الرابع من آل الدخاخني

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 11
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد العزيز دياب

   أنا الرابع….

   هذا ليس اسمى، إنما هو ترتيبي بالنسبة لأخوتي الذين زرعوا الصبارة وتعهدوا برعايتها، الأول: سافر، لا نعرف إلى أين، في الصباح كان مكانه شاغرًا، والرسالة التي تركها كانت تحمل كلمة الوداع: باي… باي ى.

   تأملنا المكان حولنا ربما ترك كفه تلوح لنا في الفضاء، ولما جاء موعد مغازلة القطة الشيرازي لم نسمع قهقهاته.

   الثاني: سُجِنَ، وكنا نعرف أن سَيُسْجَنْ في يوم ما، وكنت أعرف ماذا سيفعل لحظة القبض عليه بتهمة الاتجار في المخدرات، بالفعل وهو يمتطى صهوة البوكس  قذف بقبلة، تلك القبلة الطائرة التي كان يقذفها للرائح والغادي.

   الثالث: مات بعد أن رسم جدي الدخاخني في لوحة جعلها تتصدر باحة البيت العتيق.

   أنا كنت الرابع، وأنا والله كنت سأرعى الصبارة، فلماذا أعلنوا في الجرائد والمجلات أن ثمة صبارة أمام قبر الدخاخني/جدى تحتاج الرعاية، من الذي فعل ذلك تحديدًا، وما الذى جعل العمدة يدعوا إلى اجتماع عاجل لأهل البلد يوصيهم بصبارة.

   هل ندم العمدة لأنه كان مضطرا لذبح واحدة من بهائمه، هذا إلى جانب براد القهوة الذى أتى على تموين الشهر، المهم أنه استطاع خلال تلك المأدبة أن يعلن على الجميع: يا أهل البلد… هم زرعوا صبارة، وكنا سنزرعها لو لم يزرعوها، فعلينا إذا رعايتها… علينا رعايتهااااا.

   لم يعترض أي واحد بأن الرابع/أنا موجود ويمكنه رعايتها، حتى أنهم كانوا يذكرون اسمى وكأنني غير موجود بينهم، ولم تقف الأمور عند هذا الحد لأن مهندس الجمعية الزراعية بنفسه ذهب لمعاينة الصبارة، أطلق مجموعة إرشادات لم تحظى مزروعاتنا الشتوية أو الصيفية بمثلها، كان يتحسسها بكل رقة ويده مرتعشة.

   بعده جاء موسيقى عزف موسيقى شرقية وغربية، شمالية وجنوبية، بكى لأنه لم يكن يعرف- عندما استدعوه- أنه سيعزف لصبارة، ما كان يكفيه أن يأتي بكنشرتو كاملا يعزف أمام خضوعها الجميل، وجاء مصور التقط لها ما يكفى لإقامة معرض فنى بعنوان “صبارة واحدة”

   لم تنته الأمور عند هذا الحد، فقد جاء من خلع الصبارة بكل حقد ورماها قدام القبر، لعل من فعلها لم يكن يقصد أي شيء، لكنه كان سببًا كافيًا لخروج الناس جماعات… جماعات لمشاهدة الشرطة وضابط المباحث وهو يقوم بمعاينتها وتغطيتها، ولما نفخ غيظًا، وكرهًا، وحزنًا عرفنا أن واحد من عتاة المجرمين هو الذي فعلها.

   إلى أن يتم البحث والتحقيق أمر بدفنها وزراعة صبارة أخرى مكانها، لا أعرف لماذا كانت النظرات تنهشني كلما ذكرت كلمة الجاني، يا عالم أيعقل أن أكون أنا الجاني، أنا الرابع فقط ولا شيء غير ذلك.

   أشياء كثيرة كنت لا أعلمها، كل ما أعرفه أن يدًا آثمة خلعت الصبارة الثانية، وقبل أن تأتى الشرطة، كانوا قد زرعوا صبارات على طول الطريق الممتد إلى العاصمة، وعقد اجتماع هناك في ديوان العاصمة لمناقشة هل يمكن زراعة صبارات تمتد إلى الخارج، إلى ما وراء البحر، إلى بلاد تركب كائنات معدنية….

   هذا كل ما حدث رغم أنني لا أعرف كيف كانت تمضي الأمور، كل ما أعرف هو أنني الرابع لا شيء أكثر من ذلك.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون