ألبير كامو .. كتاباته الغرامية إلى ماريا كازارس:  الرسائل : 19 /20/ 21

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 94
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ترجمة : سعيد بوخليط 

الرسالة رقم (19)

الثلاثاء 15 يناير 1946(1)

صغيرتي ماريا،

حينما عدتُ من رحلة سفر أخبرني أوتلي(2) بالفاجعة (3)ولايمكنني وأنا بصدد تدبيج هذه الرسالة إليكِ السيطرة على حزني وكآبتي.أفترض عدم إمكانية إقراركِ بحقي في أن أتقاسم وإياكِ  لحظات سعادتكِ،في المقابل، يبدو أني قد احتفظت لنفسي،رغم تواجدي بعيدا عنكِ، مشاطرتكِ، لحظات آلامكِ وأحزانكِ. أعلم كفاية مدى جسامة حزنكِ في الوقت الراهن ثم كونه غير قابل للمواساة.

أضمرت لأمِّكِ تقديرا معينا واحتراما قلبيا يليق بأشخاص انتموا إلى عيِّنة خاصة :كائنات هيِّئت تحديدا لكي تدمن الحياة.بالتالي،يبدو لي ما وقع  جائرا جدا وبشعا للغاية !

  لِما ذلك!لاشيء بمقدوره تعويض الحب الذي ربط بينكما. إنّ جانبا من احترامي لشخصكِ ينبع مما عاينته عن ذلك الحب.أشعر بالأسف وأنا أتصور طبيعة الغضب وكذا التمزق الذي تكابدينه في الوقت نفسه. نعم، قلبي معكِ كليا منذ علمي بما وقع، واليوم أتوخى أكثر من أي وقت مضى تقديم أفضل ما لدي حتى أتمكن من معانقتكِ بكل حزني.

*هامش :

: (1) أنهت كازارس علاقتها مع ألبير كامو أواخر سنة 1944،حين عودة فرانسين(زوجة كامو)إلى باريس.

: (2) بول أوتلي، ممثل ومخرج (1890-1959) ،صديق ألبير كامو و(عم أو خال ) فرانسين كامو،أدى دور الخادم في مسرحية “سوء تفاهم” سنة 1944، وأخرج مسرحية كاليغولا التي عرضت في مسرح ”هيبرتو” شهر شتنبر 1945 .  

(3) : غلوريا،والدة ماريا كازارس،توفيت يوم 10يناير 1946 في مستشفى كوري بباريس،عن سن  يناهز الثالثة والخمسين .

                              

           الرسالة رقم(20)

*الثلاثاء مساء 26 يوليو1948 (1)

وصلتُ البارحة مساء عائدا من سفر، منهكا لأن طي المسافة استغرق يومين ولم أغمض جفنا(2).لم أستطع البارحة النوم عميقا وأتوقع نفس الحالة خلال هذا المساء،نظرا لحرارة الجو المرتفعة جدا،ثم احتشاد الكثير من زيز الحصاد والنجوم مما يفقدني الرغبة في النوم. على الأقل،وأنا بصدد الكتابة إليكِ… تذكرت بأني أرسلت لكِ بعض الكلمات الجوفاء،وأنا في طريق العودة. عشتُ وقتئذ حالة غريبة، تلاحقني التعاسة مع كل دوران للعجلة، وفي نفس الوقت تضيء طريقي سعادة معينة كما لو وصل المستحيل فجأة.وقد حققت بفعله،هذا الصباح انتصارا على إحباطي،عانيته مدة شهر ونصف،حاصرتني خلالها مختلف أحزان العالم،وأنا بعيد عنكِ تفصلنا مسافة ثمانمائة كيلومتر.قلت مع نفسي :”لقد كتبت لها كثيرا”.لكن منذ قليل،بينما أتجول وحيدا،ليلا،وفوق تل صغير مغطى بأشجار اللوز،اكتسحتني خلال لحظة جميلة جدا،وأنا في غاية الهدوء،منطلقا شيئا ما،رغبة أن أشارككِ هذا البلد الذي أعشقه،وقد بدت لي حقيقة استحالة الكتابة إليكِ،ومخاطبتكِ بمجمل قلبي وغرامي.مع ذلك،اقتضي الأمر المحاولة وبالفعل نجحت.حالَما أستريح قليلا وأشعر بأني مزاجي أفضل أتمنى أن تبادري(أود القول الكتابة إلي أو احتفظي برسائلكِ).آنيا، قلبي منقبض بحنان غير مألوف وأنا أستعيد اللحظات التي قضيناها معا،بحضوركِ الجليل،ثم وزنكِ وأنت فوق ذراعي نتسكع في القرية،صوتكِ،والعواصف.أساسا، اكتبي إلي،لا تتحولي بوجهكِ عن وجهتي.فأنا لاأعرف شيئا خارج مجالكِ،لاشيء سوى أنتِ ولا أكون صاحب قدرة إلا بوجودكِ.فليستمر ترابطنا مثلما عرفنا الأمر سابقا ولنتضرع إلهكِ كي يبقي عناقنا ولاينتهي قط.أو بالأحرى، لنفعل بهذا الصدد ما يلزمنا القيام به، فذلك أكثر يقينا.

إلى اللقاء، عزيزتي، صغيرتي ماريا.

إلى اللقاء،سأضمكِ ليلا، مثلما أريد.

راجعي كتيب مدينة قادس (3)،الصفحة 86 السطر العاشر(ثم احسبي السطور التي تضمنت اسم الشخصيات). 

هامش : 

1-استقر كامو في باريس مع زوجته فرانسين وطفليه التوأمين،وعرف خلال هذه الحقبة نجاحا أدبيا كبيرا بفضل روايته الطاعون(غاليمار،10 يونيو 1947)،ثم استأنف ثانية علاقته الغرامية  مع ماريا كازارس يوم 6 يونيو1948،نتيجة شرارة لقاء عابر في شارع سان جيرمان.انفصلت ماريا عن جون بليني،المنحدر من أسرة عرفت بزراعة كروم النبيذ في منطقة بوردو،وهو العاشق الذي ارتبطت به منذ بداية سنوات 1947،بعد تجربة سابقة عاشتها ماريا مع الممثل البلجيكي الصاخب جان سيرفي (1910- 1976).

2 –التحق كامو بأسرته في منطقة ”ليزل- سور- سورغ ”،لقضاء أيام الصيف،إلى جوار روني شار،والتركيز على تفاصيل مسرحية ”حالة طوارئ”،التي انبثقت من مشروع صحبة جان لوي بارو ثم انطلاقا من تأملاته الخاصة في رواية الطاعون.

3  – المكان الذي جرت فيه وقائع مسرحية حالة طوارئ.

 

  الرسالة رقم(21)

السبت31 يوليو 1948

لقد مرت ستة أيام على قدومي إلى هنا ولم أعتد بعد على غيابكِ. ينتابني شعور مفاده أننا عشنا معا طيلة أسابيع بانتشاء، ثم انتُزِعتُ دفعة واحدة وقُذِفت صوب الجهة الأخرى من فرنسا.هكذا بقيت شديد الحيرة بحيث لو امتلكت فقط الوضوح الضروري كي أتبيّن إلى أي حد يعتبر هذا الوضع حمقا. كل ما أعرفه، أن مكاني ليس هنا،بل جوار من أحب.ثم تظل جل التفاصيل الأخرى بلا جدوى أو نظريا.منذ قليل وأنا أتجول همست لنفسي بأنه من البلاهة ممارسة حياتي دون أن أتلقى إشارة منكِ.إذا أحبَّ أحدنا الثاني، فيلزمنا الحديث ،ويدعم أحدنا الآخر،ثم نتعلق ببعضنا معا.عندما يتداخل ذلك سنظل متوحدان حتى النهاية مهما جرى.اكتبي إلي إذن، باستمرار ولأجل طويل قدر ماتشائين.لا تتركيني وحيدا،عزيزتي.فلسنا دائما أقوياء،أو أكبر من آلامنا، مهما اعتقدتِ. فخلال الأوقات التي نشعر معها أننا أكثر بؤسا،حينذاك وحده الحب بوسعه التكفل بإنقاذ كل شيء.وأنا بعيد جدا عنكِ، وأشعر إلى أي حد تضخم قلبي بكِ، في المقابل أعجز عن تخيّل حقيقة قلبكِ.حدثيني، أخبريني ماذا تفعلين، وبما تشعرين.ماذا فعلت إذن خلال هذا الأسبوع المنقضي؟ إحدى المبررات التي تدفعني إلى  التردد في أن أطلب منكِ الكتابة إلي، تعود أيضا إلى  حرصي كي لا أزعجكِ، أو إرغامكِ على التفكير بأني أنتظر ويلزم أن تكتبي إلي.عموما لن تبادري إلى مراسلتي خلال الأيام التي تنعدم لديكِ رغبة من هذا القبيل.ثم لما لا أزعجكِ قليلا. هيا، راسليني بسرعة، بكلّ فؤادكِ.أنتظر اكتشاف وقائع يومياتك،ساعديني على تخيّلكِ.هل اكتسبت سحنتكِ سُمرة،أي جمال يبعثه الامتزاج؟ما شكل تسريحة شعركِ؟.

 منذ وصولي إلى هنا، وأنا أكابد كي أفصح عن هواجسي: لا أعثر على الكلمات المناسبة.أيضا أحس مدى رداءة مستوى رسائلي إليكِ.مادامت رغبتي الوحيدة انصبت على تطلعي إلى المكوث صامتا بالقرب منكِ، كما حدث في أوقات سابقة، أو أستيقظ، وأنت مستغرقة في نومكِ، ثم أشرع في تأملكِ طويلا،منتظرا لحظة استيقاظكِ.عشقتُ هذا المشهد،ويعتبر مكمن سعادتي ! أتشوق إليه دائما.في انتظار ذلك،تمر الأيام رتيبة.أستيقظ باكرا، أجلس قليلا  للاستمتاع بدفء أشعة الشمس،أكتب طيلة الصباح،أتناول وجبة الغذاء،ثم أقرأ،بعد الظهيرة أواصل الكتابة،وخلال المساء أخرج رفقة بات Pat،كلب طاعن في السن جعلته صديقا،للتجول معا وسط تلال جافة، يغمرها حلزون أبيض صغير جدا،تحت كنف ضوء رائع. في المساء، أواصل أيضا الكتابة قليلا، لكني أتحول باكرا إلى سريري وأنام، أخيرا،أنام.هكذا أتوارى عن وجهي الكدر.لكن حاليا، وقد اسمر لونه وتجدد شبابه، ربما نلتُ بعض الفرص،كي أحظى بإعجابكِ.المنزل فسيح، يقع وسط القرية( يبعد مركز القرية بكيلومترين).أشجار رائعة، من فصيلة الصنوبر،والزيتون،ريف في غاية الروعة بحيث سيشعر بالظلم، وأنا بصدد الحديث عن الجمال هنا،ثم لا أتوقف ضمنيا عن التفكير فيكِ.ألم أخبرك بأنها قرية بيتراركا وكذا لور(1)؟”سأحس بالشبع،عندما تظهر!” في انتظار ذلك،حان دوري للإحساس بالجوع والعطش.

منذ قليل،كانت سماء الليل زاخرة بنيازك.ولأني أصبحت برفقتكِ عارفا بلغة السحر، فقد بعثت لها ببعض الأماني المتناثرة خلفها. فلتسقط، هناك عندكِ، مطرا على وجهكِ الفاتن، فقط إن رفعتِ عينيكِ هذه الليلة نحو السماء.فتحدثكِ تلك النيازك عن النار،والبرد، الأعالي، والقطائف، أن تروي لكِ الحب،كي تظلي متماسكة،ثابتة،متصلبة غاية عودتي،جامدة تماما،ماعدا قلبكِ،ثم سأوقظكِ من جديد.

إلى اللقاء عزيزتي،أنتظر رسالتكِ،أنتظركِ.اهتمي بنفسكِ،اهتمي بنا معا.

 

* هامش :

 (1) بيترارك(1304- 1374)، ينتمي إلى أسرة تنحدر من  فلورنسا، تعرضت للنفي،فأقامت لسنوات عديدة في منطقة “فونتين- دو- فوكلوز”،على ضفاف نهر لاسورغ…،قبل ذلك بسنوات قليلة،التقى بملهمته  لورLaure، في منطقة أفينيون.  

……………..                                                                 

 **مصدر الرسائل : ألبير كامو/ماريا كازارس : مراسلات (1944- 1959)؛منشورات غاليمار 2017

(1)استقر كامو مع زوجته فرانسين وطفليه التوأمين في باريس. خلال تلك الفترة عرف كامو نجاحا أدبيا كبيرا بفضل روايته الطاعون (غاليمار،10 يونيو1947 ) ،وقد ارتبط من جديد مع ماريا كازارس يوم 6يونيو 1948،جراء لقاء عابر في شارع سان جيرمان.كانت الممثلة قد أنهت علاقتها مع جون بليني المنحدر من أسرة اهتمت بفلاحة زراعة الكروم وصناعة النبيذ،العاشق الذي أتى منذ سنة 1947،بعد الممثل البلجيكي الصاخب جان سيرفي(1910- 1976).

 (2)المقصود بذلك موقع حدث مسرحية حالة الطوارئ

مقالات من نفس القسم