“سنة القراء الخطرة” .. نقرأ لنكف عن الكذب

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 96
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

كارولين كامل

“مهما كان سنك، لا تستبعد احتمالية وجود كتاب سيجعلك تتدفق وتشتعل حماساً وتقدم على فعل شئ ستندم عليه لاحقاً.

هذا يعني أنك مازلت على قيد الحياة”.

أندي ميلر

 

يصطحبنا الكاتب الإنجليزي أندي ميلر في رحلة على مدار عام يقرأ خلاله خمسون كتاب أدرجهم على مرتين في قائمة أسماها “قائمة الإصلاح”، الكتب التي غيرت حياته كما يقول عنهم.

لا يفصح الكاتب عن تفاصيل قائمته بل يتركنا في رحلة ترقب من كتاب لآخر، ولا يكتب عن الكتب عروضًا صحفية وإنما يحكيها لنا كقصة تبدأ مع كوب العصير الذي يتناوله صباحاً، وتتكون علاقة شخصية مباشرة بينه وبين الكتاب، العلاقة التي تحفز مشاعره تارة وتستحضر لديه الأفكار والذكريات تارة أخرى، وتستمر العلاقة في تطور تصل لذروتها عندما يؤثر الكتاب على مزاجه ويمنعه من النوم أو يدفعه لافتعال مشاوير خارج مكتب العمل للوقوف في طابور طويل فقط ليتسنى له القراءة.

يخبرنا الكاتب في البداية عن حياته فهو يعمل محرر للكتب في دار نشر، ولذلك فإن علاقته بالكتب ملتبسة جدا، فهو قد توقف عن قراءة الكتب التي يختارها ويشتريها منذ فترة في مقابل قراءة كتب يقوم بتقييمها بمقابل مادي، وفجأة قرر أنه بحاجة للعودة إلى القراءة وقام بوضع قائمة بأسماء كتب كان قد نوى قرائتها أكثر من مرة ولكنه تعثر.

يشارك الكاتب القارئ تفاصيل حياته الدقيقة ويوضح له أن وقته مزدحم خاصة بعد إنجاب زوجته لطفلهم ألكس ومشاركته في رعايته، إلا أنه يجد فرصته للقراءة في الفترات ما بين عمله وبين اصطحاب الطفل للعب أو لزيارة متاحف، وفرصته الأكبر للقراءة أثناء رحلته بالقطار اليومية من الضاحية التي يسكن فيها وصولاً إلى لندن حيث يعمل، وهو ما أحسده عليه بشدة لأنني لا أستطيع القراءة في المواصلات العامة أو المترو مهما استمعت لموسيقى في أذني لأن لضجيج القاهرة قدرة على اختراق الروح وتعكير صفو أي نشاط.

يترك كل كتاب بصمته الخاصة لدى أندي، ولكنه من البداية يوضح لنا أن القائمة المكونة من خمسين كتاب في الحقيقة المقصود منها ثمانية وأربعون كتاب لأن هناك كتاب لم يترك بداخله أي آثر هو رواية “شفرة دافنشي” لدان براون، ورغم انتهائه من قراءتها في وقت قصير جدا إلا أنه يؤكد أن براون بالنسبة له كاتب يقرأ له كتاب واحد فقط للعلم بالشئ، موضحاً أن براون ظاهرة في الأدب ولكن ليس معنى هذا أنه جدير بالقراءة.

تستمر قائمة القراءة ويتعثر أندي أحيانا، حتى نرى مفارقة لافتة فهو لم يستطع إنهاء رواية “مائة عام من العزلة” لجابريل غارسيا ماركيز ويتركه فترة ثم يعود له مرة أخرى ويقول “تذكرت أيضاً قيمة المثابرة. تذكرت معنى أن أصمم على إنهاء شئ بدأته”.

يروي عن الكتب التي خطفته منذ اللحظة الأولى، مثل رواية آنا كارنينا لتولستوي، وكتب اخذته في نوستالجيا للطفولة مثل “سيلفر سيرفر الأساسي”، وتذكر كيف أورثه أبواه حب القراءة منذ الصغر، ويحكي عن طفولته التي لم ينجح خلالها في أي نشاط رياضي وإنما كانت القراءة هي هدفه وهوايته.

تنوعت مشاعر الكاتب تجاه الكتب وتعامل معها وكأنها بشر يصحبونه في تلك الرحلات ويتحدثون معه، ويقول أندي “الكتاب يشبه الضيف الذي دعوته إلى منزلك دون الحاجة للعب معه، أو تقديم البسكويت والفواكه له”.

يكرر أندي ذكر كيف كان يكذب في الماضي بخصوص قراءة بعض الكتب المهمة مثل بعض أعمال تولتسوي والتي لا يجوز عدم قرائتها ولكنه الآن بعد أن أدرجها في قائمته في حال نجاح قرائتها في عام فلن يكون في حاجة للكذب مرة أخرى.

كلام أندي تناول عدة كتب ولكن حديثه عن الحرب والسلام لتولستوي وآنا كارنينا ذكرني أنني لم أقرأ أيًا منهما فالأولى وجدتها بالفعل طويلة وأخبرت نفسي بتعالي أن الوقت الذي سأبذله في قراءتها يمكنني فيه قراءة أكثر من كتاب لمؤلفين مختلفين، وفيما يخص آنا كارنينا فقد اكتفيت بقراءة ملخص صدر ضمن مكتبة الأسرة منذ سنوات وبمشاهدة الفيلم، ولكني الآن أشعر بالخجل وأفكر في قراءتهما.

من الملفت أن حواشي الكتاب كانت عبارة عن رسائل قصيرة يرسلها أندي للقراء وتتميز بالسخرية وخفة الدم ولم تشكل عائق في انسيابية القراءة.

كانت ملحمة “الحرب والسلام” لتولستوي بالذات بمثابة تحدي للكاتب نظراً لطولها، ويحكي كيف طلب من زوجته مشاركته قراءتها حتى يتحمس ويتناقشا سويا فيها مما يشجعه على قراءتها، وهو ما حدث بالفعل واستطاعا إنهائها في خمسة أسابيع ويشعر أنه في حاجة لقرائتها مرة أخرى من فرط إعجابه بها.

وفي الثلث الأخير من الكتاب يأتي دور رواية “الجسيمات الأولية” للروائي ميشيل ويلبك وفيه يتخيل أندي نفسه يكتب خطابًا للكاتب يأتي فيه

“كتبك المخزية، بكل سخريتها ويأسها وتجاهلها التام للمجتمع المعاصر وهوسه بحتمية فناء الجسد، تشاؤمه المتأصل المُر، عرض علي ما أدرك الآن أنه ما كنت أبحث عنه منذ وقت طويل: الأمل”.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية

مقالات من نفس القسم