التضادات المُسلّية في تجربة علاء زريفة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 17
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

إبراهيم حسو  

يطرح الشاعر السوري الشاب علاء زريفة مواليد ( 1985 ) من خلال تجربتين شعريتين ( شوكولاتة  2018 ) و ( المسيح الصغير 2019 ) الأسئلة الشعرية التقليدية ذاتها مع الأجوبة  المختلقة و المبدعة ذاتها، و أن بدت مجموعة ( المسيح الصغير ) محصلة لا نهائية لجملة أفكار و رؤى مكررة و معادة بطريقة لغوية و شكلية متباينة و ملفتة، هذه الرؤى التي لا تتعدى مساحة ( لغتها ) تأخذ أشكالا تعبيرية  بسيطة من العمق واشارات و دلالات متداخلة من  متن النصوص الطويلة و التي يبدو أن غالبية التجارب الشعرية الشابة لا تقف عندها مطولا، لا أعرف لم تتكرر الأفكار و الأحداث و الصور من نص الى نص، من مقطع الى اخر و في معظم الأحيان من جملة واحدة، الأفكار نفسها بصيغ و أصباغ لغوية مغايرة تصل الى درجة التوغل في سوريالية غير محمودة الخروج منها، كأن ينجرف الشاعر وراء كلمة ما قد تؤدي عدة معان، لينزلق بعد ذلك في متاهات المعنى  الواحد بكلمات و جمل متفرعة و متشابكة، لكن علاء تنحى عن هذا الجرف في ( شوكولاتة ) و لكن ليس بمهارة و ألاعيب و خفة ( المسيح الصغير ) التي تبدو في القراءة السريعة انها سراديب و أنفاق و تدفقات سردية متلاحقة و متماوجة، كل نص يؤدي وظيفة النص الذي تلاه أو يليه باتفاق و تواطؤ لا متبل لهما، نصوص توليدية خاطفة في صورها و تصويرها، في تشكيلها و تشّكلها الهرمي، في مقارباتها لواقعها المعاش و ماضيها الذي لم يمض:

البغضاءُ النائمةْ

تستيقظ على رمادِ أنوثتها

تتمطط كقطةٍ عزباءْ

تجففُ قطرات الملحِ 

عن وجنتيها

و تقبّلُ ببرودٍ

صورة بعلها

 

ويعتبر علاء زريفة نفسه شاعرًا للمرحلة أو مترجمًا للألم والقهر الذي يعانيه الإنسان السوري حاليًا. يكتب خارج قوقعة الخوف لينجو بنفسه من حالة ضياع الفردية في إطار شمولية قاتلة لروح الإنسان وخانقة للعقل النقدي التشككي، إعادة بناء ذاته وفقًا لقناعات اكتسبته بالبحث والتجربة:  

الفلسفةُ الناقصة

تتباهى بأنفها القصير

و حدبتها الجافةْ

تتلقى بريديَّ الشعري

تلعنُ الساعةَ

و تفضحُ قصيدتي

على الملأ.

الكينونةُ المغلقةْ

ترتدي الميني جوب

تعدّلُ اختلالَ قامتها

بكعبٍ عال

تغلقُ كفها الأيسر بخاتمٍ

و ترفعُ الشاعر

إلى الرف

يكتب هذا الشاب بروح مقاتلة وسط  حقل من المحرمات الاجتماعية و الدينية و الذهنية، تلك المحرمات و المواضيع المحسوسة  التي تثبت معنى الحب و نقيضه و الجنس بكل تفاصيله و الحرمان بكل اشتياقه، محرم أن تكون موجودا وسط الهباء الانساني الذي لا نظير له، أن تكون مرئياً و أمام نفسك و لا تجد نفسك ، و أمام حلمك الذي لم يعد لك، لتفقد شغفك في البحث عن المعنى الاصيل لوجودك، عن تلك الشذرة التي تبقيك على قيد حلمك، أن تكون قريباً من الشعر بعمقه و متنه، بحضوره و غيابه، بطرحنا السليم لتلك الاسئلة التي تترك جانباً و لا تجد لها موضع قلب:

هنا يبدأ  الأزل مسيرته  الأولى

يسافر الليلك الى موته

أعثر فجأة على بقيتي

اغدو أنا دون توجس

أو خوف فطري من هاوية

و هاهنا ألف عام أخرى يمتد عمري

نتوحد لنكون أو لنكون

نتماهى ثم نصير غيرنا

لنولد من رحم النار فينا

طائر يرفض الطبيعة المتحولة للماء و الطين  

 يكتب المسيح الصغير عن الحب المحرم بمعناه المتعالي ، يكتب عن ذلك المسيح الصغير الذي لا يكبر و لا يشيخ، يكتب عن الانسان الغرائزي الذي بدأ يفقد جزءاً كبيراً من دهشته و توقه تجاه الانثى نتيجة الحرب الدائرة، بسبب نمط التسليع والعولمة وعصر السرعة الحالي، و اختراق المفاهيم والأطر الفكرية الخشبية واللغة الموسومة بالتعصب والانتهاك السافر لأرواحنا الحرة التي فطرنا عليها، ليتجه الشاعر بعد ذلك نحو جمع تناقضات الحياة كلها في نص طويل لا يبدأ الا لينتهي به:

 

لا اراك الا حين أكون نائماً

أنت النجمة التي تبرق من  زاوية مجهولة

مصباحاً صغيراً في بيت شعر

فأستيقظ مبللاً بالكلمات.

 

ما حققه علاء في ( المسيح الصغير ) هو التقاطه الافكار المبعثرة الخاملة و تكريرها بلاغياً في محاولة القبض على اعماق و لب المعنى، تلك الأفكار التي تقدم لنا الخديعة الشعورية على طبق من الشعر الصافي، خديعة الدين و العلوم و التاريخ النائم و المفاهيم و البداهات اليومية و جدوى الحياة و فقدان الاشياء في بداياتها ( عن أي صواب تتحدثين، كل مافي جعبتي، عاطفة بلهاء تجلس على مقعد متحرك هو القدر ) و بما أن الخديعة  الشعرية  تحمل المعرفة الحقيقية، فإنها تضيف تأثيراً مباشراً للمفردات في ان تضحي بمعناها و دلالاتها أكثر ما تضحي الصورة الشعرية، و السرد الشعري أكثر من البلاغة و التكثيف الذي قد يبدو عصيا على التفكيك و التشريح، فالشاعر لا يعتمد على مخيلة ثابتة و ذاكرة لغوية متنقلة، بقدر ما يعتمد على تلك التدفقات اللحظوية الكتومة من تفتت اللغة و انصهارها و لحظة امتلاء المعنى بمعناه الحقيقي، بلا رتوش، بلا ايحاءات، بلا حوارات بين الصورة و الصوت، كي لا تغدو الكتابة استعراضاً و بهرجة (  ابطأ من رصاصة / أسرع من الكلمة / الماء الذي يخضّر / فرساً في السرير  ) هنا يحضر الرباعي المعرفي الشعر و التشكيل البصري و الفلسفة و التشكيل الايحائي  كلها معا، في أربع طرق عبور المعنى و توضيبه و طرح تلك الاسئلة الأنطولوجية المعلقة، أسئلة حضور الحب و غيابه، جدلية الحياة و زوالها، صراع السواد مع نقيضه، تداخل الحقيقة  و معانيها مع أمل البقاء و الاستمرارية او ما تسمى الديمومة:

جرب الموت حباً خارج غرفتي

لست كاملة كما تتخيل

لست عميقة كما تتوهم

لست آلهتك الهابطة ركن السماء

هدوء الماء العابر بين لؤلؤتين

تحقنهما بإكسير الحياء في مقلتيك

لا أمتلك سر الموناليزا

ولا شحوب الحسن في وجه كليوباترا

فاقتطعني من جسم تهيؤاتك

قُدَّ عظامك صلب امرأة أخر

( إن المنحى الذي يرسمه هذا العمل الشعري يقود هكذا من الرفض إلى القبول، من خلال صراع مستمر، ويتمثل في مراس متنامي للقبول، مضاعفا بمجهود جلي للمعرفة، آخذا قيمة النقاهة، بم أن الأمر يتعلق بأن نعقد من جديد داخل اللغة تلك الروابط التي قطعتها هي نفسه  منطلقا من كتابة شعرية مفاجئة، ممزقة، درامية، مثقلة بالاستعارات، أين يبدو في الأساس الصراع بين الوجود والجوهر)

المسيح الصغير”، صدرت عن دار “الدراويش” في “بلغاريا”، والثانية: “شوكولا” عن دار “دلمون” في “دمشق”،

 

 

مقالات من نفس القسم