مثل شتاء قديم

مثل شتاء قديم
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

الفوضى المحببة التي تمتلئ بها روحي، رائحة شتاء قديم، وبرودة خافتة تسري من قلبي للعالم. ملابس صغيرة مثل أحلامي يمتلئ بها المكان في انتظار الوافدة الصغيرة، يدي التي تتحسس أشياءها فيهاجمني شجن لا يحتمله قلبي .

الدموع التي تسيل أسهل لأن شيئا غامضا يعصر روحي، ذلك المزيج بين الحزن والخوف والانتظار وربما الكثير من الفرح الغارق في ألوان الشجن الكثيفة فلا يظهر منه وسط الخليط إلا قطعا حمراء صغيرة تشبه حبات الفراولة التي تسافر في شلال من الحليب الأبيض، الذي صار لونه وسيرته تسبب لي غثياناً، لأن الكالسيوم الذي كان علىّ أن اتعرض له طوال الشهور الماضية قضى على علاقتي المحببة بالحليب لسنوات كثيرة قادمة.

أنا التي أزداد هشاشة، فتتقضم كلماتي على أعتاب الورق، وينغرس صوتي في شوكة ضخمة معدة لتمشيط الأرض الخراب، لكني استخدمتها مؤخراً لتقليب المكرونة الإسباجيتي في الإناء الكبير، وتوزيعها على الصغار .

أنا التي أتكئ على المحبة وأمضي، وأفكر انها ستحميني من الجنون عاما آخر .. وأن اثنتين وثلاثين إبرة طبية محملة بالسائل الزيتي الأحمر كانت كافية للشهور الثلاثة الماضية لتخبرني أن طفلتي العنيدة المتشبثة ستكون ساحرة جديدة، وستكرر كل ما كففت أنا عن الإيمان به .هي التي تحركت في أحشائي بفرح وزهو كما لم تفعل أبدا عندما سمعت صوت مدحت صالح يغني لها “ثلاث سلامات” وسط دهشتي لم أستطع أن أمنع نفسي من التجاوب معها والهمس لها “اصبري لما تسمعيها بصوت قنديل” هي التي عادت للحركة والنقر من الداخل بما يشبه نقرات الآلة الكاتبة التي أحبها، وربما صوت لوحة مفاتيح، وربما فقط بصوت اناملها الصغيرة وهي تخربش في الداخل لتخبرني أنها سعيدة، تفعل ذلك كلما مررت لها قطعة من الشيكولاته أو فصا من البرتقال  او قطعة من الجوافة – فاكهة النساء الأكثر جمالا.

الصغيرة التي تحب هذه الأشياء نقرت كثيرا بشكل ضبط ايقاع قلبي مع نقراتها عندما سمعت لأول مرة أغنية “عم بطاطا” لعلي الحجار .. بدأت الحركة مع الموسيقى وعندما قال “عم بطاطا ينط النطة يعبر سينا ويفتح عكا” كانت قد وصلت لقمة الاستمتاع .بقلب يرتجف، وفم مفتوح من الدهشة كنت اراقب ما تفعله في الداخل، وأخيرا استسلمت لأنها ستحب الموسيقى وستتذوق الجمال .وربما سيكون لها قدر يشبه هؤلاء الممسوسين بالمحبة ..بالفوضى المحببة التي تملأ روحي، وبشتاء قديم يشبه جدتي التي غابت، وبقى منها في ذاكرتي صوت وشيش البخار في صباحات الشتاء البعيدة وصوتها العذب وهي تغني موالا شعبيا عن الحزن وحضن يشبه تماما حضن أمي الذي يتلقفني دائما ويخفيني من البرد في الشتاء، ومن الحزن الذي لا ينتهي .بالفوضى المحببة التي تملأ روحي، وبشجن يمر من قلبي للعالم أتكأ على المحبة وأشياء الصغيرة التي تملأ المكان حولي وأمضي

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار