“كل الأماكن المشرقة”.. أن تبحث عن الكنز داخل قلبك

all the bright places
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

نهى محمود

يمكنني أن أردد العبارة بلا توقف “كل الأماكن المضيئة”.. شاهدت الفيلم متمنية ان يدلني على الأماكن المضيئة، تخيلت أني أقف في مكان عال وبعيد وهادئ تغمرني الشمس، أضيء تحت ِأشعتها، تحتضني وأتوهج.. ملئأي إحساس بالبراح لمجرد قراءة اسم الفيلم، الفيلم يحكي عن فتاة مراهقة فقدت أختها في حادث سيارة منذ شهور، لم تتعاف من الفقد، وفتى يعاني من نوبات عداء وعدم تأقلم مع العالم، يجمعها مشروع دراسي بالكتابة عن الأماكن التي تعجبهم في “إنديانا” الولاية التي يعيشان بها.

يعتبر المدرس المشروع بمثابة وداع للمكان قبل ـن يغادر بعضهم للجامعة.. رحلة في اكتشاف المكان وأنفسهم وأوجاعهم.

وأنا أثق وأحب تيمة الرحلة في الحكايات سواء كانت في كتاب أو فيلم، دائما ما يبدو الكنز في الرحلة والشفاء والمتعة في الطريق، وكما قال بطل هذا الفيلم “ليس عيبا أن نتعثر ونفقد الطريق طالما سنعرف في النهاية طريق الوصول”.  

 للوهلة الأولى يذكرني الفيلم بقصة الولد والبنت في فيلم “ما تخبئه لنا النجوم” أو The Fault in Our Stars   المراهقان المصابان بنوعين مختلفين من السرطان، وفي مراحل متأخرة وصعبة ويتكبدان مشقة رحلة لمقابلة كاتبهما المفضل.. الخروج من المعاناة برغبة في تحقيق حلم أو فكرة او القيام برحلة.

حتى أن هذا الفيلم مثله مأخوذ عن رواية لجينيفر نيفين تحمل الاسم ذاته. قابل الولد “فينش” الذي يقوم بدوره جاستس سميث، الفتاة “فيوليت” إيل فانينغ وهي تقف على حافة الجسر التي ماتت عنده أختها وغيرت حياتها هي.. عرف عندما شاهدتها إنها الفتاة التي تذهب معه لنفس الصف الدراسي بالمدرسة.

صعد للحافة ووقف جوارها، مد يده نحوها وأنقذها.

فيوليت كانت تتجنب الابتسام منذ فقدت شقيقتها، وفينش يمر بنوبات اكتئاب كبيرة يختفي فيها ولا يستطيع أحد من أصدقائه الوصول اليه.. يمضيان معا في رحلة اكتشاف للمكان، يختار أن يذهبا أولا للوقوف فوق صخرة وسط غابة ويخبرها أنها أعلى نقطة في العالم، يذهبان ليشاهدا شجرة تتجمع فوقها الأحذية البالية، ومكان مهجور يذهب إليه الناس ليدونوا إجابتهم عن السؤال المكتوب على الجدار الكبير هناك “ماذا تريد أن تقعل عند موتك”.

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 310

مشهد بديع، السكون والظلام يلف كل شيء، استخدم لغة الإشارة ليدعوها للنزول ومقابلته، وقف تحت نافذتها في مشهد يحيلنا فورا لروميو وجوليت، تشير له بالتمنع، يقذف النافذة بحجر صغير تبتسم وتمضي معه بالدراجة – حيث تخشي ركوب السيارات بعد الحادثة، في المكان الإضاءة تبدو موفقة مع الحالة كلها باهتة ومربكة تماما كما السؤال على الحائط، وسط موسيقى  “كيغان ديويت” برهافتها ونزقها  تحمل الجدار فوقها وانفعالاتهما معا بينما يكتب كل منهم اجابته.. كلمة واحدة، حرف واحد كان من الممكن أن يفسد هشاشة المشهد وقوته تدفقت الموسيقى بينما كتب الطباشير على الحائط.

كانت إجابة فينش “قبل أن اموت أريد أن أبقى مستيقظا”، بينما كتبت فيوليت “قبل ان أموت أريد أن أتحلى بالشجاعة”. 

جلسا بعدها متجاورين تحدثا أيضا عن الموت، والغريب أن المشهد لم يبد كئيبا أو مثقلا بالحزن، بل بدا رومانسيا، سألها ماذا كانت تحب أن تكتب على شاهد قبر أختها قالت “كانت أخت وصديقتي المقربة”، بينما اختار كل منهما ان يكتب على شاهده “كنت هنا .

توسعت جولاتهما لسينما سيارات قديمة ومهجورة صنعها رجل وزوجته من بقايا الخردة، هناك أرجوحة بدائية جربها كل من فينيش وفيوليت. ذهب بها لبحيرة مهجورة وحكي لها عن أسطورة كونها بلا قاع.. كانت المياة متجمدة لكنهما نزلا للماء.

اختار لها بقعة على الخريطة وأخبرها انه سيكون دورها أن تذهب بهما هناك ذات يوم، وناولها دفترا وطلب منها أن تبدأ بالكتابة عن المشروع الدراسي.

يخبرها في طريق العودة من إحدى الجولات “تعرفين ما يعجبني فيك، نك تجمعين كل الألوان بكامل بهائها”.

تتغير “فيوليت” تهزم الصداقة والحب ورغبة فينيش أن يراها تبتسم، خوفها من التوقف عن الحزن، تقف في المطبخ وتعد مع والدها فطائر البانكيك بالتوت.. يزورهما فينيش ويتحدث مع والديها ويسعدان باستعادة ابنتهما الحياة تدريجيا.

لكن الأمور  تتأزم مع فينيش، يواصل بعض زملائه نعته “بالمسخ” وتهاجمه نوبات الإكتئاب واللوم، ويكشف لفيوليت في عدة مشاهد أن لديه عقدة من أبيه بسبب نوبات اكتئاب كانت تصاحب ذلك الأب بينما كان فينيش صغيرا حتى أنه آذاه بقطع طولي تراه فيوليت في بطنه، أزمات تضغط على فينيش وسط عدم تفهم وقسوة الآخرين تدفعه للغياب والاختفاء، تقود “فيوليت” السيارة لأول مرة منذ حادث أختها، تصل للبحيرة البعيدة تجد متعلقاته وملابسه وتعرف أنه غادر.  

يجعلني ذلك أفكر في كيف امتزج داخل فينيش قوته في أن يكون طوق نجاة للبنت، يجذبها بعيدا عن الموت والحزن، كما قال لأبويها في أحد المشاهد: أحاول أن أجعلها تتلهى بالجولات التي أصحبها إليها، وكيف هزمه الاكتئاب وماضيه المؤلم مع تعذيب والده له وعدم قبول الآخرين له وملازمته كلمة “مسخ” له تطبق على روحه حتى هزمته، كيف يبدو الإنسان بهذا القدر من التناقض والغموض، كيف يمكننا أن نشير للآخرين على فوهة البئر وندفعهم للعبور نحو الضوء، بينما تهزمنا عتمة قلوبنا

عندما تتعافى فيوليت قليلا من صدمة فقده تذهب للمكان الذي أشار له على الخريطة تجده “دار عبادة” اقيمت خصيصا تخليداً لذكرى من ماتوا في حوادث السيارات، هؤلاء الذين غادرونا باكرا “تبحث في دفتر الزيارات تجد جملة “كنت هنا” وتحتها الحروف الأولى من اسم فينش.

في المدرسة وبينما تسلم فيوليت المشروع الدراسي المشترك بينها وبين صديقها بعد رحيله تخبرنا أنه علمها “أنه ليس من الضروري أن اتسلق جبلا، لأصل لقمة العالم، وأن حتى أبشع الأماكن قد تكون جميلة ما دمت تأخذ وقتا لتأملها، وأن الجمال موجود في أماكن غير متوقعة بالمرة، وأن هناك أماكن مشرقة حتى في أحلك اللحظات، وإن لم يكن موجودا فيمكنك أنت أن تكون المكان المشرق.

 

 

مقالات من نفس القسم