إبراهيم فرغلي .. حوار حول أدب الناشئين

أميرة الشربيني
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورته: أميرة الشربيني

إبراهيم فرغلي كاتب وروائي يمكنك وصفه، وبدون مبالغة، بغير العادي. ولعل من قرأ له سيتفق معي في هذا الرأي لعدة أسباب؛ أولها أن أسلوب كتابته غير تقليدي، رغم التزامه بالحفاظ على جماليات اللغة الفصحى دون المساس بتقاليدها الثرية .لكن التجديد يتحقق من خلال الموضوعات التي يطرحها في نصوصه وقصصه وطريقة تناوله لتلك الموضوعات واستخدام تقنيات سردية جديدة.

 

 

حاورته: أميرة الشربيني

إبراهيم فرغلي كاتب وروائي يمكنك وصفه، وبدون مبالغة، بغير العادي. ولعل من قرأ له سيتفق معي في هذا الرأي لعدة أسباب؛ أولها أن أسلوب كتابته غير تقليدي، رغم التزامه بالحفاظ على جماليات اللغة الفصحى دون المساس بتقاليدها الثرية .لكن التجديد يتحقق من خلال الموضوعات التي يطرحها في نصوصه وقصصه وطريقة تناوله لتلك الموضوعات واستخدام تقنيات سردية جديدة.

جمع فرغلي بين العمل بالصحافة والكتابة الروائية والقصصية طوال حياته، واحتفظ قلمه بشخصية متفردة في كل مجال منها. 

الصحافة هي عالم التقارير الخبرية والمقالات والتحقيقات، وتستلزم اقترابا من القارئ العادي، حتى لو كانت كتابة متخصصة في الصحافة الأدبية والثقافية كما هو الحال مع إبراهيم فرغلي، إذ أن التكثيف والإيجاز وتسلسل عرض الموضوع هما السمة الغالبة لكتابته الصحفية بشكل عام.

 أما في كتابة الرواية والقصة فتتجلي قدرات “فرغلي” الإبداعية ومحاولاته الدائمة للتجديد. وفي أحدث رواياته “معبد أنامل الحرير” والتي فازت بجائزة ساويرس في الرواية العام الماضي، إضافة إلى ترشحها للقائمة الطويلة في الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، نجد أنفسنا إزاء عمل روائي مركب، ينبني على رواية داخل رواية، تدور وقائعها في عوالم خيالية على يد شخصيات متباينة ومن خلال أحداث متداخلة بين الواقع والخيال واللعب مع القارئ لإيهامه بأن الواقع يشبه الرواية، وأن الرواية هي الواقع. كتابة ليست سهلة وتستلزم خبرة وموهبة لا تنقصانه. 

لكن حوارنا معه هنا سوف يتناول ويدور حول عالم آخر من عوالم الكتابة اجتذبه في الفترة الأخيرة وهو كتابة أدب الناشئين. وهي نوع من الكتابة لها طبيعة خاصة أيضا، وتستهدف شريحة قراء محددة، لها معايير مختلفة من حيث الاهتمام وطبيعة اللغة، وهو عالم ليس سهلا، لكنه قرر أن يخوض التجربة ويبدع فيها كما سنرى.

 بدايةً نود أن نعرف ما الذي جعلك تتوجه لكتابة أدب الناشئين؟

 توجهت لأدب الناشئين حين بلغت ابنتي الكبرى عمر 12 عاما، وهي قارئة جيدة بالفرنسية والعربية والإنجليزية، لكن في ذلك العمر اكتشفت مدى فقر المكتبة العربية من الأعمال الموجهة لهذا العمر، مقارنة بما ينتج له في اللغات الأخرى، وهنا قررت أن أخوض التجربة والكتابة للناشئين أدبا مختلفا عن السائد، فأغلب ما لدينا للأسف مبني على تراث أعمال المغامرات البوليسية المبسطة، وأشهرها كانت مغامرات المغامرين الخمسة التي كتبها عاطف سالم، ثم امتداد هذا الشكل على يد نبيل فاروق في سلسلة رجل المستحيل، ومن بعده أحمد خالد توفيق. لكن ما استوقفني أن هذه التجارب تعتمد على منهج التشويق وربما بعض الاقتباسات الغربية من الخيال العلمي لكن لا توجد عناية باللغة ولا بتأسيس أفكار وقيم ولغة أدبية. بالإضافة لأنني أعتقد أنني من عشاق التخييل والفانتازيا، ومجال الكتاب للناشئة بيئة رائعة لاختبار تجارب مختلفة في عالم الخيال.

·        ما هي الأعمال التي صدرت لك في هذا المجال؟

 كتبت للناشئة ثلاث روايات “مغامرة في مدينة الموتى” وفكرت أن أكتب بنفس الشخصيات كتاب آخر فانتهيت من كتابة “الفتاة الآلية والأشجار آكلة البشر” ولم تنشر بعد، ونشرت رواية “مصاصو الحبر” التي صدرت عن دار شجرة. 

 • من خلال تجربتك ككاتب ما هو الفارق بين كتابة الرواية الموجهة للبالغين ورواية أدب النشء من ناحية تقنية الكتابة واللغة؟

 طبعا كانت هذه هي الصعوبة الكبيرة التي واجهتني في بداية الكتابة لهذا العمر، فقد تبين لي أنني أحتاج لمعجم أبسط مما أستخدمه في كتابتي للبالغين، وسد أي ثغرة بحيث تكون الجمل مباشرة وواضحة تماما، وأن يكون الوصف دقيقا ولكن بلا إسهاب، ومحاولة إضفاء لون من التشويق على الوصف من خلال إظهار انطباعات الشخصيات عنه مثلا.

من جهة أخرى كان تقديري أن الكتابة لهذا العمر لا يعني التسخيف منه أو التعامل معه بوصفه أقل وعيا أو أقل ذائقة أدبية، بالعكس، حاولت التركيز على اللغة الأدبية وعلى الأفكار العلمية ودس نوع من الأفكار الكبيرة مثل فكرة الزمن ومعناه، وغيرها من الأفكار حول معنى الخوف، ومعاني أشياء كثيرة تبدو عادية ولا نتوقف لنتأملها من دون أن يكبح ذلك انسياب الحكاية، ورشاقة النص. كما أن خفة الظل ووضع المواقف المضحكة ضرورية أيضا في نصوص هذا العمر.

 ·        هل أفادك تكرار التجربة؟ من المعروف أن الكتابة حليفها الممارسة.  ما الفوارق التي تراها بين بداية كتابتك للناشئين وما تلا عملك الأول لهم؟ 

مصاصو الحبر تعتبر لسن أكبر قليلا يعني بين 12- 16 سنة، لكن الرواية الأولى ربما تناسب العمر بين 10 – 14 سنة.

وبالتالي هناك اختلاف نسبي في مستوى اللغة في كل منهم. في مغامرة في مدينة الموتى كنت حريص على التشويق، كلمة بكلمة وسطر بعد آخر، حريص على الوضح التام في صياغة كل جملة، وتتابع الفصول والأحداث.

في مصاصو الحبر ربما كان المعجم اللغوي أكبر نسبيا، وهناك مقاطع مثلا من كتب علمية ووسف لتجارب في الكيمياء، ثم مملكة كائنات خيالية هم مصاصو الحبر. أما في العمل الجديد الذي لم ينشر بعد “الفتاة الآلية والأشجار آكلة البشر” فقد حاولت فيه المزج بين شخصيات من الماضي مع أبطال العمل ثم الوصول بهم جميعا للمستقبل في إحدى الدول الإفريقية، وحاولت تنويع وسيلة السرد بين ضمير الغائب في فصل وضمير المتكلم في فصل آخر بحيث يتم لفت انتباه القارئ لفكرة تنوع اختلاف التقنيات السردية. وطبعا حاولت تراكم خبرتي في التشويق أكثر.

 •        في رأيك هل يُروج لكتب الناشئين بشكل كاف؟ وهل هناك اهتمام من دور النشر بتلك الشريحة من القرّاء؟

 للأسف لا، لأن السائد كان مغامرات هي بطبيعتها مسلّية ومنتشرة على نطاق كبير جدًا، وبالتالي لم يلتفت أحد بالقدر الكافي بعد للتجارب الأكثر جدية في الكتابة للناشئين. وأيضا لم تهتم دور النشر كثيرا بهذه المرحلة، فهي تهتم أكثر بالأطفال، وخصوصًا مع النقص الفادح في عدد الكتاب الذين يهتمون بالكتابة لهذا العمر. لكن هناك في الحقيقة اهتمام بترجمة بعض الأعمال الأجنبية الموجهة لهذه الفئة العمرية، وهناك تجارب مهمة في هذا الصدد مثل تجربة دار المنى التي تكرس كل ما تنشره لترجمة أعمال كتاب الثقافة الإسكندنافية في هذا الصدد، وهي ثقافة لها باع طويل في هذا المجال خصوصا أن بينها أحد ابرز كتاب الأطفال الدنماركي هانس كريستيان أندرسن، وعرّفت القارئ العربي اليافع على كتّاب بارزين لأدب الناشئة في الدنمارك والسويد والنرويج ومنطقة إسكندنافيا بشكل عام، مثل جوستاين آرنر، مؤلف عالم صوفي، مونيكا زاك، ماريا هادرلاب، أستريد لاندرجرين، ماري هرمانسون (عالم المحار)، وغيرهم الكثير.

وهنا كانت محاولتي لكتابة أعمال تؤهل الشباب لقراءة الروايات، والاستمتاع بأعمال تمزج الواقع بالفانتازيا، وتتجول في الزمن في الماضي والمستقبل.

•        هناك اعتقاد أن أدب الناشئين يجب أن يتسم بالبساطة مما قد يصل به أحيانا لدرجة السطحية بسبب تصور بعض الكتاب أن قرائهم المستهدفين تصعب عليهم بلاغيات الفصحى. ما رأيك في هذا الاعتقاد؟ وهل ترى أن هذا قد يكون السبب في رفض بعض النقاد تصنيف بعض أعمال أدب الناشئين كأعمال أدبية متكاملة؟

 هذا الاعتقاد غير الواقعي متوفر بإفراط للأسف. وهذا ما أشرت له في سؤال سابق. بينما هناك أعمال أجنبية للناشئة مذهلة من حيث طبيعة الموضوعات التي تتناولها، وكم الخيال المبهر فيها، وكذلك من حيث تقنيات الكتابة. هناك أعمال حقا يمكن للكبار أن يقرأوها ويستمتعوا بها ويشعرون أنها تحترم عقولهم وهي أساسا موجهة للناشئة. ويحضرني منها الآن مثلا رواية “سارقة الكتب” للأسترالي ماركوس زوساك.

 وبمناسبة الفصحى، فقد كتبت بعض جمل الحوار في روايتي الثانية للناشئين “مصاصو الحبر” بالعامية، وكانت المفاجئة أن قارئا عمره تسع سنوات قرأ النص واتصل بي ليخبرني بانزعاجه من العامية وأنه كان يفضل أن تكون الحوارات بالفصحى حتى يفهمها أكثر، وهذا في تقديري مؤشر خطير ومهم جدا يكذب دعاوي انتشار العامية في نصوص كثيرة بعد انتشارها في الإعلام.  

•        إذا ما عقدنا المقارنة بين سوق النشر المصري وسوق النشر العربي وما بينهما وبين الأسواق العالمية من حيث انتاج أدب الناشئين وتسويقه، ما هو رأيك في تلك المقارنات بناء على اطلاعك وتجربتك الشخصية؟

 –        طبعا سوق النشر المصري هو أكبر سوق لأدب الأطفال، وهناك دور نشر مصرية ومؤلفون مصريون يحصلون على جوائز دولية مرموقة في مجال أدب الأطفال من سنوات طويلة، لكن ذلك في مجال الأطفال اكثر كثيرا من الناشئة، وأعتقد أن دولة الإمارات الآن، على سبيل المثال، من أكبر الدول العربية الداعمة لكتابة الأطفال والناشئين، وأجهزة الدولة تشجع ذلك وتقر الأعمال الموجهة للناشئين في المدارس، وتجري مسابقات قراءة مستمرة، وتشجع دور النشر الخاصة وتدعمها، كما تقيم مهرجانات دولية المستوى للكتابة للأطفال، خصوصا في الشارقة التي تقيم مهرجانا دوليا سنويا يستقطب أبرز كتاب الأطفال والناشئة في العالم وهو “مهرجان الشارقة القرائي للطفل” وكذلك  في دبي.

وعلى سبيل المثال فقد دعيت العام الماضي للمشاركة في مهرجان دبي للآداب، وهناك التقيت في ندوة كبيرة مع 300 طالب وطالبة اختيروا من بين مجموعة كبيرة من الطلبة لعمر الناشئة وزعت عليهم روايتي “مصاصو الحبر” وأجريت لهم مسابقة حولها، وهناك أعمال أخرى لكتاب آخرين أيضا أجريت بنفس الطريقة. وقد كانت هذه بالنسبة لي فرصة رائعة للتعرف على الطريقة التي يفكر بها هذا الجيل وما يحب أن يقرأه وما يتمنى أن يراه في الكتابة الموجهة له، كانت خبرة مهمة جدا، وبعض القراء من هذا العمر على تواصل معي الآن ويحاولون إقناعي في الاهتمام بتفاصيل خاصة أغلبها مثلا يتعلق بضرورة الاهتمام بالسيكولوجي في القصص الموجهة لهم.  

•        تصدر بعض الأعمال الأدبية وتحقق نجاحا مبالغا فيه بين الشباب على الرغم من تدني مستواها الأدبي بإجماع النقاد وردا على النقد يزعم البعض أنها أعمال شبابية.  هل تُعتبر الأعمال المماثلة أدب ناشئين بالفعل؟

 –        لا طبعا، هذه حيلة من حيل الترويج لأعمال تجارية سواء اتفقنا أو اختلفنا على بعض ما قد يصدر منها، في غياب تام للنقد الأدبي لأعمال البالغين قبل الناشئة، فتخيلي أن نوعا أدبيا كاملا، وأقصد به هنا أعمال الناشئين، ينتج في ظل غياب أو عمى نقدي تام، وهذا أمر مروع. والحقيقة مثلا أن دار نشر مرموقة مثل دار المنى في السويد تترجم للعربية أعمال الكتاب السويديين للناشئة تدلل على الشعبية التي يتمتع بها العمل الأدبي للناشئة إذا كان جادا ورصينا وذو خيال. كما أشرت، وإصدارات هذه الدار تكشف الخدعة التي يعيشها الشباب العربي الذي نشأ على سلسلة وحيدة مثل رجل المستقبل أو رجل المستحيل ذات الطابع والخيال الأمريكي في الحقيقة.

ولكن السبب الأساسي يعود لقلّة عدد الكُتّاب أساسًا، وفراغ المجال النقدي، وأتمنى أن نرى مستقبلا متخصصين في نقد أعمال الناشئة، من المطلّعين على التجارب اللانهائية من أدب الناشئة في أوربا.

·        نحن أيضا نتمنى هذا والدافع الأساسي لهذا الحوار كان لتعريف القراء بأهمية ذلك النوع من الأدب، وفي ختامه نسألك لا ككاتب ولكن كمحب للأدب وكأب لفتاتين بالمرحلة العمرية التي يدور الحوار عنها.  ما هي الطريقة التي تحبب بها بناتك بالقراءة؟  

 الحقيقة أن خبرتي في هذا الموضوع اختلفت جدا بين ابنتي اللتين يفصل بينهما فارقا عمريا يصل لسبع سنوات، فبينما بدأت مع الكبرى القراءة وهي لا تزال في عمر ثلاثة شهور حيث كنت أقرأ لها بالفصحى لكي تستسيغ أذنها اللغة، وبدأت في تزويدها بالكتب المطاطية المصورة في شهور السنة الأولى، وذهبت بها للمكتبات في عمر صغيرة ونشأت مُحبّة للقراءة وأجادت العربية، لكنها لاحقا في سن المراهقة بدأت تميل للميديا المصورة مثل الدراما السيكولوجية مثلا، أكثر من القراءة، واليوم شبه متوقفة عن القراءة بالعربية وتكتفي بالفرنسية والإنجليزية لأنها، على حد قولها، لا ترى في الكتب العربية ما يجذب انتباهها.

أما الصغرى فنشأت في زمن الآيباد وبالتالي نشأت على اللغة الشفاهية للأفلام الكارتونية، وتعلمت اللغة الفرنسية ثم الإنجليزية بشكل أيسر من اللغة العربية مع الأسف، وهذا ما دعاني حقيقة للاتجاه إلى الكتابة للأطفال خصيصا لكي أحاول أن أشجعها على القراءة بالعربية، وقد كان ذلك بطلب منها. ومؤخرا رأيتها تمسك بكتاب بالإنجليزية ومستغرقة فيه تمامًا وهو Diary of a Wimpy Kid، وعندما أعطيت لها النسخة العربية من نفس الكتاب قالت لي أنها لم تستمتع به ولم تفهمه بنفس قدر فهمها للنسخة الانجليزية، وهذا مأزق كبير، نعيشه اليوم يعكس شئنا أم أبينا طبيعة التحدي الذي يواجهه هذا النوع الأدبي، ولا زلت أحاول التغلب على هذا المأزق فيما يخص تجربتي مع ابنتي الصغرى، في التركيز على القراءة بالعربية معا ومساعدتها في دراسة اللغة العربية ، بالإضافة إلى حرصي على كتابة المزيد من الكتب الموجهة للأطفال، وأتمنى أن تحدث طفرة كبيرة في الكتابة للأطفال بالعربية، من أجل تحبيب الأطفال في لغاتهم الأم أكثر، في ظل منافسة شرسة من الميديا الغربية لهذا المجال.

مقالات من نفس القسم