السيقان الخشبية

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 36
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

الطاهر شرقاوى

بلا احم أو دستور تزورنا الأحلام، فما إن نسقط فى بئر النوم المظلم، حتى تتسرب الأحلام من مخابئها السرية، تأخذنا الى مدينة كبيرة، مكتوب على بوابتها الذهبية الضخمة: "انس عقلك.. واخلع نعليك.. وادخل برجلك اليمين". إذن هذه هى مدينة الأحلام التى تلبى رغباتنا وطموحاتنا المكبوتة، لا فرق إن كانت تلك الرغبات بسيطة أم معقدة.

من السطور السابقة ربما تعتقدون أننى سأكتب عن أحلام، كلها رومانسية وموسيقى وبالونات ملونة، مهلا.. كل هذه الأشياء موجودة بالطبع، لكن بالإضافة الى ذلك، هناك كوابيس مرعبة وأضغاث أحلام، هناك أحلام تطبق على الصدر وتكتم النفس، وأخرى تضعضع الجسد حتى الصراخ من الألم، كل ما سبق زارني مرة أو مرات متكررة.

إذن عن أى حلم أحكى.. هل أحكى عن الألعاب والحلوى فى مرحلة الطفولة؟ أم عن ألأسئلة التى كانت تخترق الحجب وتأتى ليلة الامتحان؟ أم عن البنات اللاتى عرفن طريقهن بكل يسر وسهولة فى مرحلة تالية؟ اممم.. سأجكى عن حلم رافقنى لفترة طويلة حتى تعودت عليه، ونشأت بيننا ألفة ومحبة، حلم أطلقت عليه ـ فيما بعد ـ اسم “حلم السيقان الخشبية”. حيث أجد نفسى أنظر الى أسفل، فأرى بيوتا وغيطانا وترعا ونخيلا وأشجارا وأبقارا وبشرا يسعون فى الطرقات وطيورا.

أرى كل ذلك بحجم صغير جدا، يبدو لى مثل علب الكبريت، فى تلك اللحظة ينتابنى شعور بالبهجة والسعادة، خاصة عندما أتحرك فاكتشف أن خطواتى كبيرة جدا، لدرجة تجعلنى أعتقد بشكل يقينى، أننى من الممكن أن أقطع الأرض من أولها الى آخرها فى لحظات قليلة. فى نفس الوقت ينتابنى شعورا آخر مختلف، يمتزج فيه الخوف بالرعب، حينما أشعر بأن قلبى يهوى داخل جسدى بسرعة، ينطلق فى تجويف ما يشبه الأنبوب، يمتاز بأنه طويل ومعتم، فأشهق خلال رحلة السقوط التى لا تبدو لها نهاية، لاكتشف بعدها أن فلبى لم يبارح مكانه، هل يتوقف الأمر عند ذلك؟ كلا.. فخلال تحركى والذى أحاذر فيه دهس النخيل أو البيوت المبعثرة بلا ترتيب، اكتشف اننى أمتلك ساقين خشبيتين، مجرد عمودين طويلين من الخشب، ينطلقان فى السير بكل سهولة عندما أرغب فى الحركة.. لا أدرى كيف نبتا فى جسدى، أو متى حدث ذلك؟، يبدوان لى كساقين طبيعتين، طيعتين وسلستين فى الحركة، رؤية السيقان الخشبية تزيد من رعبى أكثر، وتبث فى نفسى قشعريرة خفيفة، ربما تدفعنى تلك القشعريرة الى التحرك بشكل أكثر وأسرع، أجرب خطواتى الواسعة وأفكر فى العدو، لكن الخوف من السقوط وعدم القدرة على النهوض مرة ثانية يثنينى عن تنفيذ الفكرة، حلم السيقان الخشبية يجعلني اشعر بالنقائض فى نفس اللخظة، فتجتمع بداخلى المتعة واللذة والخوف والرعب والنشوة والقلق.

ما الذى حدث للسيقان الخشبية؟ لم تعد تزورنى منذ فترة طويلة، لكن يحدث ـ أحيانا ـ وبمجرد استيقاظي من النوم، أن أتخيل أن لى سيقانا خشبية نبتت بالليل، وبتلقائية أمد يدى أتحسس ساقى ـ حتى يطمئن قلبى ـ ولكى أتأكد بشكل جازم، أنهما طبيعيتان، حينها اشعر بالراحة واستعد للنهوض.            

  

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم