راق..

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 50
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد اللطيف النيلة

    عَقِبَ إطلاق سراح الصيدلاني المعارض سُليك بن عُليك، ألحقه الإمبراطور بالخلية العليا للصيادلة. ولم يلبث أن ألقى على عاتقه إنجاز مهمة في غاية الأهمية.  وإثر أعوامٍ مديدة من الاعتكاف في المختبر الإمبراطوري، أفشى سُليك بن عُليك لِمُتسقّطي الأخبار سره الأثير: “أخيرا، تمخضت تجاربي عن شراب عجيب يصعد بالرعية إلى سماء الروقان، فلا تعود تشعر بسوط أو حرمان”. بيد أنه أرجأ رفع الستار عن تفاصيل إنجازه الصيدلي إلى أن يحين “يوم الكشف”، حيث يقدم الولاة والعمال وأهل العلم كشوف حساباتهم بين يدي الإمبراطور.

    في ذلك اليوم الموعود، أعلن حاجب الإمبراطور عن تتويج كشوف الحساب بتقرير يَبْسط نتائج الاعتكاف البنّاء لسُليك بن عُليك. عندئذ، خطا الصيدلاني مختالا نحو صدر المجلس، وقد خطفت الأبصارَ عباءتُه الحريرية المزدانة بأشرطة مذهبة، فيما اقتفى أثره خادم يحمل صندوقا خشبيا صغيراً مُوشّى بنقوش بديعة.

    ألقى سُليك بن عُليك تحية باذخة على الإمبراطور، وقام بانحناءة رشيقة، قبل أن يباشر مخاطبته بنبرة مُفخمة وملامح تفيض بشاشة:

    – يشرفني غاية التشريف أيها الإمبراطور المبجّل، في هذا اليوم المنذور للخير والبركة، أن أضع ببالغ التواضع، بين أيديكم الكريمة، عُصارة.. عُصار.. عُصا..

    تلعثم لسانه بالكلمات فجأة، وانفلتت من بين شفتيه ضحكة صغيرة: قهْ قهْ. كبحها فوراً ليستأنف:

    – مولاي، أقول عُصارة.. عُصْ.. عُصْ..

    ولعلعتْ هذه المرة ضحكة أكبر: قهْ قهْ قهْ قهْ.

    سريعاً غاض انبساط محيا الامبراطور، واحتقنت أساريره بالغضب، فيما خيّم الذهول على سائر من بالمجلس.

    شرد سُليك بن عُليك لِلَحظة، ووجهه مورّد وعيناه ملتمعتان، بينما أصابعه تمسد لحيته الكثيفة. أما الإمبراطور فقد حَبَسَ فوران غضبه في ترقب.

    عاود الصيدلاني الكلام:

    – مولاي، أقول عَصْر.. عفواً عصير.. بل عُصارة.. عصر وعصير وعصارة.. قهْ قهْ قهْ…

    انفجر عالياً بالضحك.. وعبثاً حاول كبْح جماح ضحكاته المطردة حتى والجلاد يسارع إلى الانتصاب خلف ظهره إثر إشارة إمبراطورية، بل حتى ورأسُه يتدحرج، في رمشة عين، بين قدميه…

    وحينما فُتح الصندوقُ الخشبي الصغير، بأمر من الإمبراطور، عُثر داخله على قارورتين من زُجاج: إحداهما فارغة مازال قعرها يحتفظ بأثر شراب، والأخرى -المختومة بقطعة فلّين- تحتوي شرابا عسلي اللون.

   وكانت بجوار الزجاجتين رسالةٌ مطوية، فَرَدَها حاجبُ الإمبراطور فإذا هي رَقٌّ خُطت عليه الكلمات التالية: “ما انعتق وراقْ، إلا من رشف وذاقْ”.  

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون