أرجوك.. راقبني

أرجوك.. راقبني
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد عبد اللطيف

مر عام بعد المائة الأولى على تأسيس الرقابة على الإبداع، دون أن نحتفل بالمئوية كما ينبغي بجلال الحدث. انشغلنا في الثورة وتوابعها، ولم نوفِ الرقابة حقها. كيف فاتنا أن نحتفل بها برفع شعار "أرجوك.. راقبني"؟ وكيف لم نتعرف على الرقباء ونجري معهم حوارات صحفية لنعرف كيف بفطنتهم استطاعوا الحفاظ علينا من شرور شياطين الإبداع؟ إنها أخطاؤنا المتكررة، صفات الحارة التي آفتها النسيان.

فات وسائل الإعلام المرئية والمقروءة أن تنبّه الشعب لميلاد الرقابة، وأن تعدّد مزاياها، أن تعرض الأفلام وتنشر الروايات الممنوعة لنعرف  كيف أنقذنا الرقيب من الوقوع في الخطايا وحجب عن عيوننا المناظر الجنسية البغيضة والكلام قليل الأدب والأفكار التي تهز الإيمان أو تدعو للتفكير الذي يجلب المآسي. الرقابة العظيمة، يمر عليها مائة عام وعام دون أن يشير لها مدحت شلبي في برنامجه الشهير عن كرة القدم، ودون أن يشيد بها توفيق عكاشة على قناته مرتفعة المشاهدة. لكن، يمكننا الآن، في الأيام الأولى من عامها الجديد، أن نتذكر معاً أهم ما قدمته للإنسانية، ليس فقط في مصر خلال أعوامها المائة، بل في العالم كله، وفي فترات تاريخية مختلفة وتحت سلطات متنوعة، إنها أحداث تملأ ملايين الصفحات البيضاء بالحبر الأسود. الرقابة العظيمة حرقت كتب ابن رشد المارقة، وأنقذت الأندلس حينها من الكفر والزندقة؛ منعت تدريس كتاب “أصل الأنواع” لدروين في الجامعات الأوروبية في القرن العشرين، لأنه يتعارض مع الكاثوليكية؛ حرمت نشر رواية “قابيل” لساراماجو في إيطاليا لأنها تقدّم رؤية جديدة للحكاية؛ سجلت قائمة طويلة من الكتب المحظورة في العصور الوسطى، لا لشيء سوى الحفاظ على استقرار المجتمع. غير أن هذه الرقابة كانت ضعيفة مقارنة برقابتنا، الفرعونية كحضارتنا القديمة، هكذا نجدها لا تكتفي بالحفاظ على المستقر فحسب، بل وتراعي مشاعر القراء. الرقابة المصرية حافظت، طوال تاريخها ودون ملل أو كلل، على الذات الإلهية وحرمة الجنس وقدسيته من الابتذال، وعلى صورة الرئيس والسلطة، وبنفس المنطق حافظت على صورة رجال الدين، وهذه من القيم المصرية التي ناضلت من أجلها. والأزهر بدوره أدلى دلوه، فأصدر بياناً بتكفير فرج فودة ترتب عليه اغتياله، وكفّروا أسامة أنور عكاشة وسعوا لتفرقته عن زوجته في أروقة المحاكم، فقط لأنه قال رأياً مخالفاً في عمرو بن العاص. وقصة نصر حامد أبو زيد معروفة، لا داعي لتكرارها، ومنع كتاب جمال البنا “مسؤولية فشل الدولة الإسلامية في العصر الحديث” ورواية “سقوط الإمام”لنوال السعداوي، و”وليمة لأعشاب البحر” ومن قبلها “ولاد حارتنا” خير مثال على حرص الرقيب على صون رهافة الحس المصري والمحافظة على “الأخلاق الإسلامية”.

الرقيب، إذن، أب ونحن أبناء، رئيس ونحن نفس الأبناء، أم مرضعة ونحن الرُضّع، فصفتنا كابن يحتاج البزازة لا تتغير أبداً مع اختلاف شكل الرقيب، الذي ارتدى من قبل الباريه والآن يطلق اللحية، ويجرنا وراءه كمعزة تجر فردها ليأكلا من حشائش الأرض. 

الآن، في الأيام الأولى من العام الأول بعد المائة، ومع انتقال الرقابة من الدبابة إلى السيف، قررتُ كروائي متمرد يعترض على الأشكال التقليدية، أن أرفع شعار: “أرجوك.. راقبني” لأنني ببساطة سأقدم للرقيب المتحفظ كل ما يستحق مصادرته.       

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار