بوك ستور

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

قصة : ممدوح رزق 

ما الذي تعرفه عن الحياة حتى تتألم هكذا ؟ .. للعلم .. أنا لست مجبرا على تحمّل كل هذه الحماقات والانفعالات السخيفة التي تهاجمني بها ولكنني سأصبر عليك .. تقول أنها كانت حبيبتك وأنكما كنتما متفقان على الزواج ؟ .. تقول أنني كنت صديقك الذي تثق به ؟ .. حسنا .. ما الذي تغيّر ؟ .. ما هي الكارثة الفظيعة التي هدمت الكون من حولك وجعلتك هكذا ؟ .. أنت كنت في أجازة وأنا وهي كنا وحدنا في المكتبة .. كنت جالسا بجوار النافذة الزجاجية أقرأ الجريدة وكانت هي تقوم بترتيب بعض الكتب على الرفوف .. انتبهت عينيّ فجأة على قسم كتب التنمية البشرية وقوة التحكم في الذات .. أنت بالطبع تعرف هذا القسم جيدا لأنني طلبت منك ترتيبه في آخر يوم لك بالعمل قبل الأجازة ولكنك لم تفعل .. أليس هذا خطأك ؟ .. ناديتها وطلبت منها ترتيبه وبالفعل توجهت إليه وراحت تؤدي عملها بمنتهى الجدية والنشاط حتى وصلت إلى أحد الرفوف السفلية وهنا اضطرت للانحناء قليلا كي تتمكن من إتمام مهمتها ..

كانت ترتدي جيبتها الجينز الزرقاء يا صديقي .. هل تحتاج أن أكمل لك ؟ .. أنت تعرف إلى أي مدى من الروعة يصل جمال مؤخرتها في هذه الجيبة بالذات .. تخيل أيضا أن تنحني بتلقائية مخلصة وهي ترتديها بينما أنا جالس وراءها .. لا أتذكر كيف تركت الجريدة على المنضدة ونهضت كالمسحور لأتجه إليها وأقف خلفها في صمت .. حين انتهت من ترتيب الكتب اعتدلت بجسدها والتفتت بعفوية لتجد نفسها في صدري .. سأكون كاذبا لو قلت لك أنها لم تفزع .. نعم فزعت بل وشهقت أيضا شهقة خفيفة ولكنها في نفس الوقت ابتسمت .. ولماذا لا تبتسم ؟ .. لقد كنت أنا الذي أقف وراءها وليس أي أحد آخر ثم أنني كنت مبتسما أيضا ويديّ تصعدان باتجاه كتفيها كي تمسكا بهما ثم تهبطا على ذراعيها وتتحسسهما بشوق .. تعرف ما الذي كان أجمل من ابتسامتها في هذه اللحظة ؟ .. شهوة عينيها التي اندلعت فجأة وراحت تتنقل بارتباك محموم بين عينيّ وشفتيّ .. لو كنت خبيرا بالنساء يا صديقي لفهمت بسهولة ماذا يعني هذا ولقمت على الفور برد الفعل المناسب الذي لم أتردد أنا لحظة واحدة في القيام به .. ألصقت فمي بفمها بقوة وأنا أحتضنها وأعتصر جسدها بين ذراعيّ .. سأكون كاذبا لو قلت لك أنها احتضنتني هي أيضا على الفور .. لا .. الحق يقال .. ظل ذراعاها مرفوعان ومعلقان في الفراغ لثانية أو أقل قبل أن أشعر بهما يحيطان برقبتي ويضمان رأسي إليها بشدة .. راحت تأكل شفتيّ أكلا وتشعل بلسانها كل سنتيمتر تتمكن من الوصول إليه في فمي .. كانت لحظات مذهلة ياصديقي لم يوقفها سوى انتباهي الصعب على المكان الذي نقف فيه .. كان من الممكن أن يدخل أي زائر فجأة ويرانا لذا توقفت رغما عني .. كانت أنفاسها متلاحقة وأنا كذلك وربما كانت تشعر أيضا بالدوار الخفيف وبالرعشة اللذيذة التي تحتفل بجسدي .. بخطوات سريعة توجهت إلى باب المكتبة وأغلقته بالمفتاح من الداخل ثم عدت إليها .. أمسكت بيدها وأنا أحدق في وجهها الذي بدا وكأن ملامحه قد استيقظت رغما عنها من حلم قصير ممتع تركها ناعسة ومتوردة بالنشوة والاهتياج .. أخذتها إلى ورشة النحت .. سارت معي مبتسمة ولم تنطق بكلمة واحدة .. كأننا كنا نعلن استسلامنا لقدر لا يمكن مقاومته ونتصرف وفقا لخضوعنا التام لسلطته ولمشيئته المطلقة بعد ان استحوذ على روحينا كليا وامتلك وحده القدرة على تحديد المصير الذي ستنتهي إليه لحظاتنا معا .. أغلقت باب الورشة علينا وعلى الفور ودون تضييع ثانية واحدة عاد كلا منا لاحتضان الآخر في نفس اللحظة بتوافق رائع .. لا أتذكر كم الوقت الذي استغرقناه في التقبيل والتلاحم واللهاث ولكن تستطيع أن تقول يا صديقي أننا كنا منفصلين عن العالم .. منعزلين داخل زمن خاص واستثنائي يتناسب مع المعجزة التي تحتوي جسدينا وتجعلنا نغيب في أعماق فردوس حسي لا يمكن استيعابه كي تعيد خلقنا بقوانين غير محسوبة وخارقة للمتعة ..  كانت جيبتها قد نزلت إلى قدميها وكذلك كيلوتها وقبل أن تتحرك يدي ناحية حزام البنطلون وجدتها تركع على الأرض وتفك بنطلوني بأصابع متلهفة وتنزله هو وما تحته ثم تأخذ ( إله الثقوب ) في فمها كي تمنحه الصلوت التي تليق به .. نهضت ثم أعطتني ظهرها وانحنت للأمام بذمة لتستند بذراعيها على المنضدة الكبيرة الواطئة التي تتراص فوقها منحوتاتك الخشبية .. منحوتاتك الجميلة التي طالما امتدحناك كثيرا أنا وهي على براعتك في إبداعها : الفلاحون والدراويش وأبطال السير الشعبية .. منحوتاتك التي بدت مخمورة بالفرح وهي تتمايل في إيقاع منسجم بفعل الاهتزازات المتتالية لجسدها المصحوبة بتأوهاتها الخافتة السعيدة وبرعشات مؤخرتها الممتلئة التي راحت تتلاحق بامتنان استجابة لاندفاعاتي المتتابعة داخل حضنها العميق والدافيء والذي لم تتوقف أمطاره الحنونة عن التدفق بين فخذيها .. لو كنت موجودا بنفسك كي ترى بعينيك ما ترددت لحظة واحدة في الجزم بأن ما يحدث هو تجسيد وحشي فذ لحكاية كونية مرتجلة بمهارة فائقة عن الإنسان والزمن والحقيقة .. طقس أسطوري تواطء على إبداعه كل موجود انتمى بالصدفة لتلك اللحظة الغير عادية .. كانت كل الأشياء تعيش حالة من التناغم اللامتفق على إنتاجه ولكنه مع ذلك تم بإتقان مدهش يجمع بين شروط وأحكام الغريزة وما تحمله من خبرات ملتبسة وبين الإلهام الأشبه بتدافع ومضات أو التماعات ذهنية وشعورية مفاجئة لا يمكن تحديد أسبابها بدقة أو أين تكمن في العالم بالضبط البيئة الطبيعية التي ترعى أسرار تكوينها .

أخرجت كيس المناديل الورقية الصغير من جيب قميصي وأخذت منه منديلا لأمسح به مؤخرتها التي بدت كقبة كبيرة ناعمة مشقوقة ومتماسكة ببهاء اغتسل بياضها ببريق العرق والمني والضوء .. هذا المنديل أصرّت هي على الاحتفاظ به .. قالت أنه لا يمكنها أن تضمن المفاجآت المزاجية الغريبة لجروحها النفسية أو تضمن المستقبل الذي قد لا يسمح لها بتكرار الأمر ثانية لذا أرادت تذكارا يعيد إليها هذه البهجة الفريدة التي عاشتها معي بأي شكل .. لم أشأ أن أناقشها في هذا المستقبل أو أن أخبرها بأنني لن أستطيع الاستغناء عن جسمها بعد الآن .. قررت بيني وبين نفسي أن أترك المستقبل للمستقبل حتى لا أفسد بحوار لا يمكن التنبوء بالأبعاد التي يمكن أن يصل إليها الماضي القصير الرائع الذي أصبح مشتركا بيننا لكنني بالطبع لم أنجح في الإفلات من الشعور الهائل بالاستغراب وعدم التصديق تجاه ما اعتبرته تناقضا حادا ومضحكا بين البساطة والتلقائية الخالصة التي اختطفت بها جسدها وبين حذري الشديد وحرصي البالغ الآن على عدم إغضابها بالحديث عن ما هو قادم في علاقتنا والتي كان من الواضح أنها لازالت ـ رغم استمتاعها العظيم ـ تحت تأثير حدوثها المباغت وبالتالي كان من المنطقي ألا تمتلك على الفور حسابات مستقرة ومحسومة لهذه العلاقة يمكنها أن تحدد المسار المناسب الذي يجب أن تتخذه .. طلبت منها بدوري الاحتفاظ بكيلوتها ولكنها رفضت باعتبار أنها مستحيل أن تخرج إلى الشارع بدونه خاصة مع تلك الجيبة التي ترتديها لكنها وعدتني بأنها حين تعود إلى منزلها فإن أول شيء ستفعله هو خلعه ووضعه داخل كيس حتى لا يمسّه أي سوء يخدش رونق ما يسكن أنسجته من آثار ذلك اليوم مع وعد بأن تحضره إليّ غدا .. هذا ما فعلته فعلا يا صديقي .. أعطتني وثيقة قماشية مخلّد فيها رائحة شبقها وماءه الذي جف وترك بقعا داكنة تشبه نجومً منطفأة تخبيء ذكريات توهجها .

هذا ما حدث فحسب يا صديقي وما عدا ذلك لا يستحق الذكر .. هل يهمك كثيرا الابتسامات واللمسات المختلسة التي كنا نتبادلها وسط روّاد المكتبة خاصة أثناء حفلات توقيع الكتب التي نشطت في فترة أجازتك والتي كانت أبرزها حفلات كتب : ( يا عيني يا مصر ) ، ( مصر من البلكونة ) ، ( كابتن مصر ) ، ( مصر مش أمي ) ، ( مصر المفروسة ) ؟! .. بالتأكيد هذه أشياء ليست مهمة .. دعني أخبرك بماذا يجب أن تهتم الآن يا صديقي .. عليك ألا تسجن نفسك داخل جحيم منعزل وتخلق بداخله وحوشً خرافية لأنها لن تفترس أحدا غيرك .. يجب أن تؤمن فقط أن أمورا كهذه تحدث بطريقة عادية جدا .. الحياة تسمح بهذه الأشياء ولا تريد منا بالضرورة أن نتعامل مع ما وافقت هي على حدوثه على أنه كارثة أو أزمة .. الحياة تريدك أن تستمر مهما حدث يا صديقي .. تريدك أن تتفهم آلام هذه المرأة التي عاشت من قبل تجربة زواج قاسية وأحبت العمل في المكتبة الذي ساعدها كثيرا على ترويض أحزان الماضي كما أنها أحبتك أنت .. أنت لم تكن مجرد زميل عمل لها بل اعتبرتك حبيبا تنوي الزواج به لتحاول معه إنهاء مشاكلها السابقة مع الدنيا .. هي لم تحبني أنا .. رغم أنني صاحب العمل وأكثر وسامة ونضجا منك إلا أنها لم تحبني .. هي أرادتني فقط في لحظة ما قد تكون هي الوحيدة وربما تتكرر ـ الله أعلم ـ ولكن ما يعنينا هنا هو الفرق بين الرجل الذي تريد أن تنام معه المرأة أحيانا وبين الرجل الذي تريد أن تعيش معه مدى الحياة .. هي تريد أن تعيش معك أنت يا صديقي .. هي تحتاجك أنت وليس أنا .. ألم تسأل نفسك لماذا أخبرتك بنفسي ؟ .. ليس لثقتي في قدرتك على الشك والتوصل للحقيقة بنفسك خاصة ونحن الثلاثة نمضي أغلب اليوم داخل مكان واحد والاحتمالات قوية بالطبع في أن يحدث أي شيء مهما كان تافها لا ننتبه إليه ربما يجعلك تحس وتفهم .. ليس لهذا فحسب .. أنا أريد أيضا الحفاظ عليك .. أريدك أن تظل صديقي وألا تستنتج مما حكيته لك سوى معنى واحد فقط .. أنني لم أخبيء عنك شيئا .. لم أكذب عليك وأخبرتك بكل ما حدث وبالتفصيل وبمحض إرادتي ودون أن يكون عندك أي خلفية عن أي شيء .. الأصدقاء يفعلون هذا .. يتصارحون فورا لأنهم يريدون ببساطة أن يظلوا أصدقاء .. دع صداقتنا تستمر ودع مشروع الزواج بحبيبتك يستمر ودع العمل بيننا يتواصل ويزدهر .. دع الحياة تكمل مسيرتها ولا تنسى بعد ذلك أن ترتب الكتب التي أطلب منك ترتيبها .

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون