أشرف الصباغ يواجه “رياح يناير”

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 31
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

د.مصطفى الضبع

د.أشرف الصباغ شاب مصري حاصل على الدكتوراه في الفيزياء النظرية والرياضيات من جامعة موسكو الحكومية – كلية الفيزياء (1993)، نموذج للمثقف العربي الجامع بعمق بين ثقافتين يقيم بينهما معبرا، له تجربة لها خصوصيتها في كتابة نص سردي يجمع بين ثلاث مرجعيات تؤثر بقوة في تشكيل تجربته السردية:

  • ثقافته العربية في مساريها: التراثي والحديث، وهو ما يكشف عنه نصه المتميز حد الإدهاش “قصيدة سرمدية في حانة يزيد بن معاوية ” من مجموعته القصصية ” صمت العصافير العاصية”.
  • تخصصه العلمي الذي يلقي بظلاله على عالم الكتابة لديه ويشكل الجانب المعرفي والفلسفي في تقديمه نصا متميزا قادرا على التأثير في متلقيه دون مشكلات التلقي التقليدية التي يعانيها المتلقي العربي (الغموض مثلا).
  • علاقته بالأدب الروسي خاصة والثقافة الغربية عامة.
  • وهي مرجعيات تتبلور بوضوح في تجربته الإبداعية والفكرية، تتجلى أولا في مجموعاته القصصية: (قصيدة سرمدية في حانة يزيد بن معاوية- دار النهر القاهرة 1996)- (خرابيش- دار النهر – القاهرة1997 )- (العطش- دار سما – القاهرة  1997) – (صمت العصافير العاصية – دار العين – القاهرة 2014)، وفي روايتيه:  (مقاطع من سيرة أبو الوفا المصري- الدار – القاهرة 2006 )- (رياح يناير – دار العين للنشر – القاهرة 2014).

وفي ترجماته عن الروسية:

  • نتاشا.. العجوز- قصص فالنتين راسبوتين -المجلس الأعلى للثقافة- القاهرة 1998.
  • جوانب أخرى من حياتهم- المجلس الأعلى للثقافـة- القاهرة2000.
  • الفنون التشكيلية في جمهورية مصر العربية-هيئة قصور الثقافـة-القاهرة 2000.
  • الأدب الروسي في السنوات العشر الأخيرة، الاتجاهات والآفاق، دراسة نقدية ونماذج إبداعية – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة 2002.
  • بلا غد، كونديرا بين بلزاك ودينون – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة 2002.
  • في المستشفى،قصص فالنتين راسبوتين – آفاق للنشر والتوزيع – القاهرة 2009.
  • المهلة الأخيرة، رواية فالنتين راسبوتين – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2009.
  • الوصية السياسية، أفكار بليخانوف الأخيرة- مكتبة مدبولي- القاهرة2010.
  • مختارات من الأدب الروسي المعاصر والحديث – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2012.

وفي دراساته:

  • الابتزاز الصهيوني والهم الإنساني – المجلس الأعلى للثقافـة-القاهرة 1999.
  • المسرح الروسي بعد الانهيار- هيئة قصور الثقافة- القاهرة
  • السرد والمسرح – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة 2000.
  • غواية إسرائيل، الصهيونية وانهيار الاتحاد السوفييتي – جماعة حور الثقافية – القاهرة 2000.
  • 10سنوات على انهيار الاتحاد السوفيتي – مؤسسة سطور- القاهرة 2001
  • الدروس المستفادة من الثورة الروسية – المجلس الأعلى للثقافة- القاهرة 2012.

في روايته الأحدث “رياح يناير” يقف  السارد عند المجتمع المصري ممثلا في شريحيتين مكانيتين أساسيتين: القاهرة – مرسى مطروح، منتجا رؤيته عبر عدد من الطرائق، منها تلك  المقولات التي تكون بمثابة العلامات الدالة على صاحبها أولا، وعلى سياق النص ثانيا،وعلى قدرة السارد على صياغة رؤيته للعالم ثالثا، وهي مقولات يتبناها النص ويطرحها وفق ثلاث طرائق:

  • في سياق الحوار على لسان شخصية ما، كما ورد على لسان سمير منسي في حواره:

“ليس لدينا طبقة عاملة بالمعنى الذي أوضحوه في الكتب……..،والقضية ليست في وجود طبقة عاملة أو عدم وجودها، القضية في تغيير نمط الحياة والتفكير والنظر إلى العالم ” (ص 84)

  • والمقولة فيما تدل عليه تشير إلى:
  • الفارق غير الهش بين ما تطرحه الكتب (في الغالب تكون الإشارة لمقررات التربية والتعليم ) وهو مستوى يتأسس على التعبير الدارج الذي يوظفه السارد لخدمة نصه.
  • اختزال القضية الاجتماعية أو القضية التي تمثل خلاصة قضايا المجتمع العربي في التغيير، ذلك الفعل الذي لا يمارسه المجتمع ولا يشعر بخطورة عدم ممارسته.
  • في سياق السرد تمهيدا للحوار مع الآخر، كما يرد في وصف السارد للحظة الحوار بين الجسدين تلك السابقة والممهدة للحوار بين لسانين يختزلان شخصيتين:

” ويبقى الصمت لغة وحيدة يمكنها التعبير عن رحلة اللذة العابرة، استعاد كل منا خلاياه من جسد الآخر ” (ص 139)

مقولة تنحو منحى آخر يخرج من رحم السياق الشعري الذي تأخذه الرواية في بعض جوانبها، تعلو فيه اللغة لتكشف عن طاقاتها الكبرى وتمثل نقاط هدوء مركزي في سياق صخب الرواية وقد أدرجها السارد هنا  في موضع خاص من أحداث الرواية لتشير إلى علاقة حميمة تفقد فيها اللغة المنطوقة قدرتها على التعبير، كأن الصمت أصبح لغة اللذة العابرة غير الدائمة لأنها بطبيعتها )وصف اللذة بالعابرة هنا شديد الدقة فاللذة زمنيا قصيرة الوقت سريعة الانقضاء لا تحدث على مستوى التفاصيل الكبرى وإنما على مستوى التفاصيل الصغرى الخلايا التي تلتقي لتقيم حوارها مع بعضها البعض ).

  • في سياق السرد تمهيدا لحوار المتلقي مع النص أولا ومع العالم المختزل لواقعه ثانيا، وهو ما يتبلور في نظرية الأصفار التي يطرحها السارد ببساطة وعمق تعبيرا عن واقع متعين، ويتكرر تكرار المفردة ذاتها قرابة عشرين مرة (17 مرة ):

” الأصفار تُجمع رياضيا – على المستوى النظري – ولا تتقاطع. تتقاطع فقط عندما تُتَرَجَم إلـى بشر. أصفار اليمين تُجمع فتعطى ناتجا حسب موقع الأصفار، وهى كبشر تتلاقى فى أشياء كثيـرة مشتركة. ولكن ماذا عن أصفار اليسار؟! أصفار اليسار تُجمع أيضا ولكنها تعطى صفرا كبيرا، أو فى أحسن الأحوال تعطى صفرين أو ثلاثة لا قيمة لها. وإذا تُرجِمَت هذه الأصفار إلى بشر سنكتشف أنهم من أصحاب المستقيمات المتوازية، كائنات تقوم بحركات متوازية فى خطوط عرجاء مشوهة تنتج أشكالا ونظريات وأفكارا أكثر تشوها”(الرواية ص 82) يكاد هذا الطرح يمثل رؤية السارد الأعمق للحياة، ذلك السارد الذي يتماهى مع الروائي (المتخصص في الرياضيات والفيزياء وحاصل على درجة الدكتوراه فيهما )، كما يمثل الطرح واحدا من مفاتيح قراءة العالم الروائي للكاتب، وهو يطرح النظرية التي يجد القارئ صداها في  مجموعة الأشخاص الذين يتحركون في خطوط متقاطعة بين مكانين أساسيين: مرسى مطروح – القاهرة:

“فى نفس تلك اللحظة من منتصف يناير تقريبا، بأحد محاجر مرسى مطروح، ألقى منصور بزجاجة النبيذ الأولى خارج خيمته، وفتح الثانية وهو يلعن عثمان فارس.

طقس يناير بارد فى القاهرة العامرة بالمبانى والناس والسيارات، ولكنه فى الخلاء حيث لا يوجد سوى البحر والجبال والصحارى يصبح لعنة على الناس وخاصة الغرباء الذين جاءوا من أجل لقمة العيش”(الرواية ص 17)

جامعا بين الأشخاص في لحظة زمنية واحدة وفي مكانين مختلفين متباعدين، مما يعني اتساع الزمان وقابليته لما هو غير محدود من الأحداث، في مقابل محدودية المكان مهما اتسعت مساحته، وهي واحدة من القيم التي تطرحها الرواية والتي تتشكل جماليا من خلال التضفير الذي يعمد السارد على الاعتماد عليه فمع تعدد الأحداث يمكن للحظة الزمنية الواحدة أن تضم عددا لا نهائيا من الأحداث والوقائع التي تتعدد تبعا لتعدد الأمكنة نفسها والعكس صحيح على المستوى الروائي حيث يعدد السارد أمكنته تبعا لتعدد أحداث مرويته وهو ما يجعله يلجأ للتضفير بأن يجمع عددا من الأحداث المتوازية في نص محكوم بالتوازي على مستوى الكتابة، فما يحدث في الواقع متوازيا يطرحه النص الروائي متواليا دون أن يفقد صفة التضفير التي يجعلك السارد من خلالها متابعا

ولا تكتفي مفردة الأصفار في تعبيرها عن رؤية الكاتب بصيغة واحدة، صيغة الجمع في دلالتها على مجموع البشر في تمثيل العلامة الرياضية لهم، وإنما تأخذ العلامة صيغة أخرى “الصفر” التي يتكرر ورودها في الرواية (عشر مرات ) كما يراه السارد كاشفا عن نسبيته واختلاف وجهات النظر حوله وفق سياقات متعددة تمثل عددا من المنظورات الإنسانية:

“الصفر بالنسبة للتاجر ورجل الأعمال يمثل اللاشئ، ولكنه بالنسبة للباحث العلمى يمثل بالضرورة نتيجة هامة مثل أية نتيجة أخرى تتضمن أرقاما غير الصفر. وينطبق ذلك على الكميات السالبة التى تمثل خسارة فادحة للبعض، وتمثل نتائج علمية هامة للبعض الآخر” (الرواية ص 24).

وهي مسألة نسبية يخلص منها السارد إلى تحقيق أهداف أوسع تتمثل في عدد من الأطروحات التي يأتي في مقدمتها رؤيته لما يسميه المثقف النظري، وهي واحدة من أهم الأطروحات التي تبدو خفية تشبه خيوط الذهب في التربة الكثيفة، المثقف النظري ذلك المدعي ثقافته من خلال متعته الذهنية على حد تعبير السارد:”إن اكتشاف مثل هذه الأمور وتحليلها يمثل شكلا من أشكال المتعة الذهنية التى لا يتميز بها سوى المثقف النظرى الذى يدَّعى أنه متخصص فى السينما أو المسرح أو الفلسفة أو أنه كاتب رواية أو قصة أو ناقد عام وشامل- متعدد المواهب، أى باختصار المثقف الذى يمكنه أن يستخدمها للتدليل على أفكار أخرى تظهر قدرته العبقرية على الرصد والتحليل وتساعده على الاحتفاظ بحجم البروستاتا المتضخم لديه. لن نتحدث عن الباحث الرياضى أو الاقتصادى الذى يستخدم هذه الأمور النظرية ليس كمتعة، وإنما كضرورة، لأنها فى كل الأحوال هى من صميـم عمله”(الرواية ص 24)

يبدو الأمر محملا برؤية شخصية تعرف كيف تسوق نفسها من خلال ما تدعيه، وهو ما يطرح عددا من المستويات للتلقي قد يكون أولها الإدانة للمثقف ولن يكون آخرها نبذ فكرة الإدعاء، إدعاء المعرفة التي تفضي بدورها إلى التفلسف النظري الذي يأخذنا إليه السارد بصورة سلسة واضعا في أيدينا تحليلا لما نراه من إصرار على التفلسف الذي يمثل سمة من سمات الشخصية المصرية:”

ونظرا لأن علوم الرياضيات قد أصبحت صعبة ومعقدة، وأصبحت علوم الاقتصاد أكثر تعقيدا ولخبطة، لم يبق أمامنا سوى التفلسف النظرى الذى تعودنا عليه” ( الرواية ص 24)، وهو مالا يبتعد كثيرا عن الرؤى التي يطرحها السارد للكتابة في الرواية (ص 47 تحديدا ).

نجح السارد في تقديم صورة شديدة الدلالة للواقع المصري في لحظة شديدة الخصوصية عبر تجربة خاصة تليق بكاتب يعرف طريقه ويدرك كيف يحقق غايات الكتابة.

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
ترقينات نقدية
د. مصطفى الضبع

تناغم (22)