ترميم الشبق في (باب الليل ) للروائي وحيد الطويلة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 82
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

مقداد مسعود

حين نقشّر في القراءة الثانية : ثريا النص (باب الليل ) سنراه الباب الرئيس المؤدي إلى أبواب عدة . ولعبة الأبواب تجعل الفضاء الروائي أشبة ببيت ٍ طالع من الليالي الألف : باب (البنات – الفتح – الهوى – الأقواس – العسل – الملكة – النحل – الوجع – الجسد – الريح – النار – البحر - ) ثم تنتقل العنونة من المفردة إلى الجمع ( باب الرجال – باب النساء ) وتكون الخاتمة للملكة باسمها المتداول (باب للاّدرة )...وهناك باب لم يثبّت عنوانا فرعيا لكنه يندس في وحدة سردية شفيفة: ربما لسعته الهندسية (حاول أن تعرّفها على روحها لتدخل إليها من بوابة لا تعرفها ../ 97)

 

(*)

المفتاح الرئيس للرواية هذه الوحدة السردية الصغرى (كل ّشيء يحدث في الحمام /9) ثم يلحقها السارد العليم مستدركا ومفسرا ومخصصا للفضاء المغلق المعني :

(حمام المقهى بالطبع ).. في الحمام : بلاغة التواطىء : بين أبواب مرافق النساء ومرافق الرجال ، تواطىء المرايا ، والموبايلات وأرقامها ..في هذه الفضاء المغلق تتم الاتفاقيات الجنسية بين العاهر والزبون ..والوحدة السردية الصغرى تشتغل بنظام الإحالة (كل شيء يحدث في الحمام ) وسيضيف السارد هذه المرة (..الجميع في اتجاهه يزورنه ويتبركون به ../ 23) ثم ستنتقل الكلية إلى تخصيص التخصيص (كل شيء يحتاج لبائعات الهوى / 39) .. وفي ص54 ستكون كلية الأشياء (كل شيء منها يتكلم تحت الفستان ).. ثم ننتقل إلى الكلية الذكورية المتسابقة ..(كل واحد منّى نفسه أن تأتي باكراً قبل حضور الآخرين لينسج خيوط اللعبة على مهله أو ليعقد صفقته منفردا ../ 72).. وفي ص79 يغلق السارد دائرة الإحالة اللفظية + إزاحة جغرافية صغيرة، بعد أن سعى إلى تدويرها في تلقي القارىء :(كل شيء يحدث قرب الحمام ../ 79).. ثم سنكون مع الحمام بوظيفته المعروفة تلفظها صاحبة المقهى / المبغى (أخذت حماما ..) نلاحظ أن الجملة الفعلية كاملة ، لكن المعلّمة ستضيف لها علامتية جسدانية (أخذت حماما وغسلت لحمي ../ 93) ..

(*)

الحمام هو سرة الفضاء الروائي وهو قوته الدافعة (كل شيء يحدث في الحمّام ، والحمّام فارغ اليوم ، أحد كئيب كعادته، يوم من يوميّ الإجازة الأسبوعية ../ 34).. و( المقهى فارغ أيضا ..) فالزبائن المتواجدون الآن فيه يمثلون الكهولة بتنويعاتها .. واللواتي يتحسرن على الفرص الضائعة ..

(*)

في هذه الرواية الشيقة ، السمة الأساس : هي السخرية التي تمنح الرواية فضاء ً إضافيا بديعا وسنقوم بنقل عينات من جماليات هذا السرد اللذيذ :

*كل شيء يحتاج للمومسات حتى الثورة / 41

*كل سن من أسنانه جنبها واحدة غائبة، كأنها سلم موسيقي مكسور/59

*يدخل المقهى في الوصلة الأولى بقميص مفتوح عند الصدر، بملفحة حمراء، بشعر مصبوغ كرئيس أمضى في السلطة مدتين ويطمح للثالثة ، أو كأنه لم يستطع أن يصبغ سنوات النضال بطابعه فصبغ شعره على سبيل التعويض / 63

* لم نعد في زمن المناضلين ، نحن في زمن آيات الله / 66

*مشكلتها الوحيدة إن كان لديها مشكلة ، أن كل من دق بابها تصنع منه صاحباً ، تتورط بدون عقل أو تفكير / 74

*أحداهن تخبر صديقتها (خلفت الأولاد وحدي / 81)

*صبي المعلم لايتزوج ابنة المعلم إلا في الأفلام المصرية والهندية / 83

*لا يمكن أن تكون قديسة، لاتريد ، كأنها تعرف أن الرجال لا يحبون القديسات / 87

*تشتغل على جسدها ولا تلعب لصالحه ،هو الذي يلعب لصالحها، لذا فهي لا تعرفه

أبداً / 97

* فتى شهم يلبس سلسلة بصدر مفتوح ويدخل إلى حمام النساء بدل حمام الرجال / 100

*تلفونها كأنه سنترال عمومي / 100

*ربنا هو الفلوس ورجال الأمن / 101

*هي تعرف الحق والصواب جيدا لكنها لا تقربه ، تحب الطقس المتقلب الذي يشبهها / 102

*شرطها الوحيد أن تلعب دور حارس المرمى / 106

*هي عضوة مؤسسة في المنتخب الوطني للحمام ، لكنها… تدخل الحمام الآخر حمام الرجال ../ 107

*الضيف له ثلاثة أيام والمعشوق له ما استطاع إلى جسدي سبيلا / 108

*عراك مفتعل والحرب في مكان آخر / 112

*ويمكن لها بصدق أن تشيد النصب التذكاري للجندي المعروف / 113

*شهريار في إهاب أنثى / 114

*تزوج ، تزوج ياكازانوفا، هل ستصنع منهن مسبحة ياولدي !/ 119

*خُدعنا في الثورة، لايجب أن نُخدع في النساء / 148

*يناديها للسرير، ينتهي بسرعة كأن أحدا من أمن الدولة يجري خلفه / 165

*رقبته العريضة المدكوكة توحي بأنه رئيس مجلس إدارة أو عضو في المجلس على الأقل ../ 169

*عندك مؤخرة من الممكن أن يقف عليها وزير الدفاع / 171

*راح يشم بقوة وأنفه الطويل ساعده / 194

*عينوه إماما لمسجد النصر القريب – كرّم الرئيس وجهه- /201

*لم يكن يدفع مليما واحدا وهذا دليل آخر على اهميته وسطوته ومقامه العالي / 202

*سوق الملابس المستعملة …من فرنسا تحديدا التي مازالت حنونا على أهل مستعمراتها القديمة / 218

*الرجال كلهم يناضلون في كرة القدم / 219

* لاأحد يراها تدخل الحمام ، كأنها تعمل حمامها داخل الكومبيوتر نفسه / 224

*أدفع نيابة عن الدولة ، أروّح عنها وعن شعبها وأدفع نيابة عن الهموم / 229

*الذي يجري خلف الباب يظهر علنا خلف الشاشة / 241

(*)

هذه… من العينات التي تغذي سيرورة السرد وتنعش الهواء فيه نكاية بفساد سمعة المكان الذي هو ماخور مسلفن بقوة رجال الحكومة الفاسدين والمفسدين

وبشهادة سارد في رواية حذاء فيللني (لأصحاب السلطة رائحة لاتخطئها القلوب الواجفة ../9)..وهناك من يسمونه هذا المكان ( مقهى الأجانب ، يعج ببقايا فلسطينيين بقوا هنا مرغمين بعد أن غادر الجميع تقريبا إلى رام الله مع ياسر عرفات بعد اتفاقية أوسلو../ 12)

وحسب قول المرتشي الضابط المتقاعد وخطيب الجامع القريب من المقهى (قهوتك سمعتها أصبحت معروفة ..بصراحة لم تعد لمة الأحباب بل لمة القحاب / 239) ..

(*)

يحتوي المقهى شخصيات لا تمحى من الذاكرة ، أمثال المقاتل الفلسطيني (أبو شندي) (وحيد غالبا إلا من بقايا فلسطينيين يأنسون به أو يؤانسونه يفرغون ماتبقى من شحنات غضبهم أو غيظهم معاً ، يلتمون على بعضهم كأنهم اجتمعوا لعزاء../ 39).. وبطولات هذا الفلسطيني لم تشفع له فلسطينيا بل جعلت ُ بطولاته من غير المرغوب فيهم حسب اتفاقية أوسلو وهكذا صار المقاتل الفلسطيني من المغضوب عليهم ..لايحق له العودة لوطنه فهو يكره إسرائيل ..!!

وهناك مهدي المسيحي الوحيد تقريبا في المدينة والمتوحد في جوعه وتشرده

(قد يجد نصف ساندويتش وكوب شاي / 38) وهو لم يكن مسيحيا بالأصل ولايحلم بغير أمريكا ويحب العراق من أجل العمل في المارينز !! ولاينال من المدينة التي يعيش فيها الآن ..إلاّ (الضربات من رواد الملاهي السكارى والبوليس يقطع المعازيم ثيابه وينهش البوليس جيبه / 35)..

والملكة أو للا درة (على رأس الطاولة تجلس كطاووس بأبهى الألوان ) كأنها جارية شبقية كجنية طالعة من الليالي الألف تربط الذكور كلهم بخيط أنوثتها وحدها رائقة المزاج على مدار الساعة ملكت العالم واستملكت الذكور وهي بشهادة السارد العليم بذات صدور شخوص الرواية ..(تبحث عن رجل تتباهى وتباهى به

أو رجال، والحلقة تزدحم ، تريد أن تصنع عالمها بسرعة ، لكنها تحيكه بإيقاع مربك دون أدنى تدبير ../74) .. شخصيات كثيرة تتساكن في المقهى : عاهرات مخانيث .. سحاقيات .. ثوريون منكسرون…ضابط أمن ..عراقيون أرتهنت حياتهم مع طاغية العراق …إلخ ..

(*)

لا نرى الشخوص إلاّ مبأرين من خلال المقهى / المبغى ، يستعيدون أزمنتهم النفسية وهم في جلستهم داخل هذا الفضاء المشبّع بالرقيق الأبيض المتوسط .

*وحيد الطويلة / باب الليل / منشورات ضفاف /ط1/ 2013

*محمود عبد الوهاب / ثريا النص / مدخل لدراسة العنوان القصصي /الموسوعة الصغيرة /ع 396/ دار الشؤون الثقافية / بغداد/ ط1/ 1995

*وحيد الطويلة / حذاء فيللني/ دار المتوسط/ ميلانو/ ط1/ 2016

 

 عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم