سُكونُ الجَلَبَة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

فؤادي ينفطر عند ناشئة الليل..

الظلام يُسَرْبِلُ المكان ووطأة المشاعر الثقيلة تجثم على صدري، ظِلُّ الألم يُطل من عيني أمي تحت ضوء بئيس للشمعة اليتيمة بالبيت. نفذت كل الشموع التي كانت متواجدة. علينا أن نقضي الليالي المتبقية من الأسبوع تحت سلطة الظلام. وعلى أمي أن تقضي ما تبقى لها من الحياة تحت وطأة ظلام وظلم أبي. لم تعد طيور السعادة تحلق فوق عش الزوجية. هشّاً وقابلاً للانكسار أصبح.

قبل أيام همدت نار سباب أبي، وانخفض محرار غضبه. نما برعم الحب في قلبي من جديد. بدأت أوراق نفسي الذابلة تورق وروحي تزهر. علت وجوهنا نضرة النعيم، أمي واقفة عند الجدار تتطلَّع إلينا في حب رخيم وعلى شفتيها لاحت ابتسامة منكسرة.

أبي جلس عند المصطبة. باب البيت يظل مفتوحاً في حضرته. النوافذ بدورها يُحْكَم عليها أن تظل مشرعة. نسيم خافت يتسلل ببطء نحونا ونحن نجهد أنفسنا في عب قدر غير يسير منه سعياً لإخماد نار المعاناة التي نكتوي بلظاها. أبي يعالج عود الثقاب، وضع السيجارة في فمه، بشفتيه ولسانه ركنها إلى يسار فمه، بحركة سريعة انتقلت شرارة النار من عود الثقاب إلى السيجارة. ومع شرارتها انطلقت شرارة من فرن فمه. نضع أناملنا في آذاننا اتقاءً لنار سبابه المطعَّم بكلماته التي تخدش أنوفنا وكرامتنا. نخجل من سماعها وننشغل عنها وعنه في حديث مُرتَجلِ. تنظر إليه أمي بعين الاستصغار. وينظر أبي إلى جارتنا التي تخلى عنها زوجها وحطَّت رحلها بيننا دون مقدمات، ينظر إليها بعين الإعجاب. لا لم تكن عيناه تنظران، كان أصبع أسفل بطنه الذي ينظر.  فتح أبي باب المنزل ذات مساء، سعل سعالاً قوياً معلناً وجوده. انتظرنا طلعته وإذا بنا نفاجأ بطلعتين؛ طلعة أبي وطلعة الضلع الأعوج؛ زوجة جارنا، كما كانت تنعتها أمي. ينظر أبي إليها وينقل عينيه عبر ثنايا جسدها لتستقرا على رَبْلَتَيْ الساقين. أرسلتُ نظري صوب أمي، دموع تروي خدَّيها الضامرين.. برص على الجدار… جفاء قاهر من أبي تجاهنا. وابتسامات بسخاء تُرْسَلُ صوب الضلع الأعوج. اشتعل غضب في رأسي، انقبض قلبي. نظرات أمي الناعسة تقطر أسى وتدمي قلبي، ارتسم الإجهاد على جسدها. انقبض قلبي وأنا أرى ظلال الألم ترتسم على وجهها. نبت رجاء في رأسي واستقر على حافة لساني: أن تمتد يد المنون إليه وبقوة تجذبه نحو عالم الأموات وتعبر به إلى الجحيم. أرسلت لأبي نظرات توسل، أزعجتني لامبالاته. أقام الغضب عشّاً في قلبي، ركن هناك واستوطن. بذلت جهداً للسيطرة عليه. لم أفلح، ثارت سورة أبي، اشطاط غضباً، وبدأ استعراض عضلاته علينا جميعاً، لغو وصراخ وجلبة عمَّتِ البيت.. تقوقعنا على ذواتنا وأعلنا انهزامنا واستسلامنا.

بدأ السكون يمتصُّ الجلبة التي أحدثها أبي اليوم، كما أحدثها أمس وأول أمس واليوم الذي قبله بل الأيام السابقة كلها. لا أتذكر اليوم الذي نعمنا فيه بجذل السعادة.

أَغْطَشَ الليلُ، انكمشت في مكاني أستجدي النوم لأرمّمَ أحزاني..

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون