مسلسل آسيا… الفقد الذي ينخر الروح

مسلسل آسيا... الفقد الذي ينخر الروح
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
بإيقاع بوليسي، وهدوء قلق، بكادر مريح للعين، وغامض يورط الروح في أحداثه، بنص حلو وكتابة واعية مرسومة بحرفية وبتمثيل قوي وتجسيد مبهر للشخصيات قدم مؤلف مسلسل "آسيا" عباس أبو الحسن ومخرجه محمد بكير وفريق عمل محترف "منى زكي، باسم السمرة، سيد رجب، هاني عادل، سلوى محمد علي، نسرين أمين" وغيرهم من النجوم .. الدراما التليفزيونية "آسيا".

لا يناقش المسلسل قضية كبيرة في نظر المجتمع، ربما ينظر البعض للمسلسل على أه قضية بوليسية حول اختفاء “آسيا- منى زكي”  الفنانة التشكيلية وزوجة الطبيب “راجي” الذي يلعب دوره “هاني عادل” وأم لثلاثة أولاد.

تختفي آسيا بعد مشادة كلامية مع زوجها، ليستيقظ في صباح اليوم التالي لا أثر لها ولا للطفل لـ”سليم” ابنهما..  وهنا يقسم المسلسل لجزئين، حيث رحلة بحث من الشرطة والزوج والأصدقاء عن “آسيا وابنها سليم”، وجزء آخر حيث تظهر “آسيا” ملقاة على الطريق في الصحراء ويجدها باسم السمرة “البرنس” يصطحبها معه للملهى الليلي الذي يملكه واسمه “شيطانة” وتبقى هناك فاقدة للذاكرة بشخصية مختلفة تماما عن الصورة التي يقدمها زوجها وأصدقاؤها وتحريات المباحث في المنطقة الاخرى من المسلسل.

رغم البطء الذي يصل لحد الملل والتطويل في المشاهد الذي أضر بالعمل كثيرا، قدم مسلسل “آسيا” دراما جميلة.

أداء الممثلين داخل “ملهي شيطانة” كان مبهرا لحد كتم الأنفاس .. مبارزة تمثلية بين منى زكي وباسم السمرة وسيد رجب، أو “ورد” اسم آسيا الجديد بعد فقدها للذاكرة، و”البرنس” دور باسم  و”مولانا” الذي قدمه سيد رجب.

لم استطع ان أبعد عن ذهني فكرة أن هذا المسلسل لن يلقى نجاحا جماهيريا الآن ، وإنه اشبه بالسينما الديجتال او سينما المثقفين .

حدوتة باذخة الجمال ، تخص الفرد الذي هو دائما محور تساؤل وشكوك المثقف ،  يقدم قضية تخص إنسانيته وقدره ورؤيته للحياة ، والطريقة التي يرغب أن يعيش بها ، وطرقه في التملص من العالم وصخبه ، رغبته الخالصة في ضم الأشياء والأشخاص التي يحبها والغوص بها بعيدا عن الضوضاء لان التصالح والتعايش مع الحياة الطبيبعة أصعب ما يضطر الفنان لمواجهته ، يبدو الأمر قتل غير رحيم ..

كانت تلك هي أزمة ” أسيا” الفنانة التشكيلية التي توازن بين دورها كأم وكفنانة تتصرف مع الحياة بنصف وعي ، تحتاج للهدوء والبراح والألوان والتملص من القيود ، تحتاج للسفر والوحدة واختزان الجمال .. وبين دورها كأم تعتني بثلاث أطفال منهم سليم الأصغر والأكثر قربا من قلبها حتى انها اسمته على اسم أبيها ” سليم ” الرجل الذي فتح لها أبواب الحرية والجمال وتركها مثل غزال بري شارد له الحق في المضي في الصحاري يتبع حدسه وقلبه .

سليم الأب الذي خسرته عندما إنتحر بسبب مرض أصابه واقعده في شلل ، كان ذلك الفقد ضربة قاسمة بعد فقدها لأخيها الصغير الذي ولد بعاهة عقلية وتوفي صغيرا وكانت متعلقة به ، سليم الإبن كان تعويضا عن كل الفقد والخذلان الذي خذله لها حبيب قديم بخيانته لها ، وخذلان زوج بعدم تفهمه لطبيعتها كفنانة ، رغم محاولته أو ادعاءه تقبل اختلافها إلا أنه كان يشعرها بعاهة اختلافها طوال الوقت ، سليم كان قطعة النار التي تدفئ عالمها وسط جبل الثلج الذي يقيد حياتها .

الولد الذي اختفى من منزل الرحلات بالفيوم حيث تقضى الأسرة اجازة ، ولم يظهر معها في ملهي ” شيطانةفي الجانب الآخر من العملة .

نتابع تطور الأحداث في وجهي العملة ، ونحن لا نعرف مصير سليم ، ولا ما الذي دفع” أسيا” للخروج من البيت بعد الفجر وما الذي سبب لها أن ترقد وسط صحراء الفيوم على الطريق فاقدة الوعي ممزقة الثياب ومريضة حد الإعياء .

” سيد رجب” ممثل بطاقة ساحر ، كانت الشاشة تضئ كلما ظهر في مشهد ، كلما تلقى تعليمات في صمت من ” البرنس” أو قدم حوارا ملغزا مع ” ورد” ..

قدم شخصية المجرم عديم القلب ، لكنه ملئ برحمة لا يخطئها أحد ، تعرف إنه رجل المهام القاسية والصعبة وإنه قاتل لكن لا يمكن إلا أن تتورط مع انسانيته وتحبه وتتمنى ألا يصيبه مكروه قدم الدور باسم ” بحر ” وباسم شهره هو مولانا

كان يشبه البحر في الدور ، كلما إتكأت منى زكي على ذلك الاسم يا ” بحر” حركت شحنة مشاعر في الهواء بينهما ، نقلتها للمشاهد فأحب الحالة والعلاقة .

” أسطوره شيطانة وناسها ” العالم والبشر داخل ذلك الوكر / الملهى .. التجارة بالسلاح والأثار والبشر ، ديكور الملهى وإضاءته كانت بطل بلا منازع ، مكان  يحيلك فورا للجحيم ، سيكون هناك إضاءة مشابهه ، وموسيقى وجنيات الكثير منهن ، ستقابل البنات وستقف كثيرا أمام أداء ” نسرين أمين ” سلطانة شيطانة التي حلت محلها ورد .. ستعتريك الحيرة ذاتها التي تتورط فيها كلما قابلت بنت ليل في مسلسل أو فيلم أو على الرصيف في الشارع او جوارك في المواصلات ، لن تملك إلا الإتحياز لها والتعاطف معها ، لن تستطع إلا أن تتمنى لها السلامة من كل قلبك .

عالم شيطانة ، بمن فيه من قوادين وتجار سلاح ومخدارات وتجار دين وأصحاب نفوذ وقتلة ومجرمين ، وشخصية ورد التي تشكلت هناك لأسيا التي فقدت ذاكرتها وبهتت عليها الأضواء والموسيقى والهواء فتحولت لجنية بحر.. ترقص وتتماهى مع الموسيقى وتنحت تماثيل  وعاشت جوار ” بحر ” يقدم لها العون والحماية .

تبدو القصة بين ” ورد” و” البرنس” لكن الحكاية الحقيقية بينها وبين ” بحر”

” البرنس” او أنتيكا الاسم الذي يكره أن يناديه به أحد ، قواد وسفاح حقيقي لدرجة مخيفة ، قبح يربكك قبل ان تحدد موقفك من إجرامه ، تحتاج لمجهود كبير لتكرهه ، وعندما تفعل لا يمكنك العودة أبدا .. هو الذي يقتل شابا صغيرا شك في انه على علاقة بورد هو الذي قتل حبيبته السابقة سلطانة شيطانة ، ذبحا ومزق لحمها وعظامها ، هكذا اعترف في مشهد مرعب من فرط جماله ، قال لورد” قتلتها واستخدمت عظام حوضها الذي خانني كعصا أدوس بها لتذكرني بالخيانة ”

أنتيكا الذي يبدأ حكاياته مع الناس بان يطهو لهم وجبة من يديه هو الماهر مثل صياد ، وينهي الحكاية دائما بالدم ، الكثير منه .

في الجانب الآخر من المسلسل ، حياة باردة ومملة ، زيجة لا نعرف كيف استمرت ! سؤال سنطرحه ثم سنتوقف عن التفكير فيه ، ربما يعيش كل الناس هكذا ، النساء التي تحتال على الحياة لتحصل على قدر من البراح والحرية دون الحصول على لقب مطلقة .

ونساء يحصلن على هذه الحرية والبراح بتدمير الأعصاب ، والخلافات الدائمة مع زوج شرقي ، يظن أنه يملك صكوك ملكية زوجته وان أي كان ما تحصل عليه من حقها في إنسانيتها هو فضل منه .

بروح رجل شرقي ، وانثى متمردة ، تمردها ليس سبه وإنما جزء من روحها وخطوط رسوماتها تمضي الحياة في مشاحنات وبرودة .

برجل يحب الصيد ويملأ البيت بالسكاكين وادوات الصيد وإمرأة تعفو عن السارق ، وتقرض مالا للمحتاجين ، وتحمل قلب ملاك يجاهد أن يرسم الحياة بخطوطه والوانه .

قسوة التناقض وحده المسنون تدمى روحها ، وتعذب زوجها ، تعاسة تمشي على قدمين ، وبرودة تطفو من الكادرات لتخرج من الشاشة وتمس أطراف المتفرجين .

كل ذلك لم يخرج الزوج من دائرة الإشتباه لدى رجال المباحث ، الأطراف الكثيرة في هذا الجانب التي كانت تحكي حكاية ” أسيا” لنراها من عيون الأم والصديقة وصديقها الرسام الذي يعتبرها كإبنته  والزوج والحبيب السابق ووالدة زوجها وبناتها  وعامل الكهرباء في القرية السياحية . فتزداد الرؤية غموضا بدلا من أن تتضح.

الورق في المسلسل والحوار كان متقنا ، وقادرا على المضي في دوائر تحفر للعمق ، دون ان تحقق تقدما للأمام .

لا يمكن أن أكتب عن مسلسل ” أسيا” دون ان ارفع القبعه للموسيقى التصويرية التي كتبها ” عمرو إسماعيل ” ونافست النجوم في هذا المسلسل ، الموسيقى كانت تتسرب من الاماكن تلقائيا خاصة من ديكور ” شيطانة ” الملهى .

الموسيقى كانت تشبه روح ” اسيا ” وحيرتها ووجعها ، الموسيقى كانت تربت قلوبنا وتتلقف الحزن الذي غرقنا فيه في النهاية ، عندما عرفنا أن الطفل ” سليم مات غرقا ، وعندما تحل خيوط اللغز وتتشابك الحكايات ، وتكشف عن المزيد من الفقد والإرتباك والسواد الذي سترتديه ” اسيا ” في نهاية المسلسل لتجلس جوار البحيرة في الفيوم حيث غرق ” سليم ” لتقرأ ” خطابا كان قد كتبه ليقدمه لها في عيد الأم .

هناك حيث صوت سليم والموسيقى التصويرية وماء البحيرة وسواد ملابس أسيا والحزن المعلق في أطراف قلوبنا الذي اجهدها هذا المسلسل العذب لدرجة الألم . 

مقالات من نفس القسم