الصغيرة التي رأت كل شيء

الصغيرة التي رأت كل شيء
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

بدأت علاقتي بخالي الشاعر أحمد طه عن طريق سماع قصص والدتي عنه: كيف رباها وعمل في مراهقته ليصرف على تعليمها وعلى الاهتمام بعائلته بعد وفاة جدي. كانت تحكي لي عن سجنه وعن كونه الأقرب إلى قلبها. وكنت أنتظر الهدايا كان يرسلها لنا من أمريكا في طفولتي، رغم أنه لم يكن يملك الكثير وكانت ورديات عمله في أحد المصانع ترهقه، حتى أنه كان يحكي عن ذلك في خطاباته.

وعندما كنت أذهب لأستقبل خالي في المطار، وأقابل أصحابه “الشعراء” جالسين في انتظاره، أشعر برهبة ما أني في انتظار شخص مهم ومربك، لم أعرف أبدا كيف أقابله. الأحضان تشعره أيضا بالارتباك كما الحديث معه على الهاتف.

خالي الذي عرفت عنه أنه لم يهتم أبدا بالحصول على الجنسية الأمريكية في وقت كان كثيرون يحلمون بذلك، تأثرت بشخصيته، تأثرت أنه كان يترك كل شيء في الحياه لا يشعره أنه نفسه. كان يفعل دوما ما يريد ويشعر أنه الأفضل لروحه وكرامته. لم يكن ليكتم رأيه حول أي شخص لا يحب كتابته أو مواقفه مهما كان المركز الاجتماعي لذلك الشخص.

أعجبني خالي حتى وهو يحاول أن يهرب من قراءة أشعاره الخاصة في الندوات في بيته، بينما أنا طفلة صغيرة أجلس بينهم ويعاملني الجميع بلا مبالاة وأحيانا بابتسامة بسيطة كأني قطة دخلت خطأ إلى المكان.

كنت معجبة باهتمامه الشديد وحبه لعائلته، وكيف يعبر عن محبته دائما بخجل، كنت أراقب احتفاء الأصدقاء به وبيته الصغير في مصر، وكنت أشعر دوما أنه جنة الشعراء المطرودين من كل نعيم آخر سوى بيت خالي.

عندما استقر خالي في مصر، وبدأت الاقتراب منه وأحياناً قضاء أيام معه هو وزوجته كنت أراقبه ويراقبني في الحقيقة، لكننا لم نكن نتكلم كثيرا. كنت دائما طفلة في قربه. من بيت خالي تعرفت على أحمد حسان، وديع سعادة، أدونيس، أسامة الدناصوري، صفاء فتحي، محمد بدوي، ياسر عبد اللطيف، عبد المنعم تليمة، أحمد يماني، عبد المنعم رمضان، عبد المقصود عبد الكريم، منى برنس، هدى حسين، ايمان مرسال، هشام قشطة،  وآخرين.

ومن بين هؤلاء من كان لهم بالغ الأثر في حياتي وفي كتابتي دائما. تعرفت على صديقي الشاعر أسامه الديناصوري في بيت خالي وتعلمت من أسامة معنى الشعر بشكله الإنساني. أن تكون شاعرا في الحياة وليس فقط  داخل النص. ألا تنتهي مغامرة الشعر في الديوان بل يكون الشعر هو السيارة والقدمين والمناخ والمكان. 

وعندما وقعت في الحب لأول مرة وقفت بجانب كشك لأطلب رقم خالي، وأحكي له عن ذلك الشخص الذي قابلته في بيته يوما ما  وأنا أصغر قليلا في العمر، وكيف أصبح هو حبيبي الآن، وعلى عكس ما توقعت قال لي خالي “حبيبك هذا لا يستحم ولن يذكرك بعد يومين، ولو اقترب منك سأضربه، بلغيه كلامي”.

خلال كافة مراحلي العمرية كان خالي دائما يطلب مني أن أوصل تهديده بالضرب لأي شخص يحاول الاقتراب مني، وكنت لا اتعلم أبدا الدرس، ودائما ما أذهب إلى خالي الشاعر لأحدثه وحده عن الحب. الحب الذي أقابله دوما على مقربة منه. على مقربة من الشعر.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم