لا حوَّاء ولا آدم

لا حوَّاء ولا آدم
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

تخيَّل مثلًا أنكَ تجلس في مكان هادئ وأنيق، بصحبة امرأة جميلة تجاوزت الشباب، وراحت تحكي لك عن قصة حب قديمة في حياتها، عاشتها مع شاب ياباني حين كان كلاهما في أوائل العشرينات من عمريهما، على مدار عامين تقريبًا. أضف إلى ذلك أنها تتحدث ببساطة آسرة، دون خجل من الاعتراف بمشكلاتها الداخلية، ومن غير أن تحاول أن تضفي سحرًا زائفًا على تلك العلاقة، تكتمل الوصفة إذا وضعت في اعتبارك أن السيدة الجميلة تتمتع بخفة ظل طبيعية وذكاء لامع. لعلّ هذا هو أقرب وصف يمكن أن يشعر به قارئ رواية لا حواء ولا آدم، الصادرة مؤخرًا عن سلسلة الجوائز، من ترجمة دينا رفعت سلّام، للكاتبة البلجيكية أميلي نوتومب، التي من الواضح أنها تقتفي أثر بعض محطات حياتها الشخصية في هذه الرواية، بما أنها ولدت في اليابان وعاشت هناك حتى الخامسة عشرة من عمرها، ثم عادت إليها شابة حيث عملت كمترجمة فورية، قبل أن تعود إلى أوروبا وتتفرغ تماماً للكتابة، هذا القرار الذي تتضح أبعاده في روايتها هذه، كحالة هروب من زواج بالحبيب الياباني الأقرب إلى أمير أحلام حقيقي، ليس فقط لثرائه ووسامته، بل أيضًا لما اتصف به في علاقته معها من رقة وطيبة، إلى جانب غرابة أطوار محببة. 

من اللحظة الأولى لحكايتها لن تفلت السيدة نوتومب الخيط، مع كل فصل سوف تتقدم بك خطوة في قصة الحب الرشيقة منذ أن بدأ الأمر كمحاولة منها لتمتين لغتها اليابانية عن طريق إعطاء دروس لأحد اليابانيين في اللغة الفرنسية، وسوف تلعب طوال الحكاية على مسألة اللغة هذه، وإساءات الفهم منذ أن يخلط تلميذها الشاب في المعنى بين مفردة معلمة بالفرنسية وحبيبة أو عشيقة، وهو يتعرّف على صديقتها، في لقاء أول، وكأنه كان يتنبأ بما سيكون بينهما. لن تفوّت محدثتك الآسرة أي فرصة للعب بالمفردات، ودلالاتها وأصواتها، واستغلال ظلالها الكامنة. وربما كان عبئًا إضافيًا في عملية الترجمة، التي أصابها شيء من الارتباك في بعض اللحظات فبدت بعض العبارات والجمل أحيانًا غير ذات معنى واضح أو منبتة الصلة عن السياق، إلى جانب بعض حالات عدم التدقيق، فللكاتبة رواية أخرى بعنوان “ذهول ورعدة”، عن حياتها العملية في اليابان، ترجمت أيضًا في سلسلة الجوائز، لكن يرد في هذا النص خلاف ذلك: “في مقالي عن الذهول والارتجاف تحدثتُ عن …” فلا شك أنه لم يكن مقالًا بالمرة، إلّا إذا كانت السيدة الجميلة تعتبر رواياتها هذه مجرد مقالات طويلة رغم ما نالته من الجوائز والتقدير الأدبي.

رغم عدم انسياب التواصل بين حينٍ وآخر، تبقى الحكاية آسرة تحديدًا لبساطتها وعفويتها، وقد تسأل نفسك بينما تنصت إلى الحكّاءة المهيمنة من أين ينبع هذا السحر؟ فحكايتها مع الشاب الياباني بسيطة للغاية، ويمكن لها أن تكون نسخة متكررة من عشرات الحكايات العاطفية التي تتكرر كل يوم في كل ركن من الأرض، وقد تجيب بأن مكمن السحر ليس الحكاية بل مّن تحكيها، وما تضفيه عليها من روحها، ومن ذكائها وطرافتها وقدرتها على الربط بين عناصر تبدو متنافرة للوهلة الأولى، وانتقالها النشط بين لحظة وأخرى، دون أن تشعر أنها تلهث راكضة وراء حدث مهم أو نقطة تفجّر.

من ملامح الحسية الجميلة في هذه الرواية ليس الجنس، فالإشارات إليه تبقى في حدود اللياقة اليابانية العتيقة، بل هو الطعام وشهوة التذوق، إذ ينغمس الأمير الياباني في إعداد الأطباق المخصوصة لحبيبته في طقوس أقرب إلى التبتل، ويستمتع بمشاهدتها تستغرق في الأكل مغيّبة في عالمٍ آخر. سيكون عليك أن تبذل جهداً لكي لا تحسد السيدة الجميلة وقد انتهت من حكايتها لك، أولاً لأنها عاشت هذا كله، وثانيًا لأنها عرفت كيف تستعيده وتحكيه وتقدمه لك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر في جريدة القاهرة

 

مقالات من نفس القسم