جاك نيكلسون .. الذئب الذي طار فوق عش المجانين حتى نال حريته …

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
  الخواء والمتاهة التي تقودنا لها أدوار الممثل الأمريكي الكبير جاك نيكلسون سمة مشتركة في العديد من افلامه ، الأدوار الصعبة المركبة .. الجنون الذي يطل من عينيه بإلحاح في أدوار مثل " البريق " The Shining و" طائر فوق عش المجانين " ، وخيبة الأمل التي يمسك بأيادينا ويقودنا نحوها في أفلام مثل  "عن شميث"   About Schmidt ، والإبتسامة الساخرة التي تناسب سخرية القدر التي يترك على شفاه جمهوره في فيلمه الأخير  "  the Bucket List"  كل ذلك يشبه العلامات التي كانت تمضي بنا وبه لصدمة إصابته بألزهايمر واعتزاله للتمثيل .   " أول السلالة يموت تحت شجرة الكستناء وأخرهم يأكله النمل " عندما كتب ماركيز تلك الجملة في فصل النهاية الذي أنهى به ملحمته الرائعة " مائة عام من العزلة " ثم أصيب بعد ذلك بسنوات طويلة بمرض أل زهايمر قبل وفاته بعام او أثنين ، بدى الأمر لي كما لو أن ماركيز كتب نبؤته .. وأن رائد الواقعية السحرية بأمريكا الآتينية كان يعرف بطريقة ما – طريقة الفنان غالبا – إلى اين يقوده القدر . ربما أخترع نهايته  تماما ، كما أخترع مصائر  العشرات  وربما المئات من الشخوص في قصصه العظيمة .   أفكر في ذلك الأمر كثيرا بعد إصابة " الممثل الأمريكي " الشهير والكبير جاك نيكلسون  بمرض أل زهايمر منذ شهور ، وأتساءل هل الممثل الذي برع بالأدوار المعقدة التي بها الكثير من  الجنون والعزلة والخيبات ، كان يمثل بروفة جنرال لقدره ! وهل أختار صاحب نظرة الجنون العظيمة والمتقنة  أن يلعب دورا معقدا في الحياة تماما كما أختار دائما أدواره ، حيث قدم شخصيات فنية غارقة في الإنسانية والألم ، دائما ما كانت تطرح شخصياته أسئلة عميقة ، وتثير لدى المشاهد رغبة في الصمت والتأمل . في فيلمه " one flew over the cuckoo,s nest "  أو " أحدهم طار فوق عش المجانين " الفيلم الذي يعد من ابرز أفلام السبعينات حيث أنتج عام 1975  ، أوسكار و هو مأخوذ عن رواية بذات الإسم كتبها كين كيسي , و نشرت في العام 1962 . وحصد الفيلم   5 جوائز  أوسكار يقع فيها المرضى تحت سيطرة الممرضة المشرفة التي تبقى كل شئ تحت سيطرتها وتتحكم بالمرضى بنظام صارم ويخشونها جميعا ، حتى يجئ  " راندل ميكفركى " الذي يلعب دوره جاك نيكلسون وهو سجين  يتظاهر بأنه مجنون ليفلت من السجن. لإتهامه بأنه أقام علاقة مع فتاة دون السن القانونية. يقيم علاقة صداقة مع المجانين ، وخاصة عملاق هندي اخرس  هو برومدن الذي يناديه مكمورفي بالزعيم، ويصمم على تعليمه كرة السلة. وهناك بيلي الشاب المذعور   الواقع تحت سلطة أمه.  يحاول المتمرد مكمورفي الذي يلعب دوره نيكلسون ان يكسر سلطة الممرضة ويمنح المرضى المرح، فيقود تمرد حتى تسمح لهم الممرضة بمشاهدة مباريات الكرة في التلفاز لكنها ترفض ، ولا يتوقف عن محاولة الهرب وبث الروح في هذا المكان وتعليم هؤلاء المجانين  تحدى السلطة والحصول على الحق في العيش ، يتعرض لمواقف صعبة مثل الصعق بالكهرباء . لكنه يعود ليقاوم ، ويخطط لحفل صاخب ويرشى الحارس حتى يسمح بدخول فتاتين وزجاجة خمر ، ذلك الحفل الذي تكون نهايته كارثية حيث ينام الجميع حتى الصباح، وتكتشف الممرضة ما حدث ويفشل مكمورفي في الهرب ، وينتحر بيلي لأن الممرضه هددته بأن تخبر أمه بأفعاله المشينة . تعود المستشفى لبؤسها و نظامها الصارم ، ويبحث المريض الهندي عن صديقه الذي اختفى بعد ليلة الحفل ، فيجد مكمورفي راقدا في الفراش بلا حركة بعدما استأصله له جزء من المخ حوله لجسد بلا روح ، وهنا يقرر صديقه الهندي أن يضع الوسادة فوق رأسه ويكتم نفسه ليموت البطل الذي حاول أن يهرب ويحرر معه المجانين . ثم ينجح صديقه الهندي في الهرب ، وتلحق به روح مكمورفي التي خرجت من ذلك المكان البغيض بالموت . أداء جاك نيكلسون في هذا الفيلم كان حجرة الإرتكاز ، كان الحضور العظيم والتدفق في الأداء هو ما منح هذه القصة وهذا الفيلم نجاحه المبهر الكبير .     جاك نيكلسون الذي أحب أدوار الجنون  اعتاد تمثيل الأدوار الخارجة عن المألوف فقد جسد شخصية" الجوكر " ببراعة في الجزء الأول من سلسلة الرجل الوطواط عام 1989 ، وجسد دور " الرجل الذئب" في فيلم "The wolf" عام 1994 الصحفي الذي يتحول إثر عضه ذئب له . ودور الكولونيل الشرير في الفيلم الرائع  Few Good Men      الدور المحبط المعقد الذي اداه في فيلم "  About Schmidt"  الرجل الذي يتخلى عنه عمله ، حيث يحل محل شاب يتمرد على كل طرق جاك في العمل ، زوجته هي الأخرى تتخلى عنه بالموت ليكتشف بعد وفاتها إنه غير قادر على إعداد سندوتش لنفسه ، إبنته التي خذلته بإختيار نوعية حياة فاشلة حيث تتزوج من مغفل له عائلة غريبة الأطوار ، وتدعو والدها للزفاف الذي يكتشف انه ليس له أي دور فيه سوى إنه حافظة نقود. شميتث المرتبك الذي يبحث طوال الفيلم بصمت عن إجابة لسؤاله فيما ضاعت حياتي ، وفيم سأقضي ما تبقى منها ... ارتباكه يدفعه للتخلص من ملابس زوجته وأشياءها برميها في صندوق القمامة عندما وجد خطابات قديمة متبادلة بينها وبين صديق له ، علاقة قديمة حطمت زواجه بعد وفاة زوجته ، لكنه لم يجد بدا فيما بعد من مسامحتها على هذه العلاقة القديمة العابرة .يزداد بؤس البطل شميتث الذي يلعب دوره جاك نيكلسون عندما يحضر زفاف ابنته ، وتحاول حماة ابنته أن تغويه .. في مشاهد ربما تبدو وسط غرابة منطقها بينه وبين الممثلة الكبيرة كاتي باث ، هي المشاهد الأكثر خفة وخروجا عن قتامة حالته النفسية وإحباطه . ينتهي الفيلم برسالة يبعثها له طفل يكفله في بلد إفريقية بها مجاعة ، يرسل الطفل له رسمه بها رجل كبير رمز لشميتث يمسك بيد طفل صغير ويحمل وردة . بهذه الصورة وهذه الرسالة والكثير من الدموع ينتهي الفيلم ، تاركا لنا بابا مفتوحا على مصراعيه من التساؤلات والجدل مع ذواتنا حول حياة شميتث ، وحياة كل فرد منا .. الفيلم يثير المخاوف ويطرح الوحدة والوحشة كخيار قابل للحدوث في النهاية .. لكنه يقدم شعاعا من الأمل وفكرة مبهمة وسعيدة عن الغد .   في فيلمه الأخير "  the Bucket list " الذي شاركه بطولته الممثل الكبير مورجان فريمان يقوم جاك نيكلسون، بدور «إدوارد» وهو هو ملياردير قاسي الطباع ويملك العديد من المستشفيات، -  وفاشل في حياته الأسرية والخاصة ، يصاب هذا الرجل بالسرطان ويتم علاجه بغرفة مشتركة مع مريض آخر في مستشفاه الخاص هذا المريض هو مورجان فريمان  يقوم بدور «كارتر»  وهو ميكانيكي هادئ متزوج منذ أكثر من خمسة وأربعين عاما من زوجته المحبة فيرجينيا ولديه منها ثلاثة أبناء. –   ,ورغم قسوة فكرة المرض ، إلا أن الفيلم  قد يميل للخفة والكوميديا ، فتنشأ علاقة صداقة بين الرجلين رغم إختلاف طباعهما ، ويمران معا بمراحل علاج يعرفان بعدها أن امامهم وقت قليل قبل الوفاة . فيقررا أن يحققا قائمة أمنيات كان قد كتبها فريمان ، ويضيفا عليه بعض رغبات لنيكسون وينطلقان في اللهو والسفر . ينتهي الفيلم بمشهد جميل ، فقد كانت إحدى أمنيات فريمان أن يتسلق قمة جبل إيفرست وتدفن رفاته هناك بعد حرقها ، يجئ المشهد النهائي بان يضع مساعد الملياردير الغني علبة رفاته جوار علبة رفات صديقه الذي سبقه لصعود قمة الإيفرست . الفيلم رغم قسوته فكرة ، إلا إنه تم تقديمه بخفة تستحقها الحياة ، وبسخرية لا نملك غيرها في كثير من الأحيان .. ربما حارب الفيلم الموت والسرطان بالصداقة وحب الحياة لآخر دقيقة .. ربما سيبقى من البشر ما تركوه من محبة وصداقة وجنون وجمال .. ربما هذا ما يتبقى من جاك نيكلسون ومنا جميعا .    الممثل الأسطورة  عام 1937 بمدينة نيويورك، وترشح لجائزة الأوسكار 12 مرة، وفاز بثلاث منها وهي: جائزة أفضل ممثل رئيسي مرتين في عام 1975 عن دوره في فيلم (أحدهم طار فوق عش الوقواق)، وعام 1997 عن دوره في فيلم (أفضل ما يمكن حصوله)، وجائزة أفضل ممثل ثانوي عام 1983 عن دوره في فيلم (شروط التودّد). وقد حصل على جائزة الغولدن غلوب 7 مرات .  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نشرت في مجلة فنون الكويتية  

مقالات من نفس القسم