حينما يكتب الأديب من أحشاء عزلته.. قراءة في “يونس في أحشاء الحوت”

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;}

أماني خليل

يبدأ ياسر عبد اللطيف مجموعته القصصية الأخيرة "يونس في أحشاء الحوت" الصادرة عن الكتب خان بالقاهرة، بالدخول إلى عالم الأحلام الطفولية الضامرة بفعل قسوة الزمن،  يدشن مجموعته القصصية بقصة "حلم ليلة حرب"  المكتوبة علي تخوم  حلمطفولي غير متحقق،  قصة حب ناعمة وحالمة تحوطها المأساة, أنهي قصته بمأساة احتراق الحبيبة الطفلة التي لا نعرف عنها  ولا عن ملامحها إلا أنها صاحبة ساق ضامرة, بسبب مرض ألم بها, وأنهي قصته بموت مفجع  وكأنه وهو من عوَّل على أن تلك القصة ستكون في حال اكتمالها ضماداً لجروح تُلم بالروح لاحقاً, وكأنه أبي إلا أن ينهي الحلم بمأساة مشهد احتراق الفتاة  ليبقي القارئ تائهاً في بالبرزخ بين روعة الحلم وقسوة الواقع!

تأخذ مجموعة “عبد اللطيف” نكهة خاصة حيث العزلة والتوحد مع الذات من المبتدأ للنهاية وهو ما عبر  عنه بجلاء اسم المجموعة ذاته. الاسم المقتبس من عمق الميثولوجيا الدينية.

في قصته “إحراز الهدف” ثالث قصص المجموعة  يقبض النص علي  الواقع وقسوته من خلال علاقة غريبة ومبهمة  بين أبطال النص الأربعة, الحاكي  والصديق محمود و”السقعان” والفتاة الشقراء المُختَطَفة, حيث يذهب البطل وصديقه لبيت “السقعَان”  الذي لا نعرف من هو, والذي يحجز فتاة شقراء ريفية اللهجة أوروبية الملامح في مكان قذر فج الرائحة لأسباب مجهولة, ليجلبا” المعلوم” من السقعان, الذي  يفضّل “عبد اللطيف” ان  يبقيه مجهولا للقارئ,  لندور  كقرّاء في سلسة من التخمينات, ورغم التلغيز  ينجح الكاتب في أن يفرض علي القارئ بقوة ومهارة أدواته وأسلوبه حالة من الخوف والحيرة والارتباك والتوحد مع البطل الذي  يغادر غارقاً في حالة من الغضب الهادر ليتذكر أحداث اليوم  السابق بصعوبة بعد فقدان جزئي لذاكرته.

في قصة “الرُسُل” يكتب “عبد اللطيف” عن الوالد الذي ينتظر الموت ـ ككل العجزة ـ بعد وفاة قريبته التي يعتبر حياتها حائلاً دون وصول الموت له, .يرصد قسوة الحياة حيث “العزلة” في انتظار المصير المحتوم, الذي يقابله الاب والابن وـقارب الأب الآتين كرسل  يحملون بشارة الموت, ويقابله القاري نفسه كما  الجميع يقابلونه  وحيدين وفرادي!

مما هو حري بالذكر أن المرأة في نصوص المجموعة تقف علي  مسافة واسعة من نفس وروح الكاتب، فهي حبيبة مجهولة قابعة في أرض  ذكريات الطفولة البعيدة الضامرة, أو في تخوم الحلم، أو هي مجرد  زميلة اغتراب كمهاجرة عربية في ” مدينة التلال والنهرين” وهي كائن غير مفهوم في “لقاءات من النوع الرابع”  حتي المرأة كأم تغيب تماما عن المجموعة  كتكريس لحالة العزلة الذاتية!

أما في  “يونس في احشاء الحوت” فيكرّس “عبد اللطيف” كل أدواته السردية وموهبته ليوّصل إحساسه الذاتي بالعزلة. تماهياً مع الميثولوجيا الدينية حيث النبي يونس  يجلس في  بطن الحوت يناجي ربه ويطلب النجاة من داخل ظلمات ثلاث, عزلة “عبد اللطيف” يفرضها الدخول إلى جهاز محاكاة لتجربة الغوص في أعماق البحر في أحد  مدن الملاهي في كندا لتتكثف حالة العزلة للقارئ, عزلة الغربة عزلة انسانية واضحة تظهر بين دفتي المجموعة, اضافة اللي عزلة تفرضها تجربة جهاز المحاكاة حيث يشارف  الكاتب علي الموت الافتراضي الموازي للموت الحقيقي الذي جابهه يونس النبي, وأنقذ منه بمعجزة خارقة هي أن لفظه الحوت كما لفظ جهاز المحاكاة البطل نفسه ليعود للحياة مرة أخري.

 يونس كان في  ظلمات الليل والظلم وبطن الحوتـ أما بطل القصة فكان بين ظلمات العزلة والغربة وجهاز المحاكاة، كلاهما يعود للحياة بمعجزة علي تخوم الميثولوجيا حيث تدور احداث  قصته لتعود الي صخرة الواقع  بقسوته وسفوره!

عودة إلى الملف

 

 

مقالات من نفس القسم