سلفادور دالي

موقع الكتابة الثقافي art 14
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد العزيز دياب

   سلفادور دالي….

   في كل الأماكن صار يطاردني هذا الاسم، أصبح يتعقبني كلعنة، اليوم وأثناء طابور الصباح لم يجد مدرس التربية الفنية موضوعًا للحديث عبر الإذاعة المدرسية غير “سلفادور دالي”، وكان المدرس قد دأب على تقديم شخصية فنية كل أسبوع خلال فقرات برنامج الإذاعة، وكان سلفادور دالي هو شخصية هذا الأسبوع … ألم اقل إنه يترصدني.

   كيف أستطيع أن أواجهه وقد فرض حضوره على لسان الأستاذ “لمعي” مدرس الرسم كما يطلق عليه الطلاب، هل كان علىَّ أن استسلم له وهو يشرح كيف كانت طقوس هذا السلفادور وهو في مرسمه، كيف كان يأكل، كيف يشعل غليونه، ورحت أتساءل هل كان الرجل يدخن الغليون الذى نطلق عليه البايب، هل كان يربى شمبانزي في حديقة بيته، يتركه طليقًا ولا يكف عن مشاكسة المارة والجيران حسب قول الأستاذ لمعي، هل كان لدية بيت له حديقة؟

   سيأتي من يخبرني في لحظة ما بأنني كنت أقوم بتجارب نفسية عنيفة لذاتي، ألفظ اسم سلفادور دالي بصوت خافت وأنتظر وقع ذلك على نفسى، الغريب أنني في مرات كثيرة كنت أنسى وأقوم بذلك الفعل وأنا أقوم بتدريس جغرافيا الوطن العربي لطلاب الصف الأول الثانوي، أتخيل أن حدوده أصبحت هشة، يتسلل كل أولاد السلفادور عبرها بشكل غير قانوني لتبدأ معاناتي مع لوحاته بعيدة الغور وهم يعرضونها في كل مكان، وعندما أتذكر أنني لازلت ألهج باسمه أكتشف تغامز طلابي، فلا غرابة لو قاموا بإهدائي ألبوم لوحات لفنان عالمي اسمه “سلفادور دالي”، كانوا يتلعثمون في نطق الاسم بشكل صحيح وهم يضعون الألبوم بين يدى.

   لم يكن طلابي وحدهم من اكتشفوا أن لذلك الاسم حكاية معي، بل بات كل من يعرفون سلفادور دالي ومن لا يعرفونه يحكمون على شخص يهذي وهو يقوم برسم لوحاته العبثية على صفحة الفضاء بالجنون.

   يبدو أنني استغرق في أشياء غريبة، لذلك فضلت أن يكون استغراقي في ملامح لمعي وهو ينطق بمعدل كل ثانية في كلمته بالإذاعة المدرسية “سلفادور دالي كان يفعل كذا.. سلفادور دالي كان لا يفعل كذا”، حتى لو كان في كل مرة يتعثر في النطق به، أواجه التخيلات العجيبة المفرطة بأن هذا السلفادور سيدخل من باب المدرسة متجها إلى حجرة التربية الفنية دون إرشاد من أحد، كأنه يعرف مكانها، يصعد إلى الطابق العلوى في مبنى الإدارة، ينحرف يمينا في الطرقة العريضة لتكون في مواجهته تمامًا كلمتي “التربية الفنية” من الخشب الآركت أعلى بابها، سيكون لحظتها بملامح شرير لا يعرف الرأفة، يرفض فنجان القهوة من “إبرام”، فهذا الأجنبي ينطق اسم “إبراهيم” عامل البوفيه صاحب الطاقية العالية بهذا الشكل، يفضل السلفادور أن يشرب كأس خمر من زجاجة يحتفظ بها في جيب معطف اتخذ ساعده شماعة.

   الأستاذ لمعي يتجاهل تمامًا نزعات سلفادور الشريرة عندما يرسم وجهى بطريقة مستفزة غير مريحة، هو لا يرسم وجهى كاملا، نصفه فقط هو الذى يتلو ملامحي، أما النصف الآخر فما هو إلا سلحفاة أو ضفدع لا يكف عن النقنقة، أو طبل غليظ في حاجة إلى من يقرعه بكل شراسة.

   لذلك لن أسكت حتى يرسم وجهى بهذا الشكل، أو بأي شكل آخر يثير حفيظتي ويجعلني مادة ثرية للآخرين، لن اسكت حتى يطوف به بين طلابي وهم على أهبة الاستعداد لتحية العلم، سيطوف بينهم حاملا وجهى وهم يرشفون القهقهات حتى لا تندلق على حصى الأرض الطيبة.

   لمعي لن يعمل حسابا لكل ذلك، راح يلفظ بهذا الاسم بفخامة بعد أن انكفأ وتلعثم عدة مرات: سلفادور دالي… سلفادور دالي، لذلك هيأت نفسى لتخرج مقلتيَّ تنهشان ملامحه، وأنا أتخيل سلفادور دالي يرسمه بنصف وجه يخرج منه كلب ينبح نباحًا رهيبًا.

 

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون