شامات الحسن .. الكتابة بمذاق حسي

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

ليست الرغبة هي المُحرك الوحيد للمشاعر بين أطراف العلاقة، و إنما الجمال أحيانا ً والإحساس العاصف به يكون هو المُتحكم والذواقة . عبر اثني عشر قصة تدور أجوائها بالكامل في عوالم حسية ، يرسم إبراهيم فرغلي لوحات إيروتكية لا تخلو من جمال .

تبدو المجموعة مهتمة ليست بالجانب الحسي فقط ، بل بما هو أعمق، إذ تغوص في نفوس الشخصيات، ما يدور في أذهانهم، فترصد مخاوفهم، لحظات سعادتهم ، ولحظات شبقهم الذي نجح الكاتب في التعبير عنه

أضاف الكاتب قبل بداية كل قصة مقاطع شعرية لشعراء مُختلفين كانت بمثابة الإضاءة المُصاحبة للقارئ أثناء قراءته ، تكشف بمقدار لكنه ليس كشفا ً كاملا ً . ” صامتة أحوم فوق الهاويةالصقيع الثقيل الذي حمل به البحر جسدي وحوش أسطورية لها ثغور آلة البيانو تتكئ على المهاوي مرتاحة في الظل عارية أنامجويس منصور .

في القصة الأولى ” فيما يرى النائم ” التي  كالمدخل الذي أراد الكاتب  أن يُمسك بيد القارئ ويجعله يتحسس خطواته الأولى داخل الكتاب . مثلما دخل الراوي قاعة المحاضرة و يرى نجيب محفوظ مؤسس الأحلام ، التناص بين الفكرة و المشهد ، الكاتب مثل محفوظ الرمز و الراوي مثل القارئ يتحسس خطواته داخل قاعة المحاضرة . و السيدة التي دخلت قاعة المحاضرات التي يحاضر فيها محفوظ ترمز إلي الشهوة و الغواية مثلما يسرد محفوظ علاقته بالكتابة فكلاهما غواية تستحق أن نتبعها حتى النهاية .

في القصة الثانية ” خارطة الجسد ” نجد العنوان مُعبر للغاية . فالراوي الذي يكتشف جسده للمرة الأولى في خارطة جديدة، فالمدلكة تجوس بأصابعها في اللا معلوم من عضلات جسده و تجعله في حالة انتشاء غير مسبوقة . ” كنت أكتشف مع كفيها ما لا أعرف من عضلات خفية في جسدي . عضلات صغيرة بين الكتف و الظهر، و أخرى بين الخصر و أسفل الظهر”. حالات الحلم داخل النص جعلت القارئ يتحير هل ما يرويه الكاتب حلم أم واقع ؟ حتى تأتي النهاية كاشفة لحالات الحيرة السابقة .

قصة ” موديل عار ” : لا أدري لماذا لم تكن هذه القصة هي القصة الرئيسية للمجموعة ؟ فمنذ أن قرأتها منشورة في أخبار الأدب منذ عامين تقريبا ً و حماستي لم تتناقص لهذا النص .

تشاء الظروف أن تكون سهام هي الجسرالمُوصل إلى الغواية بالنسبة إلي الراوي الفنان التشكيلي . نورا الفتاة الراغبة في الانتحار ، التي حددت موعد موتها سلفا ً  ولا يتبقى سوى الوقت الذي يمر ببطء . و كمحاولة من الراوي لإنقاذها من الانتحار يوافق أن يرسمها ، لكن بشروطه هو أن يرسمها عارية تماما ً . يقف أمام اللوحة البيضاء و يجد نفسه مُرتبكا ً ، فسطوة جسدها حتى أنه يفقد القدرة تماما ً على استكمال الرسم و تحديدا ً بعد السقوط في علاقة معها في أشارة إلي تمكن رغبته و تحكمها فيه . لدرجة أنه لا يُكمل لوحاتهو يرسم فيها وجهه وهو ينظر في المرآة و كأنه أقتنع بكلام نورا عن سببها للانتحار بأن الناس لا ينظروا في المرآة ليدركوا خطأهم . جاءت النهاية مثيرة و باعثة على الإعجاب .

أستدعى الكاتب في قصة ” ما يراه النهد ” عوالم هيرمان هيسه الروحية ، لكنها هذه المرة مُفعمة بالحسية . يسعى الراوي لاستكشاف صوت نهد الفتاة المُستكينة على حافة البحيرة . فيغوص في عوالم روحية مُنصتا ً لجمالها . لتأتي النهاية الغير مُتوقعة التي تكشف أن الفتاةكفيفة . و أن أصابتها بالعمى لا تمنع أو تُخفف من حدة غوايتها .

قصة ” ساحر الموسيقى ” : الصوت أو الراوي هنا مختلف عن القصص السابقة ، من يروي هذه المرة امرأة ، و المثير أن القارئ يكتشف أن الرجلأيضا ً يصلح أن يكون رمزا ً للغواية وليس الأنثى فقط . مشهد إعجاب الراوية بالأصابع يُحيلنا لكتاب عزت القمحاوي ” الأيك في المباهج والأحزانتحديدا ً الفصل الأول المعني بالأصابع و رمزيتها . المشهد الخاص بإخراج العود من السيارة تبدو أشارة واضحة لتأجج شهوة الراوية و محاولة إفراغ شهوتها بالعزف على العود ، وكأن العود شريك يؤنس وحدتها و يطفئ رغبتها . ترغب البطلة في دفن أحزان صديقها و أحزانها و مخاوفها هي الأخرى في جسدها . المشهد الأبرز في هذه القصة الذي يرصد العلاقة المتشابكة بين الآلة الموسيقية و الرغبة ، هنا تبدو الآلة الموسيقية عامل إثارة . ” تأججت شهوتي فجأة . استعدت عزفي للحن أنت عمري ، داعبني إحساس بالغبطة لتمكني من عزفها أكثر من أي مرة سابقة ” .

حينما تتحول الرغبة إلي مرادف للقتل ، هذا مع ترصده قصة ” دون كيشوت ” ، يتورط الراوي في جريمة قتل نتيجة الانسياق وراء رغبة صديقته المهووسة بالجنس . فيقتل صديقتها خنقا ً في لحظة شبقية فريدة ، العنوان يشير إلي رواية ثربانتس “دون كيشوت” الذي كان يحارب طواحين الهواء لكن هنا البطل يحارب رغبته و جريانه وراء صديقته و خيالها المسعور حتى يغرق تماما ً في لجُة الجنون .

قصة ” الغابة السوداء ”  مبدئيا ً لا أعتقد أن العنوان موفق، فلا أفهم سبب تسميته بالغابة السوداء . لو سمي النص بالغابة الحمراء لأصبح ذو دلالة . لكن هنا العنوان يسبب الارتباك ، توقعت أن تكون الغابة في أفريقيا ، أو البطلة أفريقية . لكن جاء السرد ليكشف أن كل هذه التوقعات خطفتها الرياح . لحاء الشجرة أشبه بالدعوة للغواية . امرأة لا يدري الراوي عنها شيئا ً تدعو صديقها من الفضاء الالكترونيلمغامرة . يزور الغابة و يكشف عن الشجرة صاحبة اللحاء ، لكن الشجرة واللحاء ليس أكثر من فخ منصوب له ، ليصل لصديقته التي تصل به لدروب مغايرة من الرغبة والشبقية لم يتذوقها من قبل .

في قصة ” عفاريت العولمة ” نجد مشهد البداية بوقوف البطل مُحتميا ً من المطر رومانتيكيا ً بعض الشيء، لكنه سرعان ما يعود للحاضر بعرض الفتاه لجسدها ليكتشف البطل وهجه . يتعرف الراوي على المرأة المُحتمية مثله من المطر ، تندهش هي من معرفته بالثقافة الفليبينية ، و هنا تبدو الثقافة أقصر الطرق للتعارف . تأخذ عنوانه على أن تزوره لكنها ترسل له فتاتينليقضي سهرته معهن ، ليتذوق الفتاه الخلاسية بحسيتها المفرطة ، ويتمنى لو يظل بين أحضانها . العنوان مُحير لكنه لا يكشف عن نفسه ألا مع نهاية القصة ، فالعالم يختلف في أي شيء لكنه يتفق على شيء واحد فقط وهو الرغبة و الجنس ، على فراش الغواية ينسى المُتحاربون أيدلوجياتهم و خلافاتهم السابقة ليتحدوا معا ً عازفين سيمفونيتهم الخاصة .

تبدو الطبقية واضحة للغاية في قصة ” شامات الحسن ” فالبطل الذي ينساق في علاقة مع سيدته ، تتحكم هي في مسار العلاقة و صعودها و هبوطها ، لدرجة انه لا يبادر برغباته فيها ، يترك نفسه لها ، خشية إغضابها . و نتيجة لهذه العلاقة المُرتبكة يسرح في جمال جسدها ليكتشف وجود خمس شامات للحسن مُبعثرة في جسدها

قصة ” عينان شاردتان ” : الراوي أو الصوت هذه المرة عاهرة ، يطلبها أحد الزبائن ، لكنه يختلف عن الآخرين ، يتحسس جسدها بُحب ، يكتشفه يغوص في دروبه مستكشفا ً مكامن لذته . لتكتشف بعد ذلك أن هذا الزبون كفيفا ً . أكتشفها في حلمه و بين أروقة خياله قبل أن يلتقيها في الواقع ، بصحبتها يصل لدروب من المتعة لم يصلها من قبل و تسكتشف هي بصحبته عالما ً أخر لم تكن تدري عنه شيئا ً . النهاية المثيرةالتي تشير إلى أن الفنان الكفيف لم يتورع حتى عن استخدام جسد رفيقته وتقديمه قربانا ً ليس فقط للفن و إنما قربان انزواء موهبته و رحيل الفن للأبد .

جاء الحوار غير مناسب على الإطلاق في بعض القصص ، مثل قصة  ” فانتازيا ” المفترض أن الأبطال أجانب ، فنجد أن احد الابطال يقول لصديقته ” أيوة كدة أطربيني يا مزة “. بالتأكيد توجد في اللغات الأخرى ما يعادل كلمة ” مزة ” لكن هذه المرة بدا المشهد وكأنه مزيج بين الأجنبية و العامية المصرية .

المثير أن إبراهيم فرغلي قدم توليفة من مختلف الجنسيات، جميعها تحتفي بالجمال، و ألقت بخلافاتها وراء ظهورهم . مما جعل القارئ يغرق في متعة الحكي التي تنفد بالتدريج مع قراءة قصة تلو أخرى

 

ـ

مقالات من نفس القسم