الموت والعمى وحكي الذات في رواية” المغاربة” لـ عبد الكريم جويطي

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 4
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

الحسين أيت بها

 إن أية قراءة لرواية المغاربة لعبد الكريم جويطي، لا يمكن أن تلم بجميع التفاصيل والأحداث الكثيرة والمتشابكة لهذه الرواية، والتي تتضمن في طياتها، السير والتاريخ والأدب والفكر والحكايات، التي يمكن اعتبارها سجلا ناطقا باسم المغاربة وتاريخهم، تاريخ دموي كما وصفه الكاتب، حسبنا من قراءتنا المتواضعة هذه، أن نقف على تيمتي الموت والعمى، لدى السارد البطل في المحكي.

تقف قراءتنا هذه على النقد الانطباعي التأثري، وهو نقد يقوم على إصدار الأحكام على الرواية أثناء القراءة الأولية، لتحديد موضوعاتها، انطلاقا من المعنى، والنقد الانطباعي هو ” الذي يقف على السطور والفقرات ويعطي الحرية للقارئ.”،[1]

حينما نطلع على القسم الأول من رواية المغاربة، تطلع علينا ذات السارد، التي تعيش الأحداث، داخل هذه الذات، تدور معارك طاحنة، فتارة يعتبرها حربا وتارة تعيش في عذاب أبدي لا يطاق، فتتحول الذات إلى كيان متحلل، يستمد قوته من الصمود، ” حين أتذكر بأنني كنت على حافة الانتحار والجنون، أستعظم القوة التي جعلتني أفلت من هذا الأمر “[2].

هكذا حال ذات السارد وهي تصف الأحداث وتتفاعل معها، فإمكانية البوح المتاحة له، مكنته من السرد اللانهائي، بحيث يتمحور البوح حول الأنا المذنبة والقلقة والمترددة، الباحثة عن الخلاص الأبدي.

يظهر لنا من خلال القراءة والمعاينة، مدى الحزن والألم العميق الذي تحمله الذات في الرواية، يقول: “من يملك القدرة على تغيير الأحداث، الله نفسه،”[3] هكذا إذن فالأحداث التي عاشها ويرويها أصابته بعمى شديد وحزن وألم دائم، ولدت لديه العجز التام، أو عدم القدرة على تغيير واقع الأحداث، فهي أحداث ماضية مرتبطة بالأقارب مثل حكاية الجد.

ففي بداية المتن السردي إذن، انتهى الكاتب وكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، يقول:” ينتهي كل شيء، وصار بإمكاني أن أتعامل مع ما يجري بكل حياد تام “[4].

  فالبداية التي أراد لها أن تكون، انتهت، مشيرا إلى وقوع أحداث تغافل السارد عن ذكرها، فجأة وجدت ذات السارد نفسها ممددة بجانب جثة في سيارة الإسعاف، لتخبرنا أن حالتها ميؤوس منها:” برأس مهشم وبقوى خائرة، وجسد ميت “. ص: 7، المغاربة. هذه الذات هي شخصية البطل، وخصمه، والحكاية تتمة لمشهد الدم الذي كان السارد يتفنن في تصوير مشاهده. والذي نقله في الصفحة 59،60   بالضبط، حينما قال: ” رجلان في عراك دام، يوشك أحدهما بأن يجهز على الآخر بضربة هراوة”، إنه عجز الذات المتكرر في كل حكاية من الرواية، هكذا تكون تتمة الحكايات في متن الرواية السردي، وكأن السارد لا يستعجل السرد، حتى ينطق بجميع ما يجيش ف صدره من آلام ومعاناة، فتنتهي بذلك صلاحية الذات، وهي نفس مثقلة بالهموم ومحملة بالأوزار والشهوات، ذات ميتة الموت البطيء والعمى الدائم، وفقدان الإحساس بكل شيء.

تتعدد الكلمات والعبارات الدالة على الموت في الرواية: (الدم، القيامة، الرحمة، المقبرة، الانتحار، الولي الصالح، الخلاص، الروح، الموتى، المرض، العجز، الجحيم، الجثة.).

فعبارات الموت لها دلالات عميقة في الرواية، فهي تدل على موت الذات وهي تتوغل في السرد، كما تدل أيضا على موت ذاكرة المغاربة في استنطاق التاريخ، هكذا إذن فمعاناة الذات هي وليدة الأحداث التي عايشتها شخصيات الرواية، في مدينة بني ملال، انعكست على حالة ونفسية الفرد، وساهمت في كتابة مصيره وتعميق جراحه وآلامه. كما أن دلالة الموت تحيلنا على العجز التام، لأن ما يؤلم هو حياة البؤس، التي قضاها الفرد في الإيمان بقضية أو الفرح بنزوة عابرة، وهو سبب المرارة، فالرغبة في الموت ما هو إلا نزوة عابرة، يقول عن الحياة بأنها:” مقبرة فسيحة بلا حدود”[5].

هكذا إذن تتحول الرواية إلى ملحمة سردية تاريخية، لمعاناة المغربي، كذات فاقدة لمعانيها، يصبح وجودها عديم الجدوى والنفع، فتنتقل العدوى بدورها نحو الآخر وتتحول إلى جحيم لا يطاق، في قوله:” تنتقل العدوى للمرضى والعاجزين، فدواخلهم سوداء، لا تستحق العيش،”.

أما في فصل ” عودة الموتى”، يصف السارد رجالا يعثرون على مقبرة جماعية، في بني ملال لجماجم بشرية، غير أن ذاكرة المغاربة لا تسعف في الكشف عن ذلك التاريخ، بسبب إشاعة فضيحة غطت على القضية، ورقابة السلطة التي تمنعهم من متابعة القضية، ومعاينة تاريخهم الحقيقي، هكذا ظل الموت جزء من تاريخ المغاربة، تاريخ قديم قابل للكشف والمعرفة.

يغلب على الرواية أيضا طابع الحزن والألم، فضمير المتكلم الذي يطغى على أجواء السرد في الرواية، يبعث على أجواء جنائزية، فالذات هي محور المعاناة والعذاب، فالطريق عذاب والإمكانات التي يسلكها الراوي في السرد غير متاحة، هكذا إذن تظل الرواية عبارة عن متوالية من الحكايات والرواية المكثفة، التي تساهم في تمزق الذات، بحيث يعلن السارد عن بوح كثير، لا ينتهي، ويتحول فيها بذاته إلى جسد فاقد لمعنى الحياة، ميت فوق مقبرة الحياة كما وصف نفسه في الرواية.

أما ذات السارد الأعمى التي تحدث عنها كثيرا وهي شخصية: محمد، في كثير من الحكايات المتوالدة، والمتناسلة، فقد عزف فيها قيثارة أحزانه، ليعيد رسم الذاكرة المؤلمة التي عايشت الأحداث واكتوت بنيران الصراع على السلطة حول الأرض المشؤومة، إنها ذات:” تحمل مأساة تراجيدية لذاكرة المغاربة، ليكون تاريخ الذات جزء من التاريخ الجمعي للمغاربة”[6]

أما فيما يخص النص الذي جعله الكاتب، تصديرا لغلاف الرواية، فهو عبارة عن  مشهد رافق صورة شجار بين شخصين، بحيث يتضح في هذا النص تمعن السارد في وصف الذوات المتعاركة، وهو ينقل لنا مشهدا داميا، معركة ضارية بين رجلين، وتوضح هذه اللوحة التراجيدية ، حالة الذات التي تحمل الغل والحقد، كما تحمل أيضا الجذور المغربية، وهي فاقدة للصواب والعقل، ذات عمياء لا تكف عن الجنون، المتمثل في الضرب وتلقي الهراوات  بشراسة، وهستيرية، كما يتحدث أيضا عن غباء الذات وهي ترمي بنفسها في معركة دامية خاسرة، وهي تسقط خائرة جريحة نازفة بدون إسعاف أو مساعدة من الآخر المشترك في الجريمة.

فصل موت الجد أو نذر الجحيم: تبدو علاقة السارد بجده وطيدة، يكون معها عجز الجد ومرضه إثر سلب الدولة لقطعة أرض، ذات منكسرة، ذلك أن ما وقع لجده أثر على نفسية السارد، فالجد في نظر البطل هو رمز الكبرياء والصبر، ” أورث ذات السارد الفراغ”[7].  ثم تتوالى الأحداث بعد وفاة الجد وعودة الأخ برجل معطوبة من عمق الصحراء. ذلك ما سيعبر عنه في فصل: ـ عسكرة العمى أو عمى الحياة: حيث تتضح معاناة البطل السارد مع العمى الذي لازمه منذ طفولته، فالمعاناة مع العمى، عزلة وتردد وارتجاف”[8]

إنها ذات تعيش بين محاولات التعلم، وتحدي إعاقة العمى، وذاكرة طفولته مع جده، وهو يتذكر العذاب الذي تجرعه في صغره، نتيجة العمى الدائم، وأمام عجز الطبيب عن مداواته، رغم محاولات اخيه العسكري وإصراره الدائم في تتبع حالته، تصاب الذات بالخيبة والعجز، عجز عدم القدرة على الشفاء، وعجز اليأس منه، وعجز آخر هو كتابة التاريخ، يقول ” هذا العالم وحضارته صنعه المرضى والعاجزون والمجانين، الأقوياء والأسوياء، صنعوا الحروب فقط،”[9] إن البطل يقتدي بطه حسين، فهو حالة مشابهة له تماما، وقد ذكره السارد في فصل.

أما الحكاية الثانية فهي قصة ذات أخرى منكسرة، ذات الأخ العسكري القادم من عمق الصحراء، برجل معطوبة مشوهة، تحكي محاولاته المتكررة، من أجل الانتحار بواسطة السرير، وعجزه التام، هكذا تلتقي الذوات في شعورها العميق بالألم والمعاناة والعجز أمام واقع لا يرحم. كما أن فقدان الأخ العسكري   لرجله المعطوبة، خلف لديه روح معطوبة، ” لكن عطب الروح سيستمر في الصراخ وضرب جدران الخزان بداخلك، إلى ما لانهاية ” ص: 39، وأمام هذا الوضع تتحول الذات إلى لا شيء أو عدم خالص، لا يولد زهور ولا ينبعث منه شيء، ” عدم خالص” [10]

هكذا إذن تحضر تيمة العمى، في الرواية بشكل كبير لتعبر عن روح عاجزة بصريا، لكنها قادرة على البوح والكلام، وهو ما قام به السارد ببراعة وهو يصف الأحداث، والوقائع، وكذلك الحكايات التاريخية الواردة في الرواية. ليكون بذلك الأستاذ عبد الكريم جويطي قد دون سيرة المغاربة في متن سردي منقطع النظير. وبهذا أيضا جاز لنا القول بأن رواية ” المغاربة”، هي التي تستحق لقب رواية

……………..

المصادر:

المغاربة: رواية، عبد الكريم جويطي، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2016، المغرب.

البعد التراجيدي في رواية المغاربة، صالح لبريني، مقالة منشورة ضمن مجلة نزوى، عدد 96 أكتوبر 2018.

رواية المغاربة: واقع عمى جماعي معلن، مقالة للأستاذ حسن طارق، موقع ضفة ثالثة.بتاريخ:24، شتنبر 2017.  

القراءة المنهجية للنصين الأدبي: النصان الحكائي والحجاجي، البشير اليعقوبي، ط1، دار الثقافة، المغرب.

..

.[1][1] البشير اليعقوبي، ط1، دار الثقافة، القراءة المنهجية للنص الأدبي: النصان الحكائي والحجاجي،

[2] رواية المغاربة:عبد الكريم جويطي، ص: 23، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط1، 2016

 [3] المغاربة ص:9

[4][4] المغاربة، ص:7

[5] المغاربة، ص 43

[6]  البعد التراجيدي في رواية المغاربة، صالح لبريني، مقالة منشورة ضمن مجلة نزوى، عدد 96 أكتوبر 2018.

[7] المغاربة، ص:30

[8] المغاربة، ص: 33

[9] المغاربة ص: 35

[10] المغاربة ص: 41

مقالات من نفس القسم