باب الليل.. الهزائم القسرية

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 82
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 جابر طاحون

 في حديث “إدوارد مورغان فورستر” عن الفن الروائي يقول: “ميزة الرواية أن الكاتب يستطيع أن يتكلم عن شخصياته ومن خلالها، أو يُؤمِّن لنا الإصغاء إليها عندما تناجي نفسها وهو مُطَّلع على أحاديث شخوصه النفسية. ومن هذا المستوى يستطيع أن يهبط أعمق وأعمق”.

تنفذ رواية ” باب الليل ” لدواخل الشخصيات ومسارها ومصيرها، كنماذج، وما تمثله من مصائر الأنظمة والقهر والثورات. الأنظمة التي قهرت الجميع رجالا ونساء وما يمكن فعله هو البحث عن ما تبقى من فتات.

كل شيء يحدث في الحمام.. هكذا تبدأ رواية الأبواب (باب البنات، باب الفتح، باب الهوى.. باب الرجال.. باب النساء.. باب للّا درة)

كل شيء يحدث في الحمام، الجميع في اتجاهه يزرونه ويتبركون به، في المدينة التي لا يدفع فيها أحد لأحد لوجه الله والمحبة، ولو في الأعياد الوطنية.

المقهى -أحد اللاعبين الرئيسيين- يبدو أرضا خصبة لكشف العوار.  المقهى كمرتع لكل أصناف البشر لتبادل الشائعات والتهكم على كل شئ دون قيد أو شرط. ربما يكون مكانا لتفريغ الشهوة والألم.

كل شيء يحدث في الحمام.. الذين يفكرون في الصيد سيحالفهم الطقس، والذين يفكرون لن تعود سيقانهم وحيدة أو جيوبهم خاوية.. الشباك مفرودة، السمك يعرف طريقه وسنارة صياده.

الناس تناضل في كرة القدم، وفي عجيزات النساء، في لقمة العيش وتفكر بشره شديد في النقود.

اللعب كله من أجل النقود -كما تقول نعيمة- واحد يدفع ويركب، وواحدة ترقد وتقيض.. كله من أجل النقود، الورق الأبيض والأخضر والملون، ولا بأس بالدينارات طالما كانت كثيرة.

الشخصيات ذات البنية المستقلة والمتشابكة في آن.

كسوف” العراب الخفي في الرواية، شخصية الظل المحتال بالمقهى لنقل أرقام الهواتف، لصفقات التواعد.

نعيمة” التي لا تعرف حقيقة نفسها، تلقف الحكايات لتخفي حكايتها.. نزحت للمدينة وخضعت لقواعدها.

درة” باترونة الجنس “صاحبة المقهى التي “العالم عندها أرقام، لا اسم واحد مكتوبا في هاتفها، كل واحد برقمه، تحفظ كل رقم وتعرفه بنظرة واحدة”.

أبو شندي” الذي أُوصدت في وجهه أبواب العودة للوطن، وكسرت السَلَطة الفلسطينة كريستاله وأحالته للتقاعد.

أبو جعفر” الذي لا أحد يمتلك أذنا ثالثة ليستمع له.. يلعب الورق، كي يفعل شيئا مفيدا في الحياة، ويوغل كي يحتفظ بعقله.

شادي” الشاعر المناضل، الذي حلم بالعبور، ووضع كوابيسه تحت وسادته، ربما ينام أو يموت سعيدا.

في الحياة لا تحسب شيئا.. الحكاية كلها بقايا.. بقايا نضال وبقايا حياة، لا عيش ولا موت.. لا أحد يملك فرصة أو نصفها.. القمح يدور يدور ويعود لقلب الرحى.. كل واحد يحمل بين ضلوعه حكاية يبحث عن واحدة يحكيها لها.

صراع الرجاء والوقوف بباب الانتظار متداخل في الشخصيات، الحصار النفسي المطبق بالشخوص الذي يلفهم الشعور بالوحدة، لكن “الزمن يفعل ما يعرف.. يمضي” كما تقول كريستينا فولف.

الكتابة نشاط ممتلئ بالطاقة.. الجمل القصيرة.. لغة المناوشة، التي تشبه “النبضات” المتواترة تفضي للشعرية.. للكلمات صوت داخلي.. اللغة.. الموسيقي.. اللغة أداة للوصول للحياة.

يمكن القول إن الكاتب “وحيد الطويلة” (يفهم) كنه اللغة وسحرها.. سرد تجريدي يعانق الشعر في مجازية اللغة والإيقاع.. كتابة الجسد لا عن الجسد، في المساحة النبيلة بين الايروتيكا والبورنو.. حضور الجسد أكثر ذكاء منه جمالا.

كتابة عن الجسد الذي بقي للشخصيات مع حضور المعنى الصافي للإيروتيكية كتجسيد للمحبة.. الجسد وإن  كان صاحبه مهزوما.

أجزاء الحكاية تتكامل في بناء واحد.. الرواية متسقة تماما، التواتر حاضر في الأحداث بين (الأبواب) المقهى الملاذ الذي يعج بالبقايا واللاجئين والمهزومين وبائعات الهوى تمنحهم ما يعوزهم للبقاء بعيدا عن الانهيار المُنكر.. مشهدية الحكي وبراعته دون ثغرات. ولا شيء بقى/ يبقى “إلا الأهداف الباقية في الجسد، فجعلنا منه معركتنا الوحيدة لننتصر في شيء ما”.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم