الكومود المختفي

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 23
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

كريم محسن

-١-

استيقظت من النوم، اقشعر جسمي فجأة من برودة الغرفة الهادئة، مددت يدي لأمسك باللحاف وأسحبه، فلم أجده.

هدوء وبرودة وظلمة حالكة، بالكاد لا أرى شيئا في الغرفة.

حركت يدي اليسرى ببطء، لكي أتحسس الكومود بحثا عن الموبايل، لكن لا وجود للموبايل أو الكومود، هوت يدي في الفراغ. متى نقلت الكومود من مكانه؟ تركت عليه أمس زجاجة البراندي فارغة وباقي علبة السجائر، ونمت من التعب، هذا كل ما حدث.

النوم مازال يغمز بعينه، يزغزغني ويجذبني بخفة إلى عالمه مرة أخرى، استسلمت له، نمت ويدي اليسرى معلقة في الفراغ، خارج السرير، تبحث بإحباط وتراخي عن الكومود المختفي.

-٢-

بعد مدة من الزمن، لم أستطع حسابها، استيقظت مرة أخرى.

جسدي نشيط وخفيف، ذهني حاضر بقوة، هرشت ذقني، وفركت عيني، كأني أوقظ أجزاء جسمي المتشبثة بحبال النوم.

أثار دهشتي أن الغرفة مازالت تغط في ظلام كثيف، لا اعرف كم الساعة، لكن استدللت من نشاطي أني نمت ما لا يقل عن تسع ساعات، من المفترض أن تكون الساعة حوالي الحادية عشر صباحاً.

الكومود والموبايل مازالا مختفيين، والشباك الذي أتركه نصف مفتوح، حتى أستيقظ على ضوء الصباح، لا يوجد له أثر في الحائط.

لم أحتاج إلى أكثر من ذلك لأدرك أن تلك ليست غرفتي، قمت بهدوء، وبدأت اتحرك ببطء متجنبا الاصطدام  بشيء، بدأت أتحسس الحائط واتخذته بوصلة لاكتشاف موضع مفاتيح الإضاءة أو باب الغرفة.

الحائط بارد للغاية، لا احتمل وضع يدي عليه.

اصطدمت بالدولاب. توقعت أنه دولاب، لا أعرف، لكنه شيء ضخم، صلب، ملمسه خشبي.

توقفت فجأة وضحكت: أنا في شقة خالد.

-٣-

عثرت بصعوبة على السرير مرة أخرى، بعدما جلست على الفراغ مرتين، وسقطت على الأرض.

اكتشفت أن باب الغرفة مغلق من الخارج، وخالد مازال نائما أو لعله غير موجود في الشقة، لا أعلم، لكنه لا يرد على ندائي. منعتني الظلمة من التركيز واستحضار ذكرياتي بتدفق وسلاسة، تذكرت تفاصيل ليل البارحة على هيئة مشاهد متقطعة سريعة: وصلت شقة خالد في جاردن سيتي، لم أشعر بأي رغبة في العودة إلى منزلي تلك الليلة. شربنا البراندي، تحدثنا وضحكنا، لعبنا الكوتشينة، شعر كل منا بالإرهاق وبدأ الكحول يفرض كلمته وسيطرته. تفرقنا في غرفتين لننام، سحبت باقي زجاجة البراندي معي إلى الغرفة، شربتها على السرير وجلست اتأمل الحائط وأدخن، رميت الزجاجة على الأرض و وضعت الموبايل على طرف الوسادة، بعدما لاحظت عدم وجود كومود بجانب السرير.

 أفكر في النوم ثانية، هل مازلت تحت تأثير الكحول؟ وكل ذلك ما هو إلا محض هذيان؟

خالد دائما يفضل المزاح معي بأساليب صبيانية، لكن حبسي في غرفة مظلمة لا يثير الضحك حتى، المزحة تتطلب على الأقل أن تُشاهد تأثيرها على الشخص، تتطلب أن ترى الآخر أمامك هو يتألم ويضحك ويقذفك بالسباب.

بدأت اتحسس الأرض بقدمي، محاولا البحث عن زجاجة البراندي، باعتبارها دليل على صدق ذاكرتي. انغرس دبوس في أصبعي، صرخت ودمعت عيناي.

نزعت الدبوس -من الممكن أن يكون مسمارا- و وضعته في جيبي حتى لا ينغرس في قدمي ثانيةً.

قررت أن ابدأ مرة أخرى في اكتشاف الغرفة، أتحسس الحوائط والأثاث، أحاول معرفة أين أنا.

-٤-

مفاتيح الإضاءة لا أثر لها على الحائط، تحسست الحائط بدقة كافية.

المسافة التي أقطعها بين الدولاب والسرير، أحيانا أقطعها في خطوتين، وأحيانا في ست خطوات أو سبع. الحوائط تجعلني ادور في دائرة مرة، وفي مستطيل مرة أخرى.

بدأ خيالي يتولى أمر كل شيء، محاولا مساعدتي أو الزيادة من حيرتي. حاولت إبعاد فكرة أن الغرفة مساحتها تتغير عن ذهني الآن، حتى أستطيع التصرف بهدوء.

بعد مدة من الزمن، لم أستطع الوصول إلى الباب ولا حتى العودة إلى السرير، جلست على الأرض وبداخلي رغبة حارقة في البكاء.

-٥-

شعرت بثقل الزمن، مادة لزجة تتدفق بصعوبة بالغة، حمل ثقيل على ظهري أطوف به في الغرفة الدائرية/المستطيلة.

لا أملك دليلا غير ذاكرتي لاثبت بها وجودي الآن في شقة خالد.

زجاجة البراندي لا وجود لها على الأرض، والسرير فقدت الأمل في العثور عليه.

فقدت الأمل في كل شئ.

أحاول تخيل سيناريو آخر لما حدث ليلة البارحة، لكن كل ما أتخيله لا يكفي للإجابة على علامات الاستفهام التى تملأ رأسي وتفتته إلى أشلاء صغيرة.

تراكم بداخلي شعور بالضياع واليأس.

تراكمت طبقات الظلمة على صدري، حتى توهمت أني أتنفس بصعوبة.

فقدت حدود جسدي في الظلام، تخيلت جسدي لا وجود له.

أنا مجرد صوت ينبح في الوجود.

-٦-

سمعت خطوات أقدام وكحة، أحدهم فتح الباب وبدأ في الجري.

كان الخارج أقل ظلمة من الداخل لذا استدللت بسهولة على مكان الباب.

بدأت العدو وراءه بدون تفكير.

كانت الرؤية أمامي مشوشة، الظلمة مازالت تسيطر على كل شئ، لكن هناك مصدر إضاءة خافت لا أعلم من أين يأتي، جعلني أدرك أننا نجري في ممر ما، يشبه نفق صلاح سلام.

رأيته يجري أمامي بخفة ورشاقة، يقفز أحيانا، لا تبدو عليه أمارات القلق أو الخوف، يثق تماما من استحالة أن يلحق به أحد.

لم أستطيع أن أحدد ملامحه، كان يجري في استقامة واعتدال، جسده يتحرك مثل آلة لا تخطئ.

جرينا كثيرا، سقطت على الأرض أكثر من مرة من فرط التعب. شتمته، بصقت عليه، لكنه لم يبال بما أفعله.

قَطَعَ الممر اللانهائي بدون توقف وبسرعة تبدو ثابتة، حتى اختفى عن نظري تماما، بعدما سقطت على الأرض ولم أستطع التحرك.

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون