طلعت الشايب: الحرب الثقافية الباردة ما زالت مستمرة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاوره : وائل لطفى  

علي مدي سنوات طويلة صاغ المترجم الكبير طلعت الشايب مشروعا فكريا مهما، قدم من خلاله نموذجا للمترجم المبدع والواعي الذي يتفاعل مع ما يترجمه بوعي نقدي يجعل من الترجمة رسالة فكرية وثقافية أكثر منها عملا تقنيا أو فنيا صرفا وعبر ترجمة كتب أكثر من مهمة مثل الحرب الثقافية الباردة، ثم الاستشراق الأمريكي ثم ضغوط العولمة علي الفنون والآداب - تحت الترجمة - وضع طلعت الشايب يده علي مواطن عديدة للوجع في علاقة الثقافة والسياسة بالهيمنة الأمريكية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتي الآن، وقد دار حوارنا حول رصده لتلك المحاولات عبر ترجماته المتعددة من الماضي إلي الحاضر إلي المستقبل، وقد أجرينا معه هذا الحوار بمناسبات متعددة، وهي صدور ترجمته لكتاب «الاستشراق الأمريكي»، وصدور الطبعة الرابعة من ترجمته للكتاب الأهم «من يدفع للزمار - الحرب الثقافية الباردة».

 

ـ انتبهت لمحاولات الولايات المتحدة للهيمنة علي مثقفي العالم من خلال ترجمتك لـ (الحرب الثقافية الباردة) ثم الاستشراق الأمريكي.. هل تعتبر أنك بصدد مشروع فكري متكامل ؟

ـ نعم، ولكن أنا أيضا الذي ترجمت كتاب «صدام الحضارات» الذي كان بداية لكثير جدا مما حدث بعد 11 سبتمبر والذي كان مقالا في(الفورين أفير) لصمويل هنتنجتون، وعندما نشر كان مذيلا بعلامة استفهام، بمعني أن هنتنجتون كان يسأل: هل فعلا من الوارد أن يكون هناك صدام للحضارات ؟ واكتشف أن أكثر حضارتين نشطتين هما الحضارة الكونفوشيوسية، والحضارة الإسلامية، وأنهما خطر علي الحضارة الغربية والتي يعني بها حضارة أوروبا وحضارة الولايات المتحدة الأمريكية، هو كان يتصور أن هذه الحضارة لابد أن تكون حضارة العالم، حضارة واحدة، وشاملة ومن يعاديها أو من يناقضها يصبح عدوا، ومن الممكن أن يصل هذا إلي الصراع المسلح أو النزاع المسلح معه .بعد الحرب العالمية الثانية وخروج الحلفاء من الحرب منتصرين وبروز الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة كقوتين منتصرتين، تحولت الفكرة إلي نظر إلي المستقبل، ولمن ستكون السيطرة علي العالم بين هاتين القوتين، وبدأت حرب أيديولوجية باردة، هذه الحرب الباردة كانت لها أسلحتها تماما كما أن الحرب العادية لها أسلحتها، كانت أسلحة الحرب الباردة هي الكتب، والمعارض، والجوائز، والمتاحف، والأعمال الفنية وترجمة الكتب وسائر الوسائل الثقافية التي أصبحنا نسمع عنها في أوائل القرن العشرين تحت مسمي (القوي الناعمة)، وكل معسكر من المعسكرين أخرج ترسانة القوي الثقافية الجديدة وبدأت الحرب الباردة من الطرفين ودخلت في مجال الآداب والفنون وبدأ التبشير من خلال الأفلام والمعارض للنموذج الأمريكي، أو أسلوب الحياة الأمريكي والذي كان من الصعب التبشير به عن طريق القوة العسكرية المباشرة، فتم إسناد هذه المهمة لوكالة المخابرات الأمريكية، وكانت الفكرة أن تقوم بأعمال سرية للتحضير للقرن الأمريكي الجديد، وبالفعل بعد انفراد الولايات المتحدة بالصورة أصبحت هي الشرطي الوحيد واختفاء الخطر الأحمر، كان لابد من البحث عن عدو ووجدوه في الخطر الأخضر الذي هو الإسلام والأصولية الإسلامية، وهي تستدعي حشد قوي اليمين والتعصب الديني الأمريكية لضرب هذا الخطر الأخضر، بعد أن ظهر خطر جديد هو الإرهاب مع اللبس الشديد في تعريف هذا الإرهاب، وتصاعدت الأمور في عهد جورج دبليو بوش كما هو معروف.

 

ـ واصلت مشروعك في كتاب «الاستشراق الأمريكي»؟

 

ـ كتاب «الاستشراق الأمريكي» يبحث في جذور هذا التدخل، أو هذه الرغبة في السطوة والسيطرة علي المنطقة من بعد الحرب العالمية الثانية ,1945 وقتها كانت بريطانيا هي الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وكانت تلملم أشياءها وترحل، ودخلت الولايات المتحدة لتملأ هذا الفراغ، كيف تملأ هذا الفراغ، بالرجوع إلي جذور الاستشراق الأمريكي، والفكرة الموجودة عن هذه المنطقة من العالم، وكيف كانت الآراء في العرب والمسلمين وما كان موجودا عن هذه المنطقة في ذهن الرحالة والكتاب والمغامرين وحتي شخص مثل مارك توين وغيره من الذين أتوا لهذه المنطقة تم استشراف آرائهم في كيفية التعامل مع المنطقة.

 

ـ ما أبرز ملامح الاستشراق الأمريكي ؟

 

ـ هو مختلف عن الاستشراق الروسي والاستشراق الأوروبي عموما لأن هذين كنت تجد فيهما العلماء والمطابع والخرائط، كان هناك جانب ثقافي حتي ولو يخفي أهدافا أخري، لكن هذا الاستشراق الأمريكي كان واضحا وصريحا ويستند إلي ثلاثة أعمدة رئيسية أولها: العلاقة الخاصة بإسرائيل، وثانيها: المصالح الأمريكية، وثالثها: ربط المنطقة بالسياسة الخارجية الأمريكية هذه هي العمد الثلاثة للاستشراق الأمريكي، لذلك لو لاحظت ستجد أن هناك ذبابة علي غلاف الكتاب، بمعني أن هذا هو الاستشراق الأمريكي، الذي يعني المصلحة الأمريكية والذي يعني الحلم الإمبراطوري الأمريكي، أن أمريكا هي سيدة العالم، وما كان لأمريكا أن تحقق ما حققته اليوم من الانفراد بالسيطرة علي العالم لولا سعيها الحثيث منذ الحرب العالمية الثانية للتبشير بالنموذج الأمريكي والذي ساعدت عليه ظروف متعددة أهمها سقوط الاتحاد السوفيتي.

 

– هذا يعيدنا لكتابك السابق الحرب الثقافية الباردة أو (من يدفع للزمار)؟

 

– نعم بالتأكيد لأن الحرب الثقافية الباردة وسيلة للتبشير بهذا القرن الأمريكي القادم، وسيلة لوضع الأرضية الثقافية للأفكار الأمريكية، الآن عندما تنظر في الشرق والغرب ستجد النموذج الأمريكي، لأن ما لاينتبه له الناس أن العولمة تعني فرض النموذج الأمريكي أو أمركة العالم، ولذلك ستجد مفكرين حاولوا الدفاع عن خصوصية مجتمعاتهم ورفعوا شعار أن التحديث لا يعني الأمركة، أن تكون حديثا ليس بالضرورة معناه أن تكون أمريكيا، والتنمية لا تعني أن تستورد كتالوجا جاهزا، ولكن التنمية أن تنمي ما هو موجود بالفعل، والإصلاح لا يأتي من الخارج، ولكن الإصلاح ينطلق من واقع معين تحدده المصالح الموجودة في هذا المجتمع ولهذه الجماهير بعينها في اتجاه معين لحل مشاكلها، وليس أن آتي بنموذج جاهز و«طبقة» وأن آتي بكتالوج أمريكي في المنطقة وكتالوج أمريكي في السلوك وآخر لأسلوب العمل وهكذا، هذا أدي إلي كوارث وتضييع الهويات الخاصة بهذه المنطقة.

 

– كيف ؟

 

– لدي كتاب آخر ضمن هذا المشروع اسمه (الآداب والفنون تحت ضغط العولمة)، وهو يسوق نماذج تدلل علي أن فرض نموذج ثقافي واحد يقضي علي الهويات، حيث يذهب المؤلف إلي قرية من قري المكسيك ويري أن عمال النسيج اليدوي هناك بدلا من أنهم كانوا يرسمون علي السجاد رسوما من حضارة المكسيك القديمة، والفن البدائي العادي، وجد أن التجار الأوروبيين يأتون ومعهم رسومات لبيكاسو أو دالي أو أي فنان آخر ويطلب من العمال أن يرسموها علي السجاد، ويسأل المؤلف العامل: ما الذي ترسمه؟ فيقول له: لا أعرف، ولكن أرسمها لأنهم يشترونها في أوروبا بسعر مناسب، موجة العولمة تكتسح العالم، وهناك مثل آخر من الهند، حيث كان نموذج الجمال للمرأة الهندية هو المرأة السمينة، وعندما تأثروا بالسينما الأمريكية ونموذج باربي وبأن المرأة الجميلة هي المرأة النحيفة، بدأت عمليات التخسيس وانتشرت أمراض القلب، وأمراض نقص التغذية، هذه المحاكاة، والتقليد سواء برغبة منك أو بفرض من الآخر يؤدي إلي تضييع الهويات.

 

– وهل تعتقد أن الحرب الباردة الثقافية ما زالت مستمرة؟

 

– نعم، ولكن الفارق أن في الماضي هذه الأمور كانت تتم بشكل سري، ولكن بعد 11سبتمبر أنت ستجد كولين باول وزير الخارجية الأمريكي، يتحدث عن الشراكة مع الشرق الأوسط وكلها ثقافة وأمور ثقافية لدرجة أنه كان يستشهد ببيت الشعر الشهير(الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق)، ويتحدث عن المرأة، والتعليم وكذا وكذا، ووزارة الخارجية هي التي كانت تقول هذا الكلام وليس وزارة الثقافة، وأصبح الأمر في العلن ولم يعد هناك داع للسرية بعد الانفراد بالعالم، ولم يعد هناك أي مبرر للسرية، ولو عدت لخطاب أوباما في جامعة القاهرة والذي ضمنته في خطاب الاستشراق الأمريكي فستجده يقول لك جئت أبحث عن بداية جديدة مع العالمين العربي والإسلامي، وجزء منها تغيير الصورة السلبية عن العرب والمسلمين، مع العلم أن الصورة السلبية كانت تشمل اليهود أيضا، لكن بعد الحرب العالمية الثانية تغيرت صورة العرب والمسلمين بعد مسألة الهولوكوست والتركيز علي إرضاء اليهود وأصبح مسيطرا من خلال أدوات مثل النشيونال جيوجرافيك والسينما والروايات، لو عدنا لأوباما فسنجده يقول: (علينا معا أن نتصدي لهذه الصور السلبية، من أجل مستقبل مشترك)، وتوقف عن الحديث عن نحن وهم، لماذا يكرهوننا، وخرج عن قاموس المحافظين الجدد تماما ولم يتحدث عن الفاشية الإسلامية أو الخطر الأخضر، قدم خطابا مختلفا.

 

– هل كان مختلفا في الشكل أم في المضمون؟

 

– بالنسبة لي كان مختلفا في الشكل فقط، والدليل أنه مر أكثر من عام علي ولاية أوباما ولم يحدث أي شيء، نفس النظرة ونفس المعاملة موجودة.

 

ومن ضمن الأشياء التي توقفت عندها في كتاب «الاستشراق» في الفصل قبل الأخير المعلومات التي تقول كيف كانت الإدارة الأمريكية تبحث عن غطاء أيديولوجي لدي المثقفين الأمريكيين للحرب علي العراق، كانت هناك اجتماعات مستمرة بين العسكريين والسياسيين الأمريكيين وبين مثقفين مثل بيرنارد لويس وصمويل هنتجنتون بحثا عن غطاء أيديولوجي لهذه السياسة الجديدة، فيقول لهم واحد من هؤلاء المثقفين: (إن منطقة الشرق الأوسط في حاجة إلي أتاتورك جديد)، أو يقول لهم مثقف يميني آخر: (هذه المنطقة في حاجة إلي جورباتشوف آخر)، هذه كانت فتاوي ثقافية من هؤلاء الفقهاء الثقافيين.

 

– لو عدنا لكتاب الحرب الثقافية الباردة ما أبرز الأشياء التي استوقفتك فيما يخص الشرق الأوسط ؟

 

– المؤسسات الثقافية التي عملت في المنطقة بشكل مباشر مثل مؤسسة فرانكلين، والمجلات التي أسسوها في بعض البلدان مثل مجلة الحوار في بيروت، وستجد أيضا في الفن التشكيلي كانت المخابرات الأمريكية تدعم التوجهات السوريالية لمناهضة الفن الواقعي الاشتراكي وكانوا يتبنون الفنانين الشبان من المدرسة التجريبية، وكان يقول له: أنت تصنع فنا مختلفا عن الفن الاشتراكي، ولابد أن يخرج الفنان إلي الحديقة ويلقي بالألوان كيفما اتفق، حتي لو علي طريقة تشبه طريقة صنع (الكنافة البلدي) لماذا ؟لأنك الفنان الحر في مجتمع حر، أنت لست الفنان الذي وراءه لجنة مركزية، وحزب شيوعي، والتزام سياسي، وهناك بعض الناس ركبوا هذه الموجة، وأنا أعذر عددا كبيرا من هؤلاء الذين تورطوا لأن منهم من كان مؤمنا بهذه الأفكار بالفعل، نفس الشيء ستجده مع الذين تورطوا في الحرب الباردة الثقافية، منهم الذين تورطوا عن وعي ومنهم الذين تورطوا عن غير وعي، مثلا عندما يأتي كاتب ويستشفون فيه أنه موالٍ لسياسة معينة أو موالٍ لاتجاه معين وينمونه عن طريق الجوائز التي يحصل عليها وترجمة أعماله، ودعوته لمؤتمرات، وهو من وجهة نظره يري أنه يستحق هذا لأنه فنان جيد، ولا يعلم أنه يستخدم لخدمة أيديولوجية معينة، هو ربما يعرف وربما لا يعرف والكتاب مليء بنماذج لهؤلاء وهؤلاء.

 

– ما أشهر النماذج؟

 

– عندما أسسوا مجلة (إن كابيتال) مثلا كان فيها اثنان من رؤساء التحرير أولهما هو ستيفن سبندر الشاعر الإنجليزي وآخر أمريكي والاثنان كانا يساريين، ولكن المجلة نفسها كانت تمول من المخابرات الأمريكية، أيضا في السينما عندما حدث تدخل مباشر لتحسين صورة الشخصية الأمريكية في السينما الأمريكية، بدلا من صورة الكاوبوي العنيف والقاتل، أيضا في نفس الوقت كان هناك تركيز علي إبراز سلبيات الشخصية العربية في الأفلام الأمريكية، وكان خلف هذا أجندات سرية من الحركات الصهيونية وأصحاب المصالح المضادة للعرب، وكان أهم ما في هذا الكتاب أن الذي كشف كل هذه الأسرار مؤلفة غربية اعتمادا علي الإفراج عن كثير من الوثائق والأدلة بعد مرور الفترة الزمنية المخصصة للحفاظ علي سريتها، وكتاب الحرب الباردة الثقافية هو من تأليف سوزان ساندر وهي باحثة بريطانية ومخرجة سينما وكاتبة استفادت بعدد كبير جدا من الوثائق الأمريكية التي أفرج عنها، بالإضافة لمراسلات أقارب الذين ذكرتهم في الكتاب والمذكرات والأوراق الخاصة لعدد كبير جدا من الناس وكانت الحصيلة أن كل ما ذكرته موثق.

 

– هل هذه السياسة مستمرة حالياً؟

 

– نعم، والدليل صدور كتاب مثل «الاستشراق الأمريكي»، هذا الكتاب هوجم في الولايات المتحدة الأمريكية، وكأنه يقول لك هذا الكتاب ينشر غسيلنا أمام العالم، ومؤلفه رجل أكاديمي كتب الحقيقة والموضوعات التي تناولها تعتمد علي كثير من المراجع منها كتب عربية، وهو مثلا تكلم عن فهم الرؤساء المختلفين للأمن القومي الأمريكي، وعلاقة أمريكا بعبدالناصر وبغيره من الحكام ومساندتها لشاه إيران وخلع رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق بمؤامرة، كذلك يتحدث عن محاولاتهم لإجبار الملك السنوسي ملك ليبيا علي إجراء بعض الإصلاحات، التدخلات سواء في العراق أو في ليبيا أو في إيران، ويرصد كذلك الدور الملتبس الذي لعبوه مع صدام حسين سواء بالمساندة والدعم في البداية ثم اجتياح بلاده وتحويله إلي أمثولة للحكام الشاردين، ويتحدث أيضا عن العلاقات بمراكز البيزنس ورجال الأعمال وتجار السلاح، وأيضا عملية السلام العربي – الإسرائيلي والتدخلات الموجودة فيها ومحاولة تمييع هذه القضية، والغريب أن الباحث يقول إنه كانت هناك في الوثائق العربية إرهاصات لأحداث 11 سبتمبر التي قلبت موازين السياسة الأمريكية، ونشر قصيدة «قبر من أجل نيويورك» لأدونيس، وقال أنه اعتمد علي الترجمة الإنجليزية وأنا نشرت النص الأصلي للقصيدة، ونشرت خطاب السادات في الكنيست وكان خطابا جيدا.

 

– دعنا نتكلم عن الوضع الراهن أنت ستجد من يقول لك إن الحضارة كلٌ واحد متكامل وإنه لامانع من الاستعانة بالضغوط الأمريكية لإحداث الإصلاح المنشود!، وبالتالي ليس عيبا التعاون مع مبادرات أمريكية سواء لتحقيق إصلاح أو لدعم فنون أو ثقافة ما تعليقك علي هذه الأفكار من واقع تبحرك في هذا الملف؟

 

– بالنسبة للحضارة، الحضارة منجز إنساني لا شيء اسمه حضارة أمريكية وأوروبية وكذا وكذا، الحضارة عمل تراكمي، وكل الحضارات تكمل بعضها، وعندما تأتي حضارة وتدعي لنفسها أنها وحيدة وفريدة وأنها لم تفد من أي حضارة في العالم فهذا ادعاء باطل، لأن السلام مفهوم إنساني، والعدالة والحرية والمساواة كلها أفكار إنسانية، كون أني أجري إصلاحا فكل المجتمعات الموجودة في العالم تحاول أن تصلح من نفسها وأمريكا نفسها تجري عمليات إصلاح وجورج دبليو بوش خرب الدنيا، وجاء أوباما ليحاول أن يرمم ما أفسده بوش، العالم العربي والإسلامي -مصر وغير مصر بها عمليات إصلاح، لأن التقدم وتحسين الأداء يبدأ من احتياجات متجددة لجماهير هذه الأمة، أما استيراد وصفات جاهزة وضعت عن طريق مجتمعات أخري ومحاكاتها محاكاة القردة فهذا شيء أنا لا أفهمه علي الإطلاق وكون أن أمريكا تدعو إلي إصلاح في العالم فنحن أيضا ندعو إلي الإصلاح، عندما أنمي فنانين ومفكرين فأنا أفعل هذا من واقع احتياج مجتمعي له ولكن لايفرض علي من الخارج، أنا أحدثك عن مجال أعرفه جيدا، الترجمة مثلا لابد أن تبدأ بهذا السؤال: ماذا أترجم.. ومن أجل ماذا ؟ أنا الذي أحدد ماذا نترجم من العالم.

 

أترجم ما أحتاجه ولا أترجم ما يملي علي للترويج لأفكار بعينها قد تتفق معي وقد لاتتفق، أو تصب في غير مصلحتي أو لخدمة أجندات أخري، إذن العمل الثقافي والعمل الإبداعي ابن البيئة وابن المجتمع، لكن كون أن تساعدني في أشياء وتخفي أهدافا سياسية لتحقيق مصالح!

 

هو من وجهة نظره محق، وأنا شخصيا لا ألوم السي آي إيه علي الدور الذي لعبته في الحرب الباردة الثقافية إذا وضعنا في الاعتبار أنها كانت تفعل ذلك لصالح أمريكا، ولكن أنت ماذا صنعت في السر أو في العلن لمجتمعك؟!

 

الآن حدث تغير في المواقف ما قبل سبتمبر كان القوام الأساسي للمعارضة في الدول العربية مزيج من الخطاب القومي والإسلامي وكانت هذه المعارضة تتهم النخب الحاكمة بالتبعية لأمريكا، ولهذا كانت تعارضها، الآن حدث تبدل في المواقف وأصبحت بعض القوي المعارضة تستقوي بأمريكا والنخب الحاكمة تعارض التدخل الأمريكي.

 

– كيف تري هذا التبادل في المواقع؟

 

– لابد أن نكون واضحين، الضغوط الأمريكية موجودة، وهي موجودة علي العالم كله، وهدفها فرض النموذج الأمريكي والسياسة الخارجية الأمريكية، وجميع أنظمة الحكم سواء في العالم العربي أو في غير العالم العربي واعية لهذا تماما، وأمريكا قوية للغاية من خلال سيطرتها علي المؤسسات العالمية وأهمها الأفيال الثلاثة الكبري التي تدهس فقراء العالم وهي البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، كل العالم يعي هذه الحقائق، ولكن لابد أن تكون الأصوات المطالبة بالإصلاح أو المطالبة بالتغيير أو المطالبة بتحسين الأوضاع في كل المجتمعات في العالم، كل هذه الأصوات لابد أن تعي أن هذا التغيير لابد أن يكون من الداخل وإلا يكون فرضا، لأن أي شيء مفروض لا بقاء له، والتطور الطبيعي هو الذي ينبثق مما هو لديك من ظروفك أنت.

 

– ما ملامح الحرب الثقافية الدائرة الآن ؟

 

– هناك حرب ثقافية من الغرب، وهناك أيضا حرب ثقافية عربية – عربية، هناك حرب ثقافية ولكن بشكل ناعم مثل محاولات تغيير الهوية ومحاولات التدخل في نظم التعليم ومحاولات احتواء البعثات للغرب، ومحاولات احتواء المفكرين والعلماء، وتصدير نماذج معينة، ومحاولات تصدير نماذج معينة للترجمة وستلاحظ أن الغرب لايختار من الأدب العربي للترجمة إلا العجائبي والغرائبي، لدرجة أنه ينجح أحيانا في تحويل بعض الكتاب والمثقفين إلي حواة يكتبون بالأسلوب الذي يعلمون أنه يرضي الغرب من أجل الترجمة، ولا أريد أن أعطي أمثلة، ولكن عندما أكتب رواية خصيصا من أجل أن تترجم فأنا أحول شعبي وأحول بلدي إلي فرجة، تماما مثلما يأتي رجل أجنبي ويقف أمام بائع الخبز أو الحاوي بانبهار، وهنا أتحول لفنان أو مثقف أو فنان تحت الطلب، وقد أفعل ذلك بوعي أو بغير وعي وهذه كلها موجودة، وهناك حرب ثقافية باردة بين الدول العربية وبعضها للجلوس علي مكان أكثر دفئا علي (حجر) الولايات المتحدة الأمريكية.

مقالات من نفس القسم