“غرَّب مـال” .. إعادة استكشاف السيرة الهلالية

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حنين طـارق

آه ياليلي ليلي يا عيني يا آه

أنا أمدح نبي زين صلى الله عليه

أنا أمدح نبي زين ومدح النبي غالي

اسمه محمد وعند الإله غالي1

 كتابٌ، أم أغنية، موال؟ تتبادر إلى ذهنك هذه الاحتمالات عندما تقرأ هذه الرواية، كلما قرأت حرفًا منها سمعت العُرب و الآلات والطبول، حفلٌ موسيقي كامل لك فقط، ملحمة تعيشها و تعرف أنها حقيقية حدثت وتحدث وستحدث كل يوم إلى الأبد.

حين تمسك رواية “غَرّب مَال” فاعلم أنك تمسك بربابة وقد تصبح شاعرا محترفا تسمع قصص الآخرين وتحكيها وبينما تحكي قصص الآخرين تتذكر حكياتك أنت فتقرر أن تحكي قصصك أيضا، وهكذا قرر أن يفعل واد عطالله آب محمد آب إسمعيل واد الزغاب (أحمد عطا الله) حين بدأ كتابة هذه الرواية فحكى كل شيء من البداية من قبل عملية “يامنة أم إبرهيم” وحكياتها عن كفر أبو دياب وكيف صار اسمه كفر أبو دياب إلى عثوره أخيرًا على شرائط السيرة الهلالية بصوت الريس “علي جرمون” في شارع كلود بك

لماذا اختار “واد عطالله” السيرة الهلالية خصيصًا ليربط بينها وبين سيرته دون باقي السير هل لأنها أشهر السير فكما بقت كل تلك القرون تمنى نشر سيرته فجمع روايته مزيج متناسق بين السيرة الهلالية أو سيرة أبو زيد الذي يعرفه كل العرب وبين سيرة كفر أبو دياب و واد عطالله وتغريبته هو أيضا الذي اختارها بنفسه وتركته يامنة أم إبرهيم يفعلها بعد أن حذرته:

عايز تغرب غرب بس أحرس نفسك العيال بتركب بعضها هناك

وحتى إن افترضنا أنه اختار السيرة الهلالية بالذات لأنها أشهر السير لماذا اختار روايات الريس “علي جرمون” تحديدًا؟ الريس جرمون يختلف تماما عن كل رواة السيرة فهو لم يرتبط بأي شيء فيها أو يقيد نفسه بأن ينقل حكاياتها حرفيا بل كان متمردا أخذ ما أعجبه من السيرة الأم، كما تُروى في صعيد مصر، وراح يؤلف عليها من جديد، ألف خطا دراميا آخرا لها ، لم يكن موجوداً، ووضع قصصا وشخصيات جديدة، لقد كان علي جرمون مختلفاً، وقد حكى “واد عطالله” حكاية الشاعر علي جرمون من قبل في مجلة الإذاعة والتلفزيون.

تتكون الرواية من جزأين نشر الجزء الأول وسينشر الثاني فيما بعد، في الجزء الأول عشر حلقات وكان قد نشر أجزاء من هذه الحلقات من قبل في بوابة الحضارات (موقع الأهرام للفنون)2016

بدأ “واد عطاالله” روايته بحكاية “عزيزة” و”يونس” ، ثم ينتقل إلى حكاية جزء من سيرته كيف أصبح على ما هو عليه وكيف ولدت رغباته قائلا: “عملت لسنوات على أن أكون مبيض محارة، غير أن هناك مشهدا غير من الأمر، وقفت فيه أمام مكتب شؤون الطلاب بكلية الآداب بسوهاج، سخر مني الموظف حين سألته عن كيفية استكمال أوراق الالتحاق، أشار إلى جدول امتحانات الترم الأول الذي يكسو الجدران، تركت الشباك، ودخلت عليه حجرة عمله، وأمامه بالضبط، قلت له: اختر لي القسم الذي التحق به، لأنني لا أعرف! هو من اختار لي أن أدرس صحافة، أنا لم أتدخل.

دون رغبة منك؟

تولدت بعد ذلك الرغبات“.

وزع واد عطاالله الشخصيات بمهارة بين السيرتين حتى أنك قد لا تشعر بانفصال أو أنت لا تقرأ أحداث في زمنيين مختلفين كأنها سيرة واحدة أعطى لنفسه شخصية يونس وإن لم يقل هذا صراحة، لكنه أيضا شبه محبوس في قصر وهو يكره القصور يحاول الفرار منها دائما وسط الزحام والكتابة ولكنه كما يونس لم يفلت من شباك بنت السلطان ربما هذا أيضا سبب دفع الكاتب أن يجمع بين هاتين السيرتين فالحكاية لم تختلف كثيرا عن زمن أبو زيد ما زلنا نسافر بحثا عن الرزق بحثا عن الحياة ما زالت الحيرة تمزقنا بين اختيار الوطن أو اختيار الحياة ولكن عطاالله حسم هذا الأمر على لسان أحد الشخصيات قائلا: “من قال أن الوطن هو الأرض فقط؟ الوطن هو من يعيش على الأرض أولا، قبل الزرع وقبل الرمل وقبل المطر، الوطن هو أنا وأنت و وهؤلاء فإن نجونا سينجو معنا، وإن متنا مات، ومات معنا كل شيء

ولكن إن توفرت الحياة لنا لما نغرب بحثنا عن ماذا؟ عن أحلامنا عن مغامرة وأحيانا بحثا عن أنفسنا التى لم نكتشفها إلى الآن

نحن لا نسافر إلى الصحراء بحثا عن أشجار خضراء إنما نسافر إليها بحثا عن المغامرة والمغامرة في بلادنا حياة

حتى أن أغلب الأعراف ما زالت واحدة ويتجلى هذا في حكايتي الأمير سرحان وزواجه من الأميرة الشماء ووعده لأبيها أنه لن يراها إلا عند وصولهم إلى نجد وما عناه من ذل وأسر بسبب عدم وفائه بهذا الوعد، وحكاية زواج حسن الذي لم ير زوجته إلا ليلة الزفاف ففوجيء بقبحها وأصر أن تخرج فورا من بيته رغم محاولة الجميع لتهدأته فقد رأى وجهها والوجه نصف الشرف! فحرم من كل شيء وكل حق ” في الصباح اجتمع وهوارة وشلحوه، لا يحق له حمل السلاح، ويدفع ثمن حماية ناس النقر له ولهم، لا رأي له في الشورى، لا مكان له في الحرب.

كل ذلك لأنه رآها.”

من نجد وتونس لكفر أبو دياب وحوش آب كرشان وبيروت مازالت الحكايات واحدة نفس الآمال نفس الأحداث وربما حتى نفس الأشخاص مع اختلاف الملابس والركوبة، جمعهم واد عطاالله معنا ليكونوا أبطال حكاية واحدة.

لا يمكن وصف لغة الرواية إلا أنها كانت حقيقية تماما حتى أنك تستطيع سماعها وأنت تقرأ من فرط طبيعيتها وصدقها في وصف كل التفاصيل بدقة وكل شخصية بشكلها وأحلامها وكيف تريد أن تكمل هذه الحياة مثل (علي الداوي المطهر) و”سلامة آب أحمد” الذي ضرب جارته ببلوكة اسمنتية لأنها لم تطفيء الكاسيت  و”إبراهيم  آب عمران” الذي ذهب معه إلى قسم الشرطة ليحل المشكلة،

( أخذ أبوعمران الأسنان الأربعة من الجارة، وأقنعها أن تذهب معه إلى “قسم رابع العريش”، لتتنازل عن المحضر

دخلا للضابط المختص

يا باثا إن كان عن اتنان ، أهن (ومد يده بالأسنان)، هنكبهانها هي هي، وأهي دايه تتنازن عن امحضن

كاد الضابط أن يقع من الضحك، ضحك من منطق أبو عمرآن ومن طريقة نطقه للكلمات التي تفتح باب البهجة على أذن من يسمعها.

والله ياشيخ، حتى لو مش هتتنازل عن المحضر لأخليها تتنازل عن المحضر عشانك)

لغته كانت شديدة الصدق أما واد عطاالله  فلا نعرف إن كان صادقا فيما رواه من سيرته أم إنه كان مثل شاعره المفضل(علي جرمون) متمردا غير مقيد بحقيقة ويخلق كل القصص والشخصيات من وحي خياله من وحي ما كان يأمل أو من وحي ما كان يراه مناسبا. كل ما يمكن  نعرفه كحقيقة مؤكدة هو أن الحكايات لن تنتهي وأن الربابة ما زالت تغني

يا نيا ليه على أولاد الغرام قالعة؟

 واللي تجيبه يا وطيَّة تركيبيه ع القلعة

 والراجل الحر عمره لما يعاتب الواطي

 والميه في عينه عما تنزل الواطي

والواطي واطي لو ركب على القلعة 2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشاعر محمود اليماني عبد الباقي،نجع حمادي مساء السبت 2004 ـ رويات السيرة الهلالية في قنا،الجزء الثاني،ص263و266

جمع وتوثيق أ.د خالد أبو الليل

 الراوي رمضان محمد علي، قرية الجيبل، دندرة، مركز قنا  ــ روايات السيرة الهلالية في قنا الجزء الثاني، ص 99

مقالات من نفس القسم