل الأميركي. كندا حالة خاصة.. مشكلتي في هذا المكان على المستوى الشخصي، هي عدم قدرتي على الكتابة وعلى الإبداع باللغة العربية.. كان كل التعامل باللغة الفرنسية أو الإنجليزية.. ولهذا فإنني أزور مصر كل ستة شهور..

ـ وتفكرين في مصر حتى اخترت موضوع الحارة المصرية موضوعا لرسالتك للدكتوراه؟

ـ هناك بعد سوسيولوجي.. بدأ عام 1939 بفيلم العزيمة أول فيلم مصري صور الحارة على مدى ستين سنة أي حتى 1999.. أدعي أن الحارة المصرية تغيرت على أرض الواقع كما تغيرت على الشاشة.. في بعض اللحظات كان المصري الصميم يساوي ابن البلد وما عدا ذلك فهو خواجه. في الثمانينيات نجد خيري بشارة أو عاطف الطيب أو داوود عبد السيد يجعل الحارة العشوائية خارج دائرة المدينة. أصالة الحارة المصرية باعتبارها التاريخي كمكان تأسست عليه القاهرة وإرتباطها بإبن البلد.. الفتوة مثلا ـ كانت نموذجا مصغرا للقاهرة في الأربعينيات والخمسينيات وعلى المتغيرات السياسية يقل الاهتمام بالحارة تبرز المدينة في الستينيات وفي السبعينيات عودة لشخصية الفتوة كرمز للقائد العام للدولة على نموذج مصغر في الثمانينيات نخرج إلى حارة أكثر هامشية.

ـظهرت في السنتين الأخيرتين روايات على ارتباط الكتب بالمكان.. خاصة وسط مدينة القاهرة.. وفي روايتك “هليوبوليس” تتناولين مكانا خاصا على أي أساس؟

ـ مصر الجديدة هو الحي الذي ولدت فيه. وكان هناك إحساس دائم بأنها خارج مصر كما ان فيها جاليات أجنبية.. خاصة أنني كنت أتعلم في مدارس فرنسية ولهذا كان هناك إحساس انني داخل وخارج الهوية المصرية في نفس الوقت. ولهذا أردت أن أدون ذكرياتي التي تحولت إلى رواية هيلوبوليس كمكان هي نموذج للبين بين أو الحالة الوسطية بين مجتمعين وبين ثقافتين وقد تناولت هذه البيئة من خلال أربع أسر وأربع سيدات لأن المرأة يمكن أن تحافظ على التركة التي تركها لها السابقون أو يخلفها لها المكان وتناولت مصر الجديدة إجتماعيا في فترة 1970 وفاة عبد الناصر حتى 1987، جنازة السادات الصورة الأولى جنازة عبد الناصر أذكر جيدا وكان عمري وقتئذ خمس سنوات صورة حداد والدتي وظلت أربعين يوما ترتدي السواد. في حين أنه في جنازة السادات وكنت في مرحلة الشباب عمري 16 سنة ـ تفرجنا عليها في التلفزيون ولم يخرج أحد إلى الشارع كما حدث في جنازة عبد الناصر.. رصدت في روايتي هذين الحدثين كما رصدت الأشياء. من غرف النوم، أدوات الاستماع للموسيقى وشرائح الصور، رصدت ظاهرة الخياطة التي تحضر لإعداد جهاز العروسة. قصدت تسجيل المكان والمجتمع والأشياء.

“دنيا زاد “.. التي استحقت جائزة الدولة التشجيعية تقف كتجربة خصوصية الإنسانية لا تكمنها إلا إمرأة من خلال معاناتها..

ـ لقد بدأت الكتابة بناء على تجربة ذاتية.. الأم التي فقدت الابنة أثناء الولادة كانت ولادة طبيعية جدا بدون أي مشاكل. وفجأة كانت هذه الحادثة المأساوية ولم يكن هناك وسيلة لخروج منها إلا عن طريق الكتابة.. بعد ثلاثة أيام من خروجي من المستشفى بدأت الكتابة بمقاومة الإنهيار النفسي بالكتابة كأنها نوع من أنواع العلاج النفسي والإحساس أنها تجربة ذاتية وجدت أنها غير صالحة للنشر فتركتها في إدراجي.. ولكن بعد فترة بدأت اطلع عليها بشكل مختلف بعد أن مضت فترة زمنية.. أعدت الكتابة إلى نص يمكن أن نطلق عليه رواية سيرة ذاتية.. السيرة الذاتية محك أساسي فيها ولكن مكتوبة بصيغة فنية ونشرت على هذا الأساس.

 ـ نشرت دينا زاد في إطار مشروع أوروبي للترجمة على أي أساس تم إختيارها؟

ـ هذا البرنامج يسمى ذاكرة البحر المتوسط يعني بترجمة أدب السيرة الذاتية العربي إلى لغات أجنبية وقد أختيرت السيرة من بين خمسة وعشرين عنوان. وكنت أصغر كاتبة.. وأول رواية لي.. ترجمت إلى ست لغات أوروبية.. وأعتبروا ان تحويل حادث مأساوي إلى رواية نوع من الإيجابية.

…………..

* نشر في 22 أغسطس 2002

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم