أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 42
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

طارق إمام

الحياة

 

كلما انتقلتُ إلى شقة جديدة، يطالعنى نفس الجار.

 أخاف في البداية، أستغرب، لكنه يطلب التعرف إليَّ بترحيب الغرباء بينما يمد يداً لا تعرفني، وكأننا في تمثيلية محكمة من صنعه.

كل مرة، نفس الشخص، لكن بحياة مختلفة، بمهنة جديدة، بمزاج لم يكن له، بأُسرة حلَّت من العدم لتحط على كتفي حياته: حياته التي تنتهي للأبد كلما تركتُ بيتاً، وحياته التي تبدأ على عجل، على عتبة كل باب جديد أفتحه، فقط ليظل جاراً لي.

 

حصان في حجم الكف

 

هناك، في الغيطان الشاسعة، وحيث صحبوني معهم مضطراً، رأيت حصاناً صغيراً، في حجم راحة اليد. كان يصهل، ربما صهيله هو ما نبهني لوجوده، بينما كان يركض أسفل قدمي كحشرة كبيرة، مختفية بين الحشائش القصيرة، التي سيصير عليّ أن أصفها بالعملاقة بعد ذلك وأنا أذكره.

توقف قليلاً، ليلتقط الأنفاس، حيث تمكنتُ من رؤية لجامه الدقيق، وحوافره التي بدا أنها كانت تؤلمه. كنت أفكر في حمله وتأمُّله بين كفي، لكنني خفت أن يحوّلني إلى رجلٍ صغير. لقد كان واقعياً إلى درجة لا يمكن معها وصفه، خاصة بعد أن رفع إحدى قائمتيه الخلفيتين وأطلق خيط بول ساخن تصاعد معه البخار من الأرض الترابية، ثم قذفت مؤخرته بقطع الروث النفاذة.. ثم صهل مجدداً، صهيلاً صغيراً، لا أدري كيف يمكنُ الآن لرجلٍ صغيرٍ مثلي أن يصفه.

 

يوميات لم تحدث

 

ذات يوم قررتُ أن أستبق يومياتي، بحيث لا أضطر لتحمل ذلك العبء الممل بكتابتها بعد أن تقع. بدأتُ بمستقبل قريب، كان غداً ما، من السهل تذكره. كان يوماً أقرب لماضٍ منه لمستقبل. وقع بالضبط ما كتبته، كأن اليوم أجهد نفسه بإخلاص ليحاكي ما كتبت، كأن كل ما لم يحدث صار ذاكرتي. عندما مر الاختبار بنجاح، شجعني على تأمين يومياتي لفترة أطول. أجلس يوماً في الأسبوع، لأكتب ستة أيام قادمة، شاحذاً ذاكرتي، ذاكرتي المستقبلية.

في أي لحظة سأموت فيها، ستكون هناك بضعة أحداث وقعت في حياتي بالفعل، لا ينقصها سوى أن أعيشها.

 

الطريقةُ التي تربي بها المدينةُ كلابَها

 

لا أحد يعرف كيف تربي المدينةُ كلابها، كيف تجعلها تقف عند الأبواب الزجاجية للفنادق، أمام واجهات محال الملابس ومطاعم الوجبات السريعة.. تتأمل البشر.. فقط تتأمل، بما يليق بكلاب تربت في المدينة.

لا تنبح في وجه السادة. لا تطلب الطعام. لا تلاحق عشيقين في شارع مظلم بالنباح.

في المدن الصغيرة لا تفوت الكلاب فرصة للانتقام.

في المدن الصغيرة تموت الكلاب في الطرق وتلتهمها القطط.. لكن في المدينة الكبيرة، الكلاب تعرف ماذا عليها أن تفعل لتعيش طويلاً.

 

كل الأسماء

 

في شارعنا الذي هناك، لا أسماء للمحال، لا لافتات للشوارع. إن الناس أنفسهم لا يحتاجون أسماءهم، هم يحصلون عليها فقط بحكم العادة، لأنهم يعرفون _ دون أن يدرون لماذا _ أن الشخص يجب أن يحصل على اسم.

الموت فقط يعرف أسماءهم، لأنها تُحفَر على المقابر لحظة ميلادهم.

بسبب ذلك على الأرجح، يٌصدِّق الناس الذين هناك أنهم يحصلون على أسماء، فقط كي يموتوا.

 

لو تقول شيئاً

 

تود النوافذ والبيوت لو تتحدث، لو تقول شيئاً، غير أنها لا تفعل.

الناسُ هنا، في ليل المدينة المزدحمة، يتحدثون بما يكفي، بل أكثر من اللازم.

تفكر النوافذ والبيوت، وتود من جديد لو تتحدث، لو تقول شيئاً، غير أنها تخشى الصدى الرهيب لكلماتها في كل هذا الصمت.

 

القصيدة

 

يحدث أن تفتش في جيب قميصك عن سيجارة، عن قطعة عملة، عن مفتاح بيت غادرته، فتفاجئك قصيدة.

أنت لن تعرف هل فاجأتك القصيدة في ورقة مطوية أم في رأسك التي تفكر في قطعة العملة، في السيجارة، أو في باب البيت.

في جميع الأحوال: القصيدةُ كُتِبت.

…………….

(نصوص تنشر لأول مرة من مجموعة قصصية جديدة)

 

عودة إلى الملف

 

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون