حلم 4

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 45
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسين عبد الرحيم

لا أعلم ماذا حدث، ولا كيف ولا أين، كل ما أذكره صوت لفرح، شخاليل وساوندات وأغان شعبية مفعمة بالأسى وأخرى مبتذلة، وسيوف وخناجر وشوم وتوابيت تخرج من بدروم معتم من خلف كرسي كنت أجلس عليه في شبه عتمة، شبه نور، شبه رماد، أما الآن فقد صرت أزك بقدمي اليمني، لا أقوى على تحسس ساقي وقت الخطو.

أنا خائف، قدمي تنزف واللزوجة تزيد مابين كعب قدمي اليمنى وفرشة الحذاء، الدم يطفو، وأنا شبه تائه، مطارد، مكلوم، أحاول التذكر وصوت الشخاليل في أذنيّ والدنيا ليل، وشخص ما يقابلني في الطريق يسألني عن الساعة فلا أرد، أظنني سمعته ورأيته وهو ينظرلي بإرتياب ما، من خلفي، لم أره وهو يطوح رقبته ليتبعني في عرجي، كأن زهري النحيل رآه وهو يحدق في مابين الأرض الواطئة ومسار جمعة عظيم.

أمشي بالكاد خطوة خطوة، مستنداً على جدران البيوت الواطئة، أستعيد في محاولات شتى للتذكر، الراقصة تتمايل فوق البيست والنقود تتطاير والورق يضوي أسفل مسارات البروجكتور، وأنا خائف، والفتيان يرقصون بالسيوف، وأصوات زجاج يتكسر وشبابيك تغلق وتفتح وصراخ، وأخي يمسك بمطواة، يجري خلفي، يقصدني، ولكنه أصفر، وملامحه تشي بالغدر، وأنا أنظر بغضب، بكياسة، بحذر، أضحك وأصمت وأنتظر، وأواصل المسير بلا قبلة إلا بيت ما هناك.

بالتأكيد هناك من ينتظرني، ولكنهم لم يهاتفونني، لم يتصلوا، لم ينزعجوا، عين على الراقصة والأخرى على عبدالله الذي بدا يتطوح وهو يتمايل بالعصا مابين الضوء والظل، نصف ساعة، ساعة، ساعة ونصف وهو يرقص، وأنا أغييب، وأعاود المشي، أضعط جبيني محاولا القبض على ثمة دوافع للألم، في رأسي في المنتصف وفوق عينيّ.

النور إنقطع فجاة وأنا مابين الخدر والسكر، ونشوة تبددت في نهاية لم أتوقعها، أحاول التذكر، كتكت يأتي برجاله بعد منتصف الليل، ويدخلون الفرح فيردد المطرب المغمور، عايدة وليلتكم كلها فايدة، والغد في بير أم سلطان والليل جميل، الراقصة تهتز أردافها فتنزلق الخمور في الكؤوس ويتجلى الدخان في الفضاءات في دار السلام، ليعاود المطرب ويكرر، الليلة هلس وباكر دنس، وختامها غرز. تضحك الراقصة وقلبي يرتجف بلا مبررر، أستعيد ماجرى، أضغط عظام رأسي، الدم يزيد في كعب حذائي، متوجسا كنت أسير في بطء، وعندما سمعت صوته الآتي من خلف برج القانونيين كنت قد أيقنت ماحدث، جريت وكل من كانوا هناك يزعقون مرددين وهذا السائر في الظلام كان هناك وأنا أجري أجرى، كان الليل يطول والنيل على مقربة وأنا شبه مطارد، وصورة للفرح في ذاكرتي البليدة، وعربة تنير فوانيسها الأمامية وتطفئها، عربة واحدة هي الظاهرة لنظراتي وتحديق وعيني اللتين باتتا تتحسسان الطريق ونهايته لأسأل نفسي من جديد: من أتى بي إلى هنا؟ منذ متى وشقيقي يمسك بمطواة ويهددني ويتوعدني: قائلاً على مسمع الجميع: سأقتله.

أنا خائف، مشدوه نازف، الراقصة تسقط على الإستيدج جثة هامدة ويبدأ الصراخ من أعلى، ويظلم المكان وأنا أجري لتطاردني تلك العربة التي كانت تقف هناك وأسمع من يأمرهم بالإمساك بي، أحاول العودة بلا أمل، فلاشات ضوء مبهرة تأتي من أمكنة مجهولة، تحدد موقعي وخطوي واتجاه سيري، وتلتقط الدم الطارش من قدمي اليمنى وحذائي، وأياد غليظة تجري في ملابسي تتفحصني، تقلب في جسدي، بطني وأجنابي وخلفي وفوق حزام بنطالي وقريباً من نصف ساقيّ، ويبرز خنجر مسنون ومشرع بلا اتجاه ولا شخص بعينه، وأرى من يقول في شبه ظلام في شبه نور في شبه رماد مابين الفجر والنهار، تدار ماكينة العربة الزرقاء وتفتح الأبواب الخلفية ويرمي بي، بجسدي كله، لأسقط بأرضية العربة الصندوق الأبيض في أزرق، الأذرع والأكف تهوي بالصفعات والركلات في كافة خارطة جسدي لتظهر الراقصة وقد جلست في البعيد المرئي ببدلة الرقص منفرجة الساقين وصدر لامع وقماط أحمر بترتر فضي وبرونزي ويدفعني من ظهر خلفي فجأة للحاجز الحديدى وسط البلوكامين فأنظر لتلك القيود الحديدية المعلقة في السقف قريبا من عيني اللتين تستطلعان المكان من حولي وقت أن خرج الدم يلامس مؤخؤة فردة الحذاء اليمنى، أخي يضحك وأنا احاول إخفاء سلاحي بعد أن  حشوته بالرصاص بعيدا في دواسة عربة ميكروباص لم أتبين ملامح سائقها.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون