حكايتي مع القطة المشمشية (3)

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 38
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أيمن الأسمر

يبدو أن “حكايتي مع القطة المشمشية”(1) لن تنتهي فصولها قريبا، فرغم مرور ما يقارب العامين على ظهورها في حياتنا إلا أن أحداثا جديدة تضاف كل فترة إلى سيرة علاقتها بنا، فخلال هذا الزمن ازدادت القطة حجما وجمالا وحافظت على انتمائها للبيت وأهله، وعندما تزامن وجودها في الشهور الأخيرة مع مرض أمي ونزولها المستمر من البيت بمساعدة رجال الإسعاف وبعض الجيران لتلقي العلاج بالمستشفى، كانت القطة تتابع باستغراب تلك الحركة الدائمة وغير المعتادة وتدرك أن هناك شيئا مختلفا في أحوال البيت وأهله، ورغم انشغالنا الدائم بحالة أمي الصحية وقلقنا عليها إلا أنني لاحظت أن سلوك القطة وتصرفاتها يزداد غرابة وإدهاشا مع مرور الوقت، فرغم أنها ما زالت ترافقني في بعض الأوقات عند هبوطي على سلم البيت وتحك برأسها وجسدها وشعرها المشمشي حذائي، إلا أن عزلتها الطويلة في فناء البيت وعدم قدرتها على الاندماج مع قطط أخرى قد جعل منها قطة غريبة الأطوار، فكثيرا ما أراها تجلس منطوية على نفسها وعلى وجهها علامات حزن واضح، ورغم خروجها اليومي إلى الشارع الذي يقع به بيتنا إلا أنها لا تأكل منه شيئا، فهي لا تأكل إلا ما نضعه لها داخل فناء البيت، كما أنها لا تجرؤ على أن تتجاوزه إلى شوارع أخرى أبعد، ورغم أنها لم تتحول إلى قطة أليفة كتلك التي سردت حكايتها العابرة معنا في “حكايتي مع القطة المشمشية (2)”(2)، إلا أنها أيضا ليست كتلك القطط التي تقضي حياتها بالكامل في الشوارع منذ ولادتها حتى مماتها، ومن أوجه الغرابة التي لاحظتها في أحوالها تلك العلاقة العجيبة التي جمعتها بإحدى القطط السوداء الصغيرة والتي ذكرتها في قصتي الأولى، حيث نشأت بينهما وتطورت مع مرور الزمن علاقة محيرة لم أستطع أن أحدد طبيعتها، أهي علاقة أب بأحد أبنائه، أو أنها تتعامل معها كرفيقة أو صديقة من بنات جنسها حتى لو كانت أصغر منها سنا وحجما، أو ربما كقطة يمكنها أن تتزاوج معها وتكون معها أسرة، فسلوكها معها مضطرب وتصرفاتها يصعب تفسيرها، فهي تستضيفها أحيانا في فناء البيت وترعاها رعاية الأب لأبنائه، وتشركها غالبا في الطعام والشراب الذي نقدمه لها، وتداعبها وتلعب معها أحيانا وتتعارك معها أحيانا أخرى، لكنه عراك وهمي لا ينتج عنه ضرر أو أذى، وبدا لي من متابعتي لأحوالها أن العزلة التي تعيش فيها قد أثرت عليها تأثيرا سلبيا، فلا هي استطاعت أن تصبح قطة أليفة تعيش داخل البيت كفرد من أفراد الأسرة تعتمد على رعايتهم لها واهتمامهم بها، ولا هي استطاعت أن تعيش حياة طبيعية كقطة من قطط الشوارع تعتمد على نفسها اعتمادا كاملا، وعندما اشتد على أمي المرض ثم فارقت الحياة بعد شهور قليلة، سببت لها حركة الناس الكثيفة في أيام العزاء قلقا إضافيا وازداد سلوكها غرابة، ملأني بسبب ذلك كله شعور بالذنب، فقد نكون نحن مسئولون جزئيا عن الحياة المضطربة التي تعيشها والتشوش الذي تعاني منه، غير أنني تيقنت أيضا أنها وغيرها من الكائنات العديدة التي خلقها الله لا تختلف حباتها كثيرا كما نظن عن حياة البشر، وأنها تتأثر كثيرا بالبيئة المحيطة بها وتدرك بشكل أو بآخر التغيرات التي تدور من حولها، وتوقعت أيضا أن حكايتها معنا لن تنتهي قريبا، وأن الأسابيع والشهور القادمة ستشهد فصولا ومفاجآت جديدة في علاقتها بنا.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكايتي مع القطة المشمشية – مجلة قطر الندى – العدد (590) 15 ديسمبر 2017

(2) حكايتي مع القطة المشمشية (2) – قصة لم تنشر أغسطس 2018

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون