فراديس علاء خالد

فراديس علاء خالد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد الفخرانى

ذات يوم مر أحد أعضاء مجمع اللغة العربية بالصدفة على جاليرى علاء خالد بحى رشدى فى الاسكندرية، توقف أمام اسم الجاليرى "فراديس" ، فدخل إلى صاحب الاسم معترضا على جمع الكلمة "لايوجد سوى فردوس واحد فى الجنة،لا أحد يملك فردوسه على الأرض،ولايمكن جمع الكلمة"

لكن الجاليرى بالفعل هو فردوس علاء خالد الخاص،جنته التى انشأها عام 1996 مع زوجته سلوى رشاد،رفيقة حياته ونصفه الذى قاسمه أحد أهم المطبوعات الثقافية فى مصر "أمكنة.

كانت فكرة منقذة “يقول علاء خالد،بعد انقطاع خمس سنوات عن العمل حيث كان يعمل كيميائيا بإحدى شركات القطاع الخاص،زوجته خريجة الفنون الجميلة،كانت العنصر الأساسى وراء اختيار الجاليرى كمشروع .

خبرات عديدة اكتسبها صاحب “حياة مبيتة “، كان أكثر قلقا من الناس ومن الاحتكاك المباشر بهم “كنت أخشى البقاء بمفردى فى البداية، وأصر على بقاء سلوى زوجتى معى فى الجاليرى” .

رويدا رويدا اكتسب علاء خالد حساسيات المكان الذى يمتلك قدرة على صنع علاقة حميمية وأليفة مع من يدخله، صارت خبراته مع الناس أكثر صقلا ورهافة،أعطاه وقتا أكبر للكتابة والقراءة والتأمل.

8 ساعات يوميا من البقاء وسط أيقونات بهذه الدقة والجمال والتناسق، أشاع حالة جمالية داخله على حد تعبيره.

قصائد (كرسيان متقابلان )كتبت كلها من خلال ما رأيته من خلف زجاج الجاليرى الذى يكشف الشارع، تلك العجوز السويسرية التى لاتعرفنى، ثم دخلت إلى لتحكى بدون مبرر عن حياتها ومآساتها

ليس مكانا للاعتراف، لكنه مكان للبوح، حالة التخفف التى تعترى كل من يدخل إلى الجاليرى سمحت بذلك ،تصميم المكان ، تناسقه، نوعية معروضاته التى تتنوع بين الموازييك والخيامية والفوتوغرافيا والآلبستا،والزجاج اليدوى كلها أشياء تمنح المكان روحا تتلبس من يدخله، روح من يدخل فردوس على الأرض.

علاقة لاتتورط فيها ولا يتورط معك أحد فيها هى نفسها العلاقة بين علاء خالد والآخرين فى الوسط الثقافى سواء من الأجيال السابقة أو الحالية “اتعامل مع كل فرد بوصفه مشروع مستقل”يقول صاحب “جسد عالق بمشيئة حبر

كان علاء خالد وزوجته سلوى رشاد يسافران كثيرا، حرصا على أن يعرفا ماتتميز المكان بصناعته، هنا فى الجاليرى منتجات من كرداسة والفيوم والحرانية وسيوة .

ليست الأماكن فقط،لكن أرواح الصانعين،تراها هنا بوضوح ،الأمر الذى يفرق الشغل اليدوى عن أى شىء آخر ، تتبقى بصمة صاحبه، طريقته فى الحياة فى الحب فى استقبال التفاصيل“.

بدأ الجاليرى برأس مال فقير،وأثناء الاعداد للمكان شارك العديد من الأصدقاء فيه ولو بالطلاء أو بترتيب المكان أونقل معروضاته كأسامة الدناصورى رفيق عمر علاء خالد الذى رحل مبكرا ، ندمت عندما سألته عنه،لمحت تلك الرغبة فى البكاء عند الحديث عن اسامة الذى لازالت ذكراه حية فى وجدانه واضطررت لقطع الحوار، بتدخين سيجارة معه على باب الجاليرى .

عندما كان علاء خالد يقف كثيرا خارج الجاليرى لتدخين سيجارة ، كان بائع السمك المجاور له ينصحه أن يأتى بماكينة تصوير، فلم يكن بائع السمك يدرك أن طبيعة المكان تفرض عدد قليل من الزبائن، فالدكان الرائج يعنى عنده “أقدام كثيرة تعبر إلى المحل” تذكر علاء ذلك ضاحكا .

فكرة الجيرة بين أصحاب المحلات، فكرة مهمة اكتسبها من الجاليرى، وفى احدى قصائده يكتب عن عم عطية “المكوجى “،علاقة تكونت بينه وبين عم عطية دون مباشرة، عرف كل منهما حدود الآخر وطباعه.

كيف يتحول الشاعر إلى بائع ؟هل تنقذه الثقافة أم يأكله قانون البيع والشراء.

زبون الجاليرى زبون من نوع خاص، يشترى على فترات بعيدة،”تربية الزبون ” أضافت فكرة مهمة عند علاء خالد، أن لايتعجل فى علاقة مع أحد وأن يترك للآخر حرية اختيار ايقاعه الخاص منه، دون تدخل منه،قد يدخل زبون إلى هنا ويتحرك فى المكان لمدة ساعة أوساعتين يشاهد و”يقلب” فى البضاعة ويخرج دون أن يشترى شيئا، لم تفلت أعصاب صاحب “تصبحين على خير” سوى مرة واحدة،على زبونة إيطالية أصرت أن تخرج بسعر حددته هى، كان اصرارها عجيبا، لدرجة أنه لم يقبل اعتذارها وتراجعها حاسما الأمر”مافيش بيع

لم يكن ما يحويه الجاليرى حكرا على الطبقة الأرستقراطية أو المثقفة، لكنه كان فى الماضى جزءا من تفاصيل البيوت الفقيرة ،لكن اختفاء صفات اجتماعية أخفى معه ذائقة جمالية،فلم يعد أغلب المصريين يمتلكون ذلك الحس الذى يشبع القلب قبل العين.

احتوى ذلك المكان على كلام عميق وحميم بين بشر مختلفين .لكن ماالذى يحويه قلب علاء خالد، هل هو راض بفردوسه؟ذلك المكان الملىء “بالحنية” كما قال.

إنه ينتظر شيئا آخر، لن يطيق أدم صبرا على الفردوس، سيصير بالنسبة له “حالة مؤقتة ” لا يعلم علاء ماهى الخطوة القادمة، فقط يعلم أنها قادمة.

حياة المصريين وصلت إلى حالة من الاختناق،حياة مثل تلك تحتاج إلى شىء من المخاطرة والابتكار

ماالذى يبحث عنه علاء خالد ولايرضيه عن فردوسه الذى منحه “الأمان والحنية”، لازالت كلماته التى اختتم بها الحوار تشتعل فى قلبى “لاتصدق أبدا أن فرديتك ناجية،اختياراتنا التى تقربنا من الأمان، ماهى الاحواجز تعيقنا عن اكتشاف أرواحنا، المخاطرة وحدها هى التى ستقف بنا فى مواجهة ذواتنا ورؤيتها من جديد

سيغادر فردوسه، ليصنع آخر.

 عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم