كوة السقف

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 27
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سيلفينا أوكامبو

ترجمة: محمود فهمي

على باب المصعد توجد نقوش عبارة عن كؤوس مذهبة بها زهور وأعواد سوداء من ورق الشجر المصنوعة من الحديد، والتى ستخطف عينيك إذا ما كنت حزينًا، ستشاهد كابلات المصعد غير المطلية والتى تشبه ثعابين ضخمة. إنه بيت أكبر عماتى الذى كانوا يأخذوننى إليه كل سبت لزيارته.

عبر كوة فى السقف أعلى القاعة يوجد بيت آخر غامض، عبر الزجاج يمكنك رؤية عائلة من الأقدام محاطة بالهالات مثل القديسين ويمكنك أيضًا رؤية ظلال بقية الأجساد التى لتلك الأقدام، ظلال مسطحة كأنك تنظر إلى يدين عبر مياه الاستحمام، كانت هناك قدمان صغيرتان وثلاثة أزواج من الأقدام الكبيرة، اثنتان منهما ترتديان كعوباً عالية وتمشى بخطوات قصيرة، تتحرك الأمتعة فوق الأرضية مسببة ضجيجًا كما لو كان لعاصفة رعدية، العائلة لم تكن تسافر أبدًا، كانوا دائمًا يجلسون فى الغرفة ذاتها يتصفحون الجرائد بينما تنساب الألحان من أصابع عازف البيانو والذى كان يعزف لحنًا واحدًا لا يتغير، من وقت لآخر ترتد الأصوات مثل كرات فوق الأرضية أو تنزلق بهدوء فوق السجادة.

ذات ليلة شتوية دقت الساعة الخشبية الكبيرة التى تنتصب مثل شجرة معلنة تمام التاسعة وهو موعد النوم، ساعتها هبت عاصفة ثلجية عبر شقوق النافذة المثقلة بستائر تنبعث منها روائح كريهة من أثر العث.

اهتزت ظلال النباتات التى لها شكل النخيل، كان الشارع ممتلئًا ببائعى الفاكهة والجرائد والكآبة التى تشبه وداعات فى الليل، كان المنزل فى الأعلى فارغًا إلا من البكاء الصغير لطفلة صغيرة (والتى كانت قد استقبلت للتو قبلة أمنيات بليلة سعيدة لكنها لم تكن ترغب فى الذهاب إلى النوم)، كان هناك ظل تنورة دائرية تشبه شيطانًا أسود، هتف صوت كأنه مغطى بالشعر الخشن “سيليستينا سيليستينا” صانعًا هوة مظلمة من ذلك الاسم، وبعد أن تضاءلت الصرخة وأصبحت خافتة ظهرت قدمان صغيرتان تقفزان الحبل، سقطت ضحكة وراءها ضحكة من قدمى سيليستينا العاريتين والتى كانت فى ثياب النوم وفى فمها قطعة من الحلوى.

 ثياب نومها كانت على شكل سحابة فى مواجهة مربعات من الزجاج الأخضر.

صوت القدمين أصبح أقوى “سيليستينا ، سيليستينا” أجابها صوت ضحكات القدمين بحدة أكثر وأكثر ارتفاعًا، كانت القدمان العاريتان تقفزان لأعلى فوق الحبل البيضاوى، ترقصان بينما صندوق الموسيقى الذى على شكل دمية يعمل فى الأعلى.

يمكنك سماع صوت خطوات تلك الأحذية السوداء ذات الرقبة والمربوطة بأربطة عديدة، والتى تتقدم وتتأخر فى موجات من الغضب القاتل، التنورة الدائرية التى لها جناحا شيطان عادت ترفرف مرة أخرى فوق الزجاج، القدمان توقفتا عن القفز، كليهما ركضتا خلف بعضهما دون أن تدرك إحداهما الأخرى، التنورة المدورة تطارد القدمين الصغيرتين الحافيتين، بمخالب ممتدة ومعلقة فى الهواء قبضت يدا التنورة السوداء على مشبك الشعر فانطلقت الصرخات.

انحل أحد أربطة الحذاء الأسود وتعثرت إحدى قدمي التنورة الغاضبة بالأخرى، مرة أخرى صدمة من الضحكات، والشعر المفقود، والصوت الأسود عاد يعوى مثل بئر أسود فوق السطح: “سوف أقتلك” ومثل الرعد الذى يحطم الزجاج جاء صوت إبريق من البورسلين يسقط فوق الأرض، السائل الذى بداخل الإبريق انفجر خارجًا، انسكب بكثافة، ببطء فى صمت، صمت عميق ذلك الصمت الذى يسبق بكاء طفل يقوم شخص ما بضربه.

ببطء، انشق الرأس إلى نصفين مرسومين فوق الزجاج، رأس ذو تجعيدات دموية مربوطة بأقواس. امتدت بقعة  حمراء على نطاق أوسع، من خلال صدع في الزجاج، قطرات كبيرة سميكة متجمدة مثل دمى الجنود سقطت، سقطت مثل مطرعلى بلاط الفناء، سيطر صمت كبير كما لو كان البيت كله قد انتقل إلى الريف، شكلت الكراسي دائرة صامتة حيث كان الزوار في اليوم السابق.

التنورة المدورة عادت للطيران مرة أخرى فوق الرأس الميت “سيليستينا، سيليستينا”، وعمود حديدى يدق على إيقاع حبل القفز.

 فُتحت الأبواب مُصدِرة صريرًا بطيئًا يشبه النواح، كل الأقدام التى دخلت تحولت إلى ركب، كوة السقف كانت خضراء بلون زجاجات الكولونيا تتلألأ كتنانير مطوية، لا يمكنك رؤية ولو قدم واحدة مرة أخرى، والتنورة السوداء الدائرية تحولت إلى قديس جاث، منحنية أقل من أى شخص آخر فوق الزجاج.

………………

*سيلفينا أوكامبو(1903-1993) كاتبة وشاعرة أرجنتينية ولدت فى بوينس آيرس عاصمة الأرجنتين. وتعد أوكامبو من أبرز شاعرات الأرجنتين وأمريكا الجنوبية وصفها بورخيس بأنها تمثل جوهر المرأة الأرجنتينية وهى زوجة للكاتب الارجنتينى أدولفو بيوى كاساريس، تعد أول امرأة تدخل الأكاديمية الأرجنتينية للآداب عام 1976.

مقالات من نفس القسم