أحمر خفيف.. الرواية الشعبية الجديدة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 83
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد الله الحامدي

لا شك أن وحيد الطويلة نسي نفسه وخرج من إحدي رواياته، وهو من يومها يحاول العودة بلا جدوي .. احترف الكتابة، تسكع في المقاهي، مزق آلاف الأوراق، باحثاً ومنقباً ومتأملاً، فخرج أولاً بروايته "ألعاب الهوي"، ثم "أحمر خفيف" الصادرة عن دار الدار، وهذا هو اسم دار النشر وليس مصطلحاً صوفياً مشتقاً من بعض أجواء الطويلة الغرائبية.

قلت له صراحة لا أريد قراءة روايتك الثانية فأنت تطيح باللغة العربية الفصحي لصالح اللهجة المصرية التي أحبها، ولا أريد قبول هذا الضغط العاطفي، وقلت له إننا في الزمن الصعب رغم كل الادعاءات بأن الرواية ديوان العصر، فهي تستدعي وقتاً طويلاً وتفرغاً مخلصاً، ولو كان الأمر بيدي لاقترحت شكلاً مكثفاً من الرواية لكُتّابها، بحيث تدخل في عمق التفاصيل ولا يطول زمن قراءتها، لأسباب عصرية جداً.

ولكن ما إن وصلت “أحمر خفيف” إلي يدي في مقهي بسوق واقف اتضحت أمور كثيرة، منها أن الطويلة يعاني من كل هذه الهواجس، وهو يحاول التغلب عليها، في قلب المعمعة، وبين ضجة العابرين، وعندما مشيت في الصفحات أكثر وتعرفت إلي أبطال روايته الجديدة اكتشفت أشياء أخري:

أولاً في الرواية لغتان واحدة للمثقفين واللطائفيين ونخبة النخبة، وواحدة للناس، عامة الناس، في المقهي والأوتوبيس وتحت الكباري وبين الغيطان وعلي أطراف الترع والقري النائية.

ثانياً في الرواية بساطة وبراءة وعلاقة ودية مع القاريء من جهة، ثم تكسير عظام وضرب تحت الحزام وسخرية لاذعة لا مهاودة فيها ضد رموز السلطة والمجتمع الفاسدين من جهة أخري.

في الرواية ثالثاً بنية هيكلية ذكية قائمة علي التجزيء والتقطيع الفني المتشابك والمتضافر، حيث تقوم أساساً علي الشخصيات، فتحتل كل منها ركناً خاصاً بها، مثل رواد المقهي الذين ينطوي كل واحد منهم علي قصة، ولكنهم جميعاً يؤلفون حكاية واحدة، ولو جلست مع أحدهم اليوم تكمل الرواية مع آخر في الغد، وهو ما يسهل قراءة الرواية تباعاً إن لم تكن اتصالاً.

رابعاً استطاع الوحيد الطويلة أن يبتكر عالماً روائياً جديداً مستوحي من حياة الريف بعقلية أهل المدن، وبالعكس، أي حاول محو المسافات بين العالمين كما هو حادث الآن فعلاً، وهو عالم واقعي وأسطوري في آن واحد.

خامساً سردت الرواية بجرأة ماكرة كل ما هو مسكوت عنه في الثقافة العربية ومرجعياتها، لتلقيه في حضن الجمهور مثل كرة من النار، الكرة لا تزال مشتعلة وغير مستقرة وغير مكتملة، وهذا هو حال “أحمر خفيف“.

ونحن لا نعرف لماذا سمّي وحيد الطويلة الرواية بهذا العنوان رغم عدم وجود إحالات تفسيرية لها في النص، ولو كان: أحمر أرجواني أو قرمزي أو عنيف لكان أكثر قرباً من أجوائها التي تبدأ باحتضار “محروس” في المستشفي معلقاً بين الحياة والموت بسبب طلق ناري في كتفه فيما أهالي قريته يفترشون الردهات والممرات والباحات الخارجية في انتظار عودة البطل إليهم، أو سفره إلي البارئ.

مشاهد “أحمر خفيف” صارخة في كل شيء، في الحب والانتقام والجنس والجنون والنفاق .. وهي تدور في حلقة دائرية كبري حتي نقطة النهاية.

وخلال سردها الخاطف والذي يشبه إلي حد بعيد أداء الرواة الشعبيين في المقاهي قديماً ينثر الطويلة ألاعيبه وأسرار صنعته المتقنة، ولعل أجمل ما فيها قدرته علي الإيهام بين ما هو واقعي وفانتازي، ولعله بهذه الصنعة يدشن مرحلة جديدة للرواية العربية، رواية شعبية مقروءة، لجيل جديد مقروء

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم