صلاح فضل.. نحو نظرية نقدية عربية في قراءة الشعر

صلاح فضل
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. رضا عطية

إذا كان للناقد الكبير الدكتور صلاح فضل فضلٌ كبير أسدى به للثقافة العربية والدرس النقدي العربي بما اضطلع به من دور تأسيسي وأثر إرسائي في تقديمه المناهج النقدية العربية منذ سبعينيات القرن العشرين بدءًا من كتابيه البارزين: كتاب منهج الواقعية في الإبداع الأدبي (1978) الذي كان فضل في هذا الكتاب أول من يقدِّم لنا دروس النقد الثقافي والنقد الماركسي، وأول من يُعَرِّفنا بالواقعية السحرية وبجابريل جارثا ماركيز قبل ترجمته إلى العربية وقبل فوزه بنوبل في (1982)، والكتاب الآخر نظرية البنائية في النقد الأدبي الذي كان أحد أهم الكتب التي مهدت الطريق لدخول النقد البنيوي إلى ثقافتنا العربية، مرورًا بكتابين آخرين كانا علامتين بارزتين في الدرس النقدي العربي هما “علم الأسلوب: مبادئه وإجراءاته” (1984)، وبلاغة الخطاب وعلم النص (1992) اللذين قدم فيهما للأسلوبية وعلم النص- فإنّ لصلاح فضل أثرًا بالغ الأهمية في نقد الشعر تطبيقًا بتقديم قراءات واسعة وممتدة لتجارب عدد كبير من الشعراء وتنظيرًا بما قدمه في كتاب “أساليب الشعرية المعاصرة”، ليقدِّم فضل في هذا الكتاب طرحًا تنظيريًّا حول أساليب الشعرية ومداراتها وما شيده من مدرج تصنيفي لـ”سلم” الدرجات الشعرية، وكذلك تصنيفه للأساليب الشعرية وتوزيعه لها بين الأسلوب الحسي والحيوي والدرامي والرؤيوي، ومع قيام صلاح فضل بالتحديد التصنيفي لهذه الأساليب معتمدًا على سلم الدرجات الشعرية في تحديد انتماء التجارب الشعرية المختلفة والمتنوعة لأي من هذه الأساليب فإنّه يؤمن- في الوقت نفسه- بالانفتاح الأجناسي والتمدد النوعي، تلك الفكرة التي كان فضل طرحها في كتابه بلاغة الخطاب وعلم النص القائلة بعبر نوعية النوع الجمالي، إضافةً لمقاربات تطبيقية تراوح في تجارب العديد من الشعراء العرب الكبار ومن أجيال مختلفة كأدونيس ونزار قباني والسياب ومحمود درويش وسعدي يوسف والماغوط وغيرهم، تنقلاً بين مدارس متنوعة وأساليب شعرية مختلفة من الشعر الموزون التفعيلي أو العمودي إلى قصيدة النثر.

سيميولوجية التعبيرات الشعرية

يكشف العنوان “أساليب الشعرية المعاصرة” ببنيته الثلاثية وما يعتمل فيها من كميائية تفاعلية عن استراتيجية الرؤية النقدية في تعاطيها مع مادتها البحثية بلورةً لنظريتها وتأسيسًا لجهازها المفاهيمي؛ فـ”أساليب” بتركيبها الجمعي تؤكد على الوعي النقدي بتمايز “التعبيرات” الشعرية وطرائق الأداء الجمالية، وهي تختلف عن مفهوم “الأسلوب” الذي هو مجال الدراسة الأسلوبية، إذ يجنح الأسلوب كمفهوم أكثر نحو دراسة بنى التعبير اللغوية رصدًا للعلائق بين تركيباتها النحوية وإنتاجيتها الجمالية، فمفهومية الأساليب كتعبيرات أوسع من مفهوم الأسلوب كبنية تركيبية وأداء لغوي إلى مفهوم الأسلوب كتعبير ميتالغوي يتجاوز مفهوم اللغة بنحويتها ليوسعها- باعتبار الأساليب تعبيرات- كمنظومة علاماتية، فيقول صلاح فضل:

“والتعبيرات- حسب وصفهم [علماء المعرفة]- مظاهر فيزيقية نستقبلها بواسطة الحواس. فنحن نرى الكلمة المكتوبة، تمامًا مثلما نرى العلامات المميزة على أنواع الزهور، ونحن نسمع الكلمات مثلما نسمع صوت الرعد. لكن الكلمات، بعكس تلك المظاهر الأخرى، لها طبيعة مزدوجة. فهي تحيلنا على ما هو كائن وراءها. وهي تجسد لنا المعاني التي يمكن فهمها أو يتعذر إدراكها” (ص ص 18- 19).

مما سبق يتمرأى لنا تجاوزية الإدراك النقدي- لدى صلاح فضل- للمفهوم التقليدي للغة كنسق تجريدي من رموز أو كلمات تمثِّل بنية من المفاهيم concepts في الذهن وتصوراته يقابلها مدلولاتها أو أشياؤها في الواقع المادي الملموس، إلى “مادية اللغة” فيما يتمظهر من فيزيقية التعبيرات التي تُعمِل معها الحواس في عمليات الاستقبال والتلقي التي تُمثِّل آليات التأويل وأدواته فكًا للشفرات النصية المشحونة تلك التعبيرات بها. كذا يناظر التَمثُّل النقدي لصلاح فضل بين الكلمة المكتوبة والعلامة (العلامات) وهو ما يتجاوز كتابية اللغة وخطيتها إلى علاماتية الكتابة، وهو ما يتأكد مما أشار إليه فضل من الطبيعة المزدجة للكلمات، وهو ما يعني تجاوز لغويتها النحوية ومعناها الأول إلى ميتالغويتها وسيميولوجيتها، ومما يتبدى من وعي صلاح فضل بأهمية العنصر الصوتي باعتباره تمظهرًا مورفولجيًّا للكلمة بوصفها “علامة” مواكبة فضل الحداثية العميقة لمقولات فلسفة التفكيك التي قامت على خلخلة التمركز اللوجسي للكلمة وإقامة التوازن بين الكلمة باعتبارها خطًا وكتابة والكلمة بوصفها صوتًا. فيقول فضل:

“ويطلق على التنظيم الدقيق للكلمات عندما تندرج في تعبيرات تيسر مهمة الإحالة المزدوجة على مصطلح اللغة. فاللغة نسق اصطلاحي للتعبير، ومن ثم فإنه يتعين تصنيف التعبيرات إلى طبيعية واصطلاحية، لاعتبار كل ما هو اصطلاحي لغة تصلح موضوعًا للدارس الإنساني. من هنا يتراءى لنا أن منطلق دراسة الأبنية الشعرية، باعتبارها لغة ثانية، لا بد أن يتأسس من منظور التعبير، لكنه لا يقع في منطقة التشفير ذاتها، وهي ميدان علم نفس الإبداع، ينحو إلى الارتباط بفكرة التوصيل المتعلقة بالقراءة، وهي متزامنة مع التوصيل اللغوي الطبيعي ومجاوزة له بشفرتها الجمالية”. (ص 19).

يتبدى لنا- هنا- إبراز صلاح فضل لفكرة النسق الذي هو عملية تنظيم دقيق للكلمات أي فعل نحوي تركيبي مع فكرة الاصطلاحية التي تراعي مبدأ خصوصية النسق وسياقية التركيب، وهو ما يبرز كون الأبنية الشعرية لغة ثانية، أي لغة تتعالى على اللغة بأجروميتها وهو ما يؤسس لشراكة هرمينوطقية معتمدة على دور القراءة وفعل التلقي في إدراك سيميولوجية التعبيرات الشعرية، وكما هو بادٍ فثمة وعي لدى فضل بفكرتي التزامن والتجاوز، تزامن الأبنية الشعرية لفعل التوصيل اللغوي الطبيعي الذي هو أداتها المادية المباشرة وتجاوزية تلك الأبنية الشعرية بشفرتها الجمالية للتوصيل اللغوي الطبيعي، وهو ما يؤسس للغة ثانية التي تبدو في هذه الحالة لغة مفتوحة ومتمددة البنى بانفتاح المجاز واتساع الفاعلية التخييلية ما يؤدي إلى تعويم النص الشعري/ الأثر الذي يمسي كدال/ أثر قيدًا لاختلاف مرجأ لمدلولاته.

أما ثاني مكونات عنوان الكتاب “الشعرية” التي أراها تختلف- هنا- عن الشعرية بمعنى الأدبية أو الجمالية التي تعني كون الأثر/ النص فنًّا جماليًّا، إذ تعني الشعرية- هنا- الإنتاجية الفنية للنص/ الأثر ما يجعل منه شعرًا، وهو ما يتفاعل مع مضافه “أساليب”، وكأنّ سمة الشعرية وخصيصتها البارزة إنما تنوعها الأساليبي وتعددها التعبيراتي.

ويأتي ثالث مكونات العنوان “المعاصرة” ليس ليحدد فقط المجال الزمني للعينة المبحوثة والنماذج المدروسة – التي جاءت في النصف الثاني من القرن العشرين- بل ليبرز أيضًا تحولات الشعرية وتغير تأثيرات البنى المساهمة في تشكيلها، فقد تزايد الفعل وتنامى الدور الذي تلعبه أبنية تكوينية في النسيج الشعري كدرجة الكثافة ودرجة التشتت ودرجة التجريد لترتفع أسهمها في الشراكة الإنتاجية للبناء الشعري مع البنية الإيقاعية والبنية النحوية اللتين كانتا أكثر استحوازًا على النصيب الأكبر من أسهم الشعرية، وهو ما يبرز تغير مفهوم الشعر نفسه مع تطوُّر الزمن الذي يتمرأى في تطوُّر إسهامات البنى التعبيرية في تشكيل اللوحة الشعرية.

صلاح فضل

سلم الدرجات الشعرية

في مسعاه لتشكيل جهاز مفاهيمي قابل لاستيعاب الأساليب الشعرية وتنظيم تعبيراتها وتعيين أبنيتها يؤسس صلاح فضل سلمًا للدرجات الشعرية خماسي الوحدات، بادئًا بالبنية الإيقاعية التي يعتبرها جريماس “أجرومية التعبير الشعري” فيبرز صلاح فضل مستويين للإيقاع مؤكدًا أنَّ:

“درجات الإيقاع تشمل المستوى الصوتي الخارجي، المتمثل في الأوزان العروضية بأنماطها المألوفة والمستحدثة. ومدى انتشار القوافي ونظام تبادلها ومسافاتها، وتوزيع الحزم الصوتية ودرجات تموجها وعلاقاتها، كما تشمل ما يسمى عادة بالإيقاع الداخلي المرتبط بالنظام الهارموني الكامل للنص الشعري…. وإذا كانت «ثورة الإيقاع» التي شهدها الشعر العربي المعاصر قد انتقلت بالمظهر الصوتي الخارجي للشعر من مجرد عرف محتوم مقولب، إلى بنية محفزة وسببية، تتشكل من جديد في كل مرة، عبر مستويات متدرجة، تبدأ من القصيدة العمودية التي تظل قطبًا موسومًا، إلى قصيدة النثر التي تمثل غاية الانحراف عن النموذج الأول، فإن توظيف هذا المدى الإيقاعي العريض يظل ملمحًا فارقًا وجوهريًّا يميز بين الأساليب الشعرية ويحدد درجة قربها أو بعدها من الغنائية التي تكاد تتمركز عند القطب الأول” (ص27- 28).

  يبرز فضل مستويين للإيقاع أولها الصوتي الخارجي كالأوزان والقوافي مع بيان التطور الذي أصاب الشعر العربي بتلك الثورة الإيقاعية مع التحوُّل من القالب العمودي الآلي الوزن والثابت التقفية مع استحالة هذا المظهر الصوتي إلى بنية، في المقابل فإنّ التفات صلاح فضل للمظهر الصوتي كبنية يعكس ثورة أو تطورًا في النقد يواكب حركة الإبداع وثورة الشعر، استخدامًا لمفاهيم ومصطلحات علمية كالبنية، وهو ما يكشف عن العلل الكامنة وراء التشكيل المادي الظاهر للنص الجمالي، ومفهوم البنية يعني “نظامًا” خاصًا له قوانينه الذاتية وله بروزه الذي يمكن معه إخضاع تلك البنية وأية بنية للملاحظة والقياس إذ تتمتع البنية باستقلاليتها باعتبارها نظامًا له اكتفاؤه وآلية عمله، في الحين الذي تتفاعل فيه تلك البنية مع غيرها من بنى النص وتؤثر- بالتالي- في النظام الكلي للنص وتسهم في نسج شبكة داوله، كما تعمل البنية الإيقاعية سواء ببذخ تمظهراتها وكثافة عناصرها أو اقتصادها على تحديد نوع الأسلوب الشعري ومدى اقترابه أو بعده عن الغنائية.

وفي اتجاه موازٍ لا يغفل فضل مظهرين آخرين للانحراف التعبيري عن ذلك الأسلوب الغنائي أولهما ببيان مظهر آخر للإيقاع وهو “الإيقاع الداخلي المرتبط بالنظام الهارموني الكامل للنص الشعري” وهو الجانب الذي كان يغفله النقد الكلاسيكي والتوجه البلاغي المدرسي المحافظ في النقد الذي يحتاج لبصيرة نقدية ثاقبة وحس تشريحي قادر على اجتراح أغوار النص واستكناه خلاياه الداخلية، وثانيهما هو التخلي التام عن الإيقاع الصوتي الخارجي فيما يُعرف بقصيدة النثر التي مثّلت شكلاً فنيًّا للمعاصرة الجمالية بالتخلي عن التمظهرات المادية للإيقاع الشعري في سبيل الصور والأفكار.

أما ثاني البنى التي يضعها فضل في سلم الشعرية فهي الدرجة النحوية التي يذهب بأنّها: “مصطلح توليدي اقترحه أولاً «تشومسكي» كطريقة منظمة لتحديد نوعية الانحراف اللغوي عبر مقولات شكلية مضبوطة إذ يقول: «إنّ النحو المناسب وصفيًّا ينبغي أن يقوم بتشغيل كل تلك الفوارق على أسس شكلية.. أن يميز بين الجمل المكونة بطريقة سليمة تمامًا وبين تلك التي لم تتولد من نظام القواعد النحوية، بالإضافة إلى فصله بين الجمل المتولدة بمخالفة المقولات الفرعية من تلك التي تنشأ بالانحراف عن قواعد الاختيار.. ويبدو أن الجمل التي تكسر قواعد الاختيار المتعلقة بخصائص المعجم على «مستوى أعلى» أقل قابلية للتقبل، وأصعب درجة في التأويل من تلك التي تتعلق «بالمستوى الأدنى»” (ص29).

يبرز صلاح فضل أنّ من سمات الشعرية وتعبيراتها هذا الانحراف اللغوي والخرق النحوي، وإن كان لتجاوزية الشعر للغة جذور في البلاغة والنقد القديمين فيما عرف بالضرورة الشعرية التي كانت تبيح للشاعر خرقًا لقواعد النحو، ولكنّ تلك الضرورة الشعرية كانت تتمثّل في خرق محدود في مكوِّن فردي من مكونات التركيب، فإنّ هذا الانحراف النحوي الذي مارسته الشعرية المعاصرة يبدو أوسع مدى وأكثر تعقيدًا مما أتاحته الضرورة الشعرية، وإن كان للخرق المعجمي تفضيل أكبر في الانحراف النحوي تأسيسًّا للشعرية. ولنا أن نشير في هذا الصدد إلى أنّ الجهود اللاحقة في هذا الشأن قد نظرت إلى هذا الانحراف التعبيري في الدرجة النحوية في أساليب الشعرية إلى كونه ليس خرقًا لقواعد اللغة بقدر ما هو استعمال لما أسماه جان جاك لوسركل في كتابه عنف اللغة (1990) بـ”المتبقي” الذي يراه لوسركل “يروغ من قواعد النحو، ويتفلّت من قوانين الألسنية التي درسها وصاغها فرديناند دوسوسير. وهذا الجانب هو الذي يرتع فيه المبدعون والشعراء والصوفيون والمهوسون ومن شابههم، ومع أنّ الممارسات في هذا الجانب لا تسير بحسب قواعد النحو، إلا أنّها، كما يؤكِّد لوسركل، تُغْني اللغة وترفدها ولا تنقض عراها”، فالمتبقي هو الوحشي المهجور من اللغة. فـ”لئن كانت، على حد قول جوديث ميلنر، صياغة قاعدة نحوية هي عملية، فإنّ وصف المتبقي هو نفي لهذا النفي- هو عملية تسير عكس الممارسة العملية، وهو التعامل، على طريقة كوربيه، مع ما هو استثنائي وغير ذي علاقة، والمخالف لقوانين النحو”، لذا فالمتبقي هو توسيع دائرة النحو بالخروج على دوجماطقية التقعيد.

وينتقل فضل لثالث البنى التي ينشئها في سلم الشعرية وهي “درجة الكثافة” التي يقول عنها:

“هي ذات خاصية توزيعية بارزة، وهذا يجعلها قابلة للقياس الكمي والنوعي، وتتصل أساسًا في تقديرنا بمعيار الوحدة والتعدد في الصوت والصورة، وهذا يجعلها ترتبط بحركة الفواعل ونسبة المجاز وعمليات الحذف في النص الشعري. كما أنها تتجلى في مظاهر تتعلق بالفضاء غير اللغوي للنص وطريقة توزيعه. ويربط «جريماس» بشكل واضح بين درجة الكثافة الشعرية وعدد العلاقات البنيوية في النص”. (ص ص30- 31).

كما يبدو فإنّ لغة صلاح فضل النقدية في خطابه النقدي التنظيري تبدو مراعية اللغة العلمية وتسعى في تمظهرها الإجرائي إلى استيفاء خطوات منهجية علمية مثلما يبرز في مصطلحات كالقياس الذي هو سمة المنهج العلمي التجريبي، ومراعاة شقي القياس الكمي والنوعي يتوازى كذلك مع العلمية التي تتحرك من الكمي إلى الكيفي.

كذا يبدو فضل منتبهًا إلى ضرورة تتبع عمليات الحذف في النص الشعري واضعًا في الاعتبار كتابة المحو والنص الغائب الذي يظلل النص الشعري المدروس، كما يعمل فضل على استثمار نظرية الفواعل التي أسسها جريماس في تحليل النص السردي- في تحليل النص الشعري وهو ما يكشف عن حداثوية وعي فضل وتقدمية فكره النقدي وإدراكه بأنّ النص الشعري هو تمظهر من تمظهرات السرديات ونوع منها، كذا يبرز فضل أهمية معاينة التحليل النقدي الفضاء غير اللغوي للنص في تجاوز للنقد الكلاسيكي المؤسس على البلاغة القديمة ذلك الذي كان يقوم على الاقتصار على تحليل لغوي للنص الشعري.  

أما البنية الرابعة التي يؤسس لها صلاح فضل في سلم الدرجات الشعرية فهي درجة “التشتت” أو التماسك في النص الشعري، فيذهب إلى أننا بالوصول إلى تلك الدرجة:

“كنا حيال مظهره الكلي العام الذي تفضي إليه المستويات السابقة. وهو أكثر العناصر التحامًا بالخواص الجمالية الشاملة للنص، ويرتبط بدوره بالمستويات السطحية والعميقة لهٍ، حيث تقوم العلاقات النحوية والدلالية، ومدى ما يتمثل فيها من ترابط أو تفكك بدور هام في إنتاج درجة التشتت” (ص ص32-33).

يبدو صلاح فضل أنّه يؤسس سلمه النقدي في تحليل الشعر تأسيسًا علِّيًّا، كذا فهو يوظِّف مبادئ التحليل الألسنية في قراءة النص الشعري باستجلاء علاقات معالم النص بمستوياته السطحية والعميقة.

أما آخر درجات السلم الشعري لدى فضل، فهي درجة “الحسية أو التجريد” تلك الدرجة التي تكشف مدى ارتباط النص بدرجات النحوية والإيقاعية أو اقتصاده وتخففه منها، وبالطبع مع تعمق الوعي الجمالي في الحداثة وما بعدها يبتعد النص الشعري عن الحسية ليدنو أكثر من التجريد كتمظهر بادٍ ودال على تعقُّد الخطاب الشعري.

…………………..

* نقلاً عن أخبار الأدب عدد 15 يوليو 2018

 

 

 

مقالات من نفس القسم