إيمان مرسال: الناجية من المذبحة

أفتقد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سهى زكي

ذات يوم قابلت كاتبة عربية مهمة بالنسبة لى على مقهى البستان، عندما عرفنى عليها الكاتب الكبير تهللت فرحا وابتهجت كطفلة فاجأتها أمها بهدية وعدتها بها ، وأخذت أحكى لتلك الروائية الجميلة عن مدى ولعى بروايتها الأخيرة وقتذاك، واخبرتها اننى كتبت عنها منذ سنوات مقالا كبيرا، فرحت تلك الروائية الجميلة ، وتحدثت معى بفرحة ناقصة، حيث كانت تنظر للرجل الجالس بجوارها كل لحظة بخوف غريب، وعندما اخبرتها ان هناك صديقات لى معحبات ايضا بكتابتها، وانهن سيفرحن ان قابلوها قبل ان تسافر من القاهرة ، قالت لى لنتبادل التليفونات اذا ، ولنقوم بعمل جلسة نسائية جميلة نتحدث فيها عن عسل النساء الجميلات وعندما هممت بالحصول على تليفونها.

اخبرتنى وهى تشير للرجل الجالس بجوارها، هو المسئول عن التليفون، فسألته بحسن نية شديد اسم حضرتك ايه؟ فكان اسمه الثانى يشبه اسمها الثانى ايضا، فسألته حضرتك أخوها، فرد بصلافة وغضب وغرور: لا لست اخاها، ولم يعرفنى من هو، وقمت بعد حصولى على التلفون وانا سعيدة بمقابلة تلك الروائية الجميلة، ولكنها تركت داخلى آثرا سيئا أنها لا تشبه ما كتبته فى تلك الرواية، وانها تبدو كالخائفة من شىء ما، وتعجبت من نظرات ذلك الرجل ، والذى عرفت بعدها بيوم أنه كان زوجها، وانه اشتكانى لصديقى الروائى فلما سألت فيما كانت الشكوى، قال من احتفائك الساذج بها، انه شىء محرج أن تحتفى بالكاتبة وانت كاتبة مثلك مثلها، كما ان زوجها رجل مهم وتجاهلتيه بالمرة.

يا الله ، أيشتكينى الرجل لأننى احتفيت بزوجته ، حتى وان كان هو أهم منها ، ولكننى اعرفها هى فقط، وهى عندى اهم، بهذه الحكاية يحلوا لى ان أبدأ الحكى عن شاعرة لست من صديقاتها وهى الكبيرة إيمان مرسال (ايوه شاعرة كبيرة ) لأننى عندما كنت أقرأ شعر إيمان مرسال وانا أخطو خطواتى الاولى فى اتجاه الوسط الثقافى ، كانت إيمان مرسال نجمة احاديث الكتاب، هذا حقيقى، فما من جلسة تجمعنى بمجموعة من المثقفين او الفنانين الا ويذكرون اسم إيمان مرسال، سواء بحكاية او بقصيدة جديدة.

إيمان الذى اجتمعت المحبة على شعرها من كل ذائقة، والتى استطاعت ببراعة السرد المدهش فى دواوينها، أن تأخذ عقل اى قارىء، هى التى تغلبت على آسر الشللية ، ولم تدع لمحبيها ان يحبسوها فى إطار النخبة اللعين، ذلك الإطار الذى يجعل الشاعر ملكية خاصة لذائقة ذهنية بعينها ، حبيسا لعقول متحجرة وارواح عدمية لاتؤمن بالخلود ، فى حين سواء رفضنا او قبلنا، الكتابة الجميلة تخلد نفسها دون تدخل بشرى من اى نوع، هى تمر كماء منساب عبر شلال الزمن متخطية كل العثرات الصخرية التى تمر عليها، وهكذا هو الشعر الجميل ايضا الذى يكتبه أمثال إيمان مرسال، تكتب كأنها تعطيك حقنة زيت ساخنة تحت الجلد، تؤلم قليلا، لكنها تترك آثرا طيبا يدوم، إلى أن تشعر بألم جديد، فتقرأ قصيدة جديدة لها، ويتكرر الدواء.

شعر إيمان مرسال بالنسبة لى هو دواء لبعض آلامى، فى الواقع لا يهمنى ما الذى يعتقده الكاتب فى نفسه، لكن يهمنى ما الذى يتركه اثر الكاتب فى نفوس الآخرين، فهو دون أن يدرى، يصنع معجبين ومحبين ومولعين بكتابته ومجانين وكارهين لكتابته ، لذلك ظللت اتعامل مع الكتابة بشغف الطفولة، وحتى الأن، أنبهر إذا ما رأيت كاتبا كبيرا وافرح به، واجلس امامه أسأله كيف كتب الجملة اياها فى روايتك، واتوسل للشاعر ان يقرأ شعره، اتصرف كالجمهور الساذج الذى يعتقد ان الفنان لا يدخل الحمام مثلنا، ورغم اننى اصبحت احد هؤلاء الكتاب، الا اننى مازلت اتعامل مع الكتاب الذى أقرأ لهم بنفس الانبهار.

إيمان مرسال الذى يتباهى معظم الوسط الثقافى بصداقته لها، والتي أنقذتها غربتها الطويلة من مذبحته القاسية فى التعامل مع الكاتبات المقيمات داخل مصر، كدت انفر منها عندما وجدت شخصيات بعينها تتكلم عن ايمان مرسال كأنها تخصهم أو كأن كتابتها لا يقرأها ولا يفهمها غيرهم ، وأنها لا تصاحب الا هم تقريبا ، لكن حلا لى ان احافظ على صورة الشاعرة الجميلة التى كونتها منذ سنوات فى عقلى وروحى عن طريق اشعارها ، فراسلتها عبر الفيس بوك اعبر لها عن ولعى بشعرها متمنية لها دوام التألق الروحى ، فاجابتنى بكل حب وكأننا صديقتان اصلا منذ زمن ، فهدأت ظنونى تجاهها ، وزاد كرهى لهؤلاء الموجودين فى كل الاماكن، الذين يصنعون حول من يريدون دائرة خانقة ليصير الفنان او المبدع او حتى المسئول آسير لهذه الشلة التى تتحكم فى توجيهه وتتحكم فيمن يريدون التقرب منه عن طريق التبرع بإبداء اراء عن الاخرين هناك البعيدين عن الدائرة ، أو تشويه صورة الشخص الذى ربما يسأل عنه نجم دائرتهم ، ببساطة لأنهم دون هذا النجم لن يكون لهم دائرة اصلا.

نجت إيمان مرسال من كل هذا ، وتأكدت بعد ذلك انها لا تدع أحدا يتحكم فى توجيه نظرها هنا او هناك ، ولانها شخصية قوية وعنيدة ، وتستطيع ان تختبر الاشياء والاشخاص بنفسها ، لم توافق على آسر شلة ، حتى لو كان آسر بمحبة ، وربما ، لانها ادركت انها محبوبة أكثر وبلا اى سبب سوى لانها شاعرة لدى قراء لا يريدون منها سوى هذا السحر الذى تلقيه من حين لآخر ، فيبتلغ ترهات أشباه الشعراء ، وربما لأن الغربة جعلتها تدرك أن الوطن كلمتها وان الشلة هى دواوينها ، وان الدائرة التى يجب ان تدور فى مركزها هى الكون كله ، وليس مجرد شلة لطيفة تلتف حولها فلا يراها الا هم عندما تنزل القاهرة ، او تذهب لاى بلد فيه شلة لها .

 صديقتى التى ليست صديقتى ايمان مرسال ، اريدك ان تعرفى ، ان مصر اكبر من وسط البلد، وان عليك فى المرة القادمة ان تقابلى أناسا اكثر ، أنا عن نفسى اقابلك فيما تكتبين، ورأيتك واشعر بقربك  ولدى هدية جميلة منك تركت اثرا كبيرا فى نفسى عندما اهديتها لابنتى وانا اعتبرها لعبتى انا اكثر ما اعتبرها لعبتها، واريد منك ان تتركى نفس الآثر الرائع فى نفوس كل من يحبونك خارج دائرة المذبحة، تلك المذبحة التى يقوم بها الوسط الثقافى مع من يحبه او يكرههه ، فإن أحبه ، حبسه فى إطار نخبوى ، وأن كرهه حوله لمجذوب ، وانا اعلم انك ناجية من تلك المذبحة لا محالة.

 

                                              عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم