حوار على  الطريق

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 15
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. رضا صالح 

كنت  معه فى السيارة أثناء التوجه للكشف على والدته المريضة، جلست عن يمينه؛   بعد أن خرجت السيارة بنا من الشوارع المزدحمة؛  أخذ نفسا عميقا؛ أصبحنا على طريق متسع تحفه الأشجار من الناحية اليمنى، على الناحية اليسرى تظهر أجزاء من البحر؛ ثم تختفى لتعود للظهور ثانية حسب المنشآت المتناثرة هنا وهناك، والتى تحجب الاستمتاع بالرؤيا؛ القليل منها مبان قديمة مثل كبائن الكبانون، يليها بعض مبان  خشبية لها تاريخ يتسم بالسحر والغموض، زمان كنت أرى سيدات عجائز محسورات الرأس بيض الشعور،  يسرن حافيات على رمال الشاطىء الرمادية تحت أشعة شمس الصيف البهيجة؛ أو يجلسن سويا للتحدث بلغة غير مفهومة، يحيطهن جرو  أليف يهتز ذيله وهو يتابعهن، فى رقبته سلسلة،  وبعض شاليهات متناثرة هنا وهناك، أكثرها  مصايف خاصة بوحدات عسكرية، تحتل قطاعا كبيرا من الشاطىء، البعض الآخر يتبع الشركات الصناعية..اغلب المبانى أصبحت أسمنتية تأخذ أشكالا متنافرة، لا يوجد تناسق بينها، بها عشوائية فجة؛  حجبت سطح المياه عن السائرين فى ذلك الطريق الطويل الواصل إلى الأتكة والسخنة والغردقة؛  حتى راس بناس وحلايب وشلاتين جنوبا.. مع اتساع الطريق  حكى لى عن والدته؛  وعن أشياء أخر؛ قال:

الحمد لله.. الحاجة تعبانة شويه..

سلامتها ألف سلامة

سنها كبير؛ كتر خيرها

ربنا يديها الصحة

عدت التمانين… يا ترى احنا حنوصل التمانين والا لأ ؟

الأعمار بيد الله ربنا يديك الصحة..

ديك النهار تزحلقت؛ وقعت على السيراميك.. الدكاترة قالوا عندها كسر فى عضمة الفخذ غيروا لها المفصل وركّبوا واحد صناعى

فين ؟

فى مفصل الفخد

لأ.. أقصد أى مستشفى ؟

آه..فى دار الشفا واللا الشقا…(ضحك)

ودلوقتى..عامله إيه ؟

الحمد لله، بعد العملية الإمساك زاد؛ كان عندها إمساك من زمان قالوا بلاش دوا؛ ونعمل لها حقنه شرجية

….

استانف كلامه:

الأستاذ كامل بيشكر فيك

العفو..

بيقول انك  ساعات بتقعد معاه على القهوة

آه؛ فعلا

ومعاكم اسمه إيه ؟ صاحب الأستاذ كامل

الراوى..الأستاذ محمد

أيوه الراوى..هوه   ده..

                                              —***—

الحاجة تعبت قوى من الإمساك، الحقنة الشرجية عملت مضاعفات

ازاى ؟

عملت ناسور من قدام

ياه…

سألت الدكاترة إيه اللى حصل ؟ قالوا أبدا.من الحقنة،أصل الحاجة صحتها موش ولا بد

وبعدين ؟

 أنا ماسكتش..لان إحنا تعبنا فى حكاية البراز؛ ولما هى كمان تعبت اضطريت أسألهم تانى..

قالوا لك إيه ؟

قالوا انه ناسو ر اجرامى..

إجرامي ؟؟

آه

وبعدين عملت إيه ؟

قالوا مين عمل لها الحقنة ؟ قلت الممرضة. قالوا اسمها إيه ؟ قلت أظن سامية…مس سامية

اتخذت معاها إجراءات ؟

لا..

 ليه ؟

سألت عنها قالوا سافرت بعقد عمل للسعودية

                                                  —***—

استأنف قائلا :

أنا سمعت إنك غاوى صيد؛ صح ؟

أيوه..

نزلت رحلات مع الأستاذ كامل ؟

لأ..

ياريت كنت  تنزل معانا؛ كنا نقعد فى البحر 3 أيام، غالبا فى الكنّيسة، مكان خير لكن البحر ساعات يهيج، والموج يعلى، لكن الحمد لله طول الليل نسمع غنا..

مين بيغنى ؟

الأستاذ كامل والسيد أفندى

آه

بيغنوا دويتوا لأم كلثوم وعبد الوهاب، الأغانى القديمة؛ حبيب قلبى، هجرتك يمكن أنسى جفاك، ودارت الأيام أنت الحب؛ يا جارة الوادى لعبد الوهاب..الأستاذ كامل صوته تخين والسيد أفندى صوته رفيع؛ وإحنا لازم نسمع ونضحك و نصطاد.. أنت بتنزل مع  مين أمال ؟

منزلتش من زمان، كنت بانزل مع عبد الخالق جاد الله؛ أخو أحمد وراغب.. الله يرحمه

آه راغب اللى مات بعد ما  وصل لغاية اللانش ؟

أيوه، كان موقف غريب سبحان الله

كنت معاهم ؟

لأ..

مات إزاى ؟

سمعت إنه كان معاه آيس بوكس وشنطه تقيلة؛  شالهم لغاية اللنش، وهوه صاحب مرض، حس بوجع فى صدره، بعد شويه السر الالهى طلع

لا اله إلا الله..أعمار…

                                                    —***—

 

بعد أن تفادى اللورى الذى جنح أمامنا فى الملف، نظر إلىّ مستأنفا كلامه :

أصل الحاجّة زمان كان عندها شرخ شرجى؛ كشفت عند الدكتور اللى مات اسمه إيه ؟

كان فاتح فين ؟

قدام القسم… قدام قسم الأربعين..

الحواش

آه  الحواش..برافو عليك، قال الإمساك عمل شرخ شرجى؛ قلنا وبعدين ؟ قال محتاجة جراحة، سأل : عندها كم سنه؟ قلت له خمسة وتمانين؛ قال لى دى ست كبيرة ومقدرشى أعمل لها عمليه..

وبعدين ؟

ولا قبلين؛ سكتنا..

                                                      —***—

استأنف كلامه:

قول لى صحيح..انتم بتعملوا إيه عا القهوة؟

أبدا…

بتقولوا شعر ؟  بتشعروا يعنى عا القهوة ؟

ضحكت ونظرت فى عينيه مليا؛  كانتا عينين مجهدتين تحت نظارة طبية سميكة. قلت:

أحيانا..لكن معظم الوقت بنشرب.

قال مهتما:

بتشربوا إيه ؟

بنشرب قهوه.. قرفه.. ينسون؛ شاى.. حاجة ساقعه..

ياه.. ما تشربوا فى البيت؛  حاجة البيت أنضف..

فعلا..عندك حق..

                                                      —***—

  انقشعت غمة الغابة  الأسمنتية قليلا؛   على الأفق ظهرت  أسراب من الطيور؛ تبدو معلقة  بيد القدرة فى السماء؛ بعضها يهوى فجأة  إلى سطح الماء،   لون السماء رائع الزرقة؛ تتخلله ندف من السحب البيض التى تسير الهوينى نحو الجنوب، إلى الغرب تبدو جبال عتاقة؛ وقد اكتست بألوان رائعة..على السفح شجيرات خضر ونخيل، بالقرب من الطريق، محلات مستحدثة للكنتاكى والبيتزا، وسوبر ماركت، ونقطة إسعاف.

قال لى جارى :

أنا منعت الصيد خالص

ليه ؟

عشان الحاجة؛ من ساعة ما تعبت وأنا جنبها؛ هى أهم من كل حاجة..

 ربنا يبارك لك، مفيش أغلى من الأم

طبعا

مرق بجواره ميكروباس  مسرعا  يقوده شاب صغير السن، حدق فيه قائلا :

يبدو انه واحد من سواقين الأستاذ رجب

 رجب مين ؟

 الأستاذ رجب البحيرى معاكم فى المصلحة…ماسك الجراج

أه..أعرفه..

 يبقى جارى…راجل سكرة

 نظرت فى عينى الرجل وقلت :

أنت اللى سكرة..

كان رجب مديرا  مسئولا عن جراج المصلحة؛ تحت إدارته أعداد غير قليلة من السواقين، كما يشرف على ورش المصلحة التى يعمل بها نفر من الميكانيكية والكهربائية وفنيو السمكرة والدوكو وغيرهم لإصلاح وصيانة السيارات.

استطاع السيد رجب أن يشترى 3 سيارت ميكروباس تويوتا؛ تبادل العمل عليها نفر من سائقى المصلحة…عند خروج السائق  للعمل على السيارة كان رجب يكتب له مهمة فى دفتر المأموريات؛ ليرصد له بدلا نقديا , فى حالة حدوث أى عطل فى أحد السيارات يأتى به سائقه ليقوم بإصلاحه داخل المصلحة… تقريبا كل شىء يتم مجانا لمجاملة السيد رجب المدير، فى فترة قياسية استطاع أن يشترى  ثلاث شقق فاخرة بأسماء أبنائه الصغار، مع هذا؛ فعندما يمرض أى فرد من عائلته كان يلجأ إلى المستشفى الحكومى، ويبدو بصورة مزرية لا تنبئ عن وضعه المادى المستريح، تعود على السحت؛ولم يعد يجد له بديلا؛ فقد سرى فى دمه وأصبح مدمنا له.

أخيرا أخذنا دورانا عنيفا  بعد نجاتنا من أحد المطبات العالية، واتجهنا ناحية المسكن؛ حيث استقرت السيارة جواره..

خرجت مع جارى، تمم على الأبواب؛ وصعدنا الدرج سويا..

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون