البحر

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 11
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد العزيز دياب

   كل ما في الأمر أن الرجل كان يعرف معنى أن يمتلك بحرًا، يعرف جميع مفرداته، بحرًا مرسومًا على ورقة، أو أن قريحته تقيأت عليها كل مائه، يدعو من في البيت للوقوف على شاطئه بعض الوقت، أو صيد أسماك ذهبية، أو الغطس إلى ممالك قصورها من فضة، كانوا يستمعون إليه ويقهقهون، يحذرونه بأن المياه تندلق في الباحة فيما كانوا يلملمون أشياءهم، يجرجرون عيالهم خشية الطوفان، يعود الرجل ويدرك حجم الكارثة التي من الممكن أن تحيق بالمكان: لا تخافوا… لا تجذعوا.

   يفرد البحر المطوي بيمينه يضعه بحرص شديد ألا تندلق منه سفينة، أو يقفز قرصان إلى الباحة ليمارس شروره، يتخذ نساء البيت محظيات، ويطلب منهن فرقعة الأغاني والعزف على قيثارة يَدّعى أن قعر البحر لفظها لأن سكيرًا كان يعزف عليها في حانة للعميان.

   كان الرجل يدرك تمامًا أن كل الأسماء التي تطلق على المحيطات، الأنهار، الخلجان، بسفنها العملاقة وأسماكها المتوحشة لن تختلف كثيرًا عن البحر الذي تدفق بين يديه، فكر في قراءة متأنية لروايات مثل “العجوز والبحر”، و “موبى ديك”، و “روبنسون كروزو”، أن يستحضر بحارة عظام مثل “ماركو بولو”، و “فرديناند ماجلان”، و “كروستوف كولومبس”، و “ابن ماجد”، هيأ نفسه بملابس غطاس جَسُور، يغوص إلى قعر البحر الغويط، يخرج بتمائم وأحجبة قذفتها أيدى العجائز في ليال غاب عنها القمر، أو قواقع بلاستيكية خضراء يزين بها حجرته.

   أهل البيت قالوا دعوه يغازل بحره أفضل من طلباته التي لا تنتهي، أفضل من جيوشه المتخيلة الآتية من الشرق، ولكي يؤكد نصرها يُخَرّبْ كل ما في البيت، ويقف شامخًا يوزع على فرسانه الأوسمة، يأمر بأن تدق طبول النصر، ويرقص كل من في البيت رقصة بهلوانية مجنونة.

   أعطوه ظهورهم، تركوا له بحره، لكنهم في الصباح وجدوه على الشاطئ ميتًا، وملابسه المبتلة كانت تشى بأنه مات غريقًا.   

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون