قراءه في “ترانس كندا”.. الكتابة بين لعبة المد والجذر

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أماني خليل

تبدو "سماح صادق" عبر سطور روايتها, كرسامي البورتريهات الذين يقفون في ميادين المدن الـوروبية القديمة وفي زوايا مراكزها التجارية, فبسرعة وخفة لا تخلو من حذَق وبراعة, تبدأ سماح روايتها الاولي ـ بعد تجاربها الشعرية السابقة ـ في رسم مجموعه من البورتريهات لشخوص روايتها وابطالها الرئيسيين, "نهي، ايمان، يوسف، هاني، حلا".

بعد ذلك تلج إلى صُلب روايتها تبدأ من طفولة ايمان البطلة الرئيسية, في إحدى المناطق الشعبية بين أم وأب علي خلافات شديدة,لا تفهم الصغيرة سبب تلك الخلافات لكنها تلهو علي سطوح بيت الأسرة, تلعب مع صديقة طفولتها لعبة” أم المُحمّدات” وهنا تروي سماح  مشاهد من طفولة عذبة وشجية مليئة بالبراءه والتفاصيل الحميمة، حيث تقوم إيمان وصديقة طفولتها, بلعب تمثيليات بسيطة تلعب الصغيرات تلك اللعبة في بلادنا لتسلية انفسهن, ثم تنتهي تلك المرحلة بموت مفاجئ للأم التي تحرق نفسها بالكيروسين كعادة النساء في المناطق الشعبية, لعنة المصريات, وطريقتهن للخلاص من قسوة الحياة، ويستدعي هذا المشهد الذي رسمته سماح بحرفية مشهد احتراق “سيمون” في فيلم”يوم حلو ويوم مر” الذي أخرجه القدير خيري بشارة.

تتوالي المحطات التي تنتقل اليها بطلة “ترانس كندا” من مدينة الي اخري ومن علاقة الي علاقة اخري, وبين الانتقال والانتقال الذي يليه تعتمد “صادق” تقنية الفلاش باك, بين الماضي والحاضر لتتوالى الأحداث بخفة وتماسك شديد، ولتحوذ علي انتباه القارئ بشدة, وتأسر مشاعره تماما مع شخوص الحكاية .

 في تلك العلاقات العابرة علي الروح والجسد تقول “صادق” انها حبة القمح التي تسد جوع الآخرين ” وهي الجملة الختامية  التي اختارتها  كغلاف خلفي للرواية، وهو اختيار موفق يعبر عن هذا الجوع الانساني للآخر الذي لا يزيده إلا ألماً وشجناً.

بين يوسف ابن رجل الأعمال وحبها الأول والاخيرالذي تقابله او تسعي وراءه في كندا,ت قابل يوسف المغترب الهارب من مصر من جريمة قتل, الذي يسقط في براثن الادمان, ويحلم بالتطهر من جريمته,حتي بأن ينال نفس مصير ضحيته بالموت في حادث سيارة, وكأن “كارما” تطهرية  تضع حدا لحكايته ولحكايتهما معا.

ثم هاني المتزوج من ديان الاجنبية التي تشاركه البيت والـ”بيزنيس”, في تلك العلاقة الثلاثية تتورط ايمان في علاقة جسدية مع هاني, بعلم ديان ورضاها إذ تستسلم كي لا تفقده, واحدة من اشد العلاقات تعقيدا, الثالوث الملعون الزوج والزوجه والعشيقة.

وبالتوازي مع تخلص “ايمان” بطله ترانس كندا من جنينها تسعي نهي البطلة الموازية لايمان المصرية المغتربة هي الاخري  للحمل صناعيا من زوج عنين ارتضت ان تكمل معه مشوار حياتها بعد نزوة قصيرة وعابرة,مرة ثانية تلعب صادق لعبة المد والجزر ولكن ليس بين الماضي والحاضر لكن بين تصاريف القدر الذي يمنع ويمنح!

تستقر “ايمان” بين يدي زوج غربي اشقر بارد العيون والمشاعر, تبقي معه بعض الوقت لتحصل علي اوراق قانونية, لا تري غضاضة ان تتركه بعد حصولها عليها, تقدم لها جسدها  مقابل الاوراق, وتشعر  بخسارة الصفقة علي روحها!

 لغة الرواية بسيطة وغير متقعرة , منسابة بهدوء مخيف, غير معنية بجماليات شعرية, او بتقديم رؤي فلسفية ولا اطروحات ايديولوجية علي لسان الابطال, انها لغة الوجع الانساني البسيط والمبهر في صدقه وعفويته, اما البناء السردي الذي اعتمد علي المراوحة والمراوغة بين الماضي والحاضر وعلي نظم المشاهد بين الماضي والحاضر وكأنها اوراق كوتشينة يحركها  لاعب بارع. يرغب دوما في القفز فوق الخسارات المتلاحقة  رافضا الاستسلام.

حلم “ايمان” النهائي هو بيت صغير في كندا، الاغنية التي شدت بها فيروز وصارت حلما  للمغتربين, بيت هادئ جميل هو ما ترغب “ايمان” في الحصول عليه في النهاية, بعد ان تستسلم وتعرف أنه لا أحداً قادر علي مداواة وجعها ولا حتي سد جوع الروح والجسد.

ترانس كندا هو مجموعة الطرق التي تربط المدن الكندية بعضها ببعض, هو مجموعه المحطات الانسانية والمكانية التي تمر بها البطلة وفي حين تبدو  محطة النهاية في آخر لنص مراوغة، تترك ذهن القارئ مشغولا باسئلة كثيرة حائرة، هل  البيت الاخير هو النهاية ام ان المحطات ما زالت  متتالية والرحلة ما زالت مستمرة؟.

 

مقالات من نفس القسم