حلم (5):  طريق

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 45
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسين عبد الرحيم

كنت ظمآناً، صرخت في الوجود حولي، كان المكان غريبا وغير مألوف، بعيدا عن كونه مظلما كان للهواء الليلي رائحة ونس ذكرتني بأخي الأكبر الذي أحبه كثيراً رغم كل ماسببه لي من آلام عبر حيوات سابقة جمعتنا. الدنيا ليل، وأنا السائر وحدي في بلاد لا تعرفني، في اللحظة نفسها كان علي شقيقي يجري من خلفي، وقتها دق قلبي دون أن أره، طالت الشوارع في البلاد الغريبة المظلمة التي لا أعرف متى نزلت إليها ومن ساكنيها، مشيت من جديد ورغم برودة الجو ونزول المطر الخفيف، كان صوت شقيقي يهتف بي فألتفت، فلا أره، لم أره، أواصل المشي وحدي حتى سمعت من يقول لي في ظلام الشارع الطويل: لا تخف.

هناك عربة نقل كبيرة ممتلئة بخزان ممتلئ بالماء النقي، تحسست نبرة الصوت، كان مزيجاً من صوت لأخي وقريباً لي، عرفته بوقع نبراته في الحلم . ولم أتعرف عليه من قبل في الواقع إلا في طفولتي التي لا أذكر منها ثمة شيء على الإطلاق في لحظاتي، أو قل ساعاتي هذه، واصلت الخطو حتى عثرت على العربة أو القاطرة التي تحمل فنطاساً، قفزت ورفعت أحد الأغطية ففاحت رائحة خمر عتيق فتراجعت ولم أشرب، هبطت حزيناً أمشي بنفس الشارع الذي يطول بلا منتهي حتى وجدتهم يجلسون أربعة على كراس من خيزران وحولهم كلاب جائعة، مربوطة بسلاسل غليظة في أشجار عتيقة، كانوا ضباطاً يرتدون أردية سوداء، زاغ بصري من البعيد لبرقة النسور الذهبية فوق الاكتاف، دنوت أرصد قلة معلقة في شجرة تتدلي فوق رأس أحدهم، برتبة عقيد ضخم الجثة ناداني من بعيد بعد أن تعالت أنفاسي وتجلت ضربات قلبي وزاد عطشي وعيني ترصد القلة الملفوفة بخيش مبتل خلف العقيد الجهم، فرحت برؤيتها، تجاسرت، اقتربت بعدما لاحظت أن الكلاب التي التفت حول الضباط ساكنة، تنظرني بطيبة فأحس بالأمان ويتوقف قلبي عن الخفقان، وأمد يدي فيصرخ العقيد بثقة وجهامة وغلظة، وهو يقلب في ركية النار التي التفوا حولها، قال وعينه تتأمل ملامحي وقد سلط بطارية نحاسية مبهرة الإضاءة في عيني :

ـ لاتقترب . لايوجد ماء؟!!

مشيت وحدي فناداني رجل عجوز كان يجلس قرب صخرة ملقاة على طريق ترابي مواز لمسار طريق خطوي، ناداني قائلاً، أحسست أنك جائع، قلت ظمآن فقال: لايوجد ماء، خذ، مد لي بكيس ممتلئ باللحم النيئ، شعرت بالخوف وانا أتتبع الدماء حمراء تزيد، تطفو حتى فوهة الكيس البلاستيكي، تنز على أصابعي تسيل حتى رسخي، ارتجف جسدي، استدرت، بحثت عن أخي، كان قد فر على أثر صوت الطلقات التي كان يصوبها العقيد جهة رأس العجوز ذا اللحية الذي جلس وحيدا فوق الصخرة الصلدة وقد بدأ في إخفاء مئات الأكياس الممتلئة بالدم، صرخت وأنا أستدير من جديد وقد سدت كل الطرق فرأيت بقايا لحم ينز دما في قطرات، اللحم لأجساد آدمية، من خلف الصخرة الضخمة طفت رأس وحيدة، واحدة، لطفلة كانت معلقة في شجرة سرو لابدة خلق صخور اخرى في الطريق الترابي، الطفلة تضحك وتناديني وقد علقت من رقبتها بأعلى نقطة في الشجرة المهيبة وأنا أجري مذعورا بوجه يتأمل خصلات شعرها، متماهياً مع ملامحها التي تشبه قريبة، رحلت من عقود، جريت خائفاً أترك الطريق الترابي، أبحث عن صخرة ضخمة أختبئ خلفها في ظلام الطريق الممتد بلا نهاية .

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون