البدايات: كيف أحببت إيمان مرسال؟

سماء أقرب: محمد خير ينظر داخل نفسه
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد ندا

بعد أن قضيت مرحلة التعليم الأساسي بالسعودية، كان لزاما أن أرجع إلى مصر للجامعة، اخترت طوعا أن أدخل جامعة المنصورة، لتعلقي بمحمد المخزنجي، في هذا الوقت كانت مجموعته "أوتار الماء" واستطلاعاته في مجلة العربي تأخذان عقلي، في هذه المرحلة، كنت مأخوذا أيضا بقصائد محمد عفيفي مطر، قصائد ليست مكتوبة لأي كلب ممكن أن يقرأ الشعر، مش أي حد بيقرا نزار ولا أمل ممكن يقرا مطر، وكنت أحاول أن أحاكي هذا الغموض واللغة المعجمية.

 هل تعرفت على إيمان مرسال وقتها؟ لا أذكر تحديدا تفاصيل اليوم الذي وقع فيه ديوان “ممر معتم” في يدي، في هذه المرحلة أيضا كانت المدونات قد بسطت سيطرتها على الشبكة، وكنت أنأى بنفسي عن الخوض في هذه الموضة الجديدة، محافظا على كلاسيكية صورة الشاعر في ذهني، كانت إيمان تنتظر على درج الكومودينو، أو لعلها لا تنتظر. أتصفح المدونات بغير اكتراث أو حماسة، إلى أن وقعت عيني على هذه السطور :” والرتوشُ البسيطةُ أثناءَ الحَكْي، لها سِحرٌ، لن يفهمَه أبداً مَن لم يضطرّوا لسرقة حنانِ الآخرين.” ياألله! ده أنا بالظبط! تلك الأيام كنتُ بلا أصدقاء، وكانت متعتي في اختلاق القصص لرفاق السفر في الميكروباص من وإلى المنصورة، كنت أتسول حنان الآخرين.. لكن عودة إلى الشعر، هل هذا الكلام غير الموزون والمقفى يعتبر شعرا؟ هذه السطور التي قرأتها صدفة جعلتني أخاف من العودة إلى الكتاب المنتظر على الكومودينو، الوزن والقافية أهم، ثم كان أن وقع عليّ عماد أبو صالح كالصاعقة، بطفله قليل الأدب الذي مات دون إذن أمه، ونرمين التي تشتكي من زفيره، لازمني عماد لعام تقريبا، أقرأه سرا، كمن يخشى من خيانة الوزن والقافية. عماد من المنصورة “بلدياتي” يكتب كلاما يقول أنه شعر، وإيمان لم تزل تنتظر على الكومودينو، وكنت قد نسيتها تماما..عام ونصف لم أفتح الديوان ولم أصب بالفضول في أن أتصفحه.

مر عامين على وجودي في مصر، وتعلقي الطفولي بمحمد عفيفي مطر، وهوايتي السرية في حب عماد أبو صالح، وتخلصي تدريجيا من المخزنجي، إلى أن اصطدمت بصورة بالأبيض والأسود لبنت جميلة ترتدي نظارة تسعينية ضخمة، مفارقة لملامحها المنمنمة، تجري حوارا لا أذكر منه إلا هذه الصورة، واسمها إيمان مرسال، وأنها من المنصورة، لعدة أيام كنت أعود لهذه الصورة وأتأملها، ثمة شيء ساحر في هذه الصورة، لم أحدده بل وقعت أسيرا له، عدت إلى الكتاب المنسي على الكومودينو، وأكلت صفحاته أكلا، في كل مرة أقرأ شيئا يأخذني أطالع الصورة كأني أحاول استكشاف صاحبتها، بعد أن قرأت الديوان عدة مرات، علقت الصورة فوق السرير جنب صور لآينشتاين ونجيب محفوظ، صورهم كانت كبيرة لامعة، وصورتها صغيرة مقطوعة من جريدة طباعتها رديئة، زاد من حميميتها وتعلقي بها.

تمر الأيم وأبدأ بالهروب من الوزن والقافية، لا عن اقتناع بضرورة تركهما، ولكن لعجزي عن الكلام بهما، بدأت أحاكي طريقة عماد أبو صالح مثلما حاكيت عفيفي مطر قبله، لكنني لم أتعرف إلى الرجل، وكلما بحثت عنه زادت من أسطوريته لدي ما أسمعه عنه من حكايات، صورة إيمان ترافقني مع تغيير مكان السكن، بعد أن تركت صورتي محفوظ وآينشتاين، كل ما يرتبط بهذه الصور من سذاجة رميته معهما، صار تعلقي بصاحبة الصورة أكبر، أنا أحب بنت الصورة وأحب ديوان “ممر معتم” وأحب الرتوش البسيطة لسرقة حنان الآخرين دون الشعور بالذنب ولو للحظة.

مملوء بهواجس التعريفات، وقعت في أزمة تعريف القصيدة، على الرغم من ذلك حضور إيمان كشاعرة في نفسي كان راسخا، صورتها ضاعت مني في زحمة التنقل، بقيت قصيدتها، تستبطن سخريتها وتتركها لمن يريد اقتناصها، كانت سخريتها موجهة إلي. بدأت أثرثر مع آخرين عن حبي لإيمان مرسال، وكيف استطاعت أن تكون “الشاعرة” بالألف واللام، رغم حضور أسماء كشيمبورسكا وسليفيا بلاث في عالمي، إلا أن إيمان بقيت شاعرتي الخاصة، فتنتي بالبنت الجميلة ذات النظارة الضخمة انتهت، وبقيت فتنتي بالقصيدة.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم