أحمد طه: مصطلح “قصيدة النثر” تم ابتذاله

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 102
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاوره: صدام كمال الدين

يرى الشاعر أحمد طه أن قصيدة النثر لم تأت لتمحو الألوان الشعرية السابقة لها أو تقضى عليها وإنما هى مجرد نمط جديدة لاثراء القصيدة المكتوبة بالعربية أى أنها اضافة وليست خصما ، لذلك ما يسمى بمعركة النثر والتفعيلة أو " حرب الخنادق الشعرية " - بحسب وصفه - هى نتاج للثقافة الأحادية التى تحكم العقول فى الشرق الأوسط وهى معركة عبثية لأن النوع الشعرى لا يمكن أن يضيره وجود نوع آخر ، وبرأيه أن ما حدث في مصر في 25 يناير 2011 ليس إلا انتفاضة، هو لا يرى ثورة جرت على ضفاف النيل، ولذا فإن ما كتب عن هذه الانتفاضة ليس شعراً على أي مقياس إبداعي .

حاوره: صدام كمال الدين

يرى الشاعر أحمد طه أن قصيدة النثر لم تأت لتمحو الألوان الشعرية السابقة لها أو تقضى عليها وإنما هى مجرد نمط جديدة لاثراء القصيدة المكتوبة بالعربية أى أنها اضافة وليست خصما ، لذلك ما يسمى بمعركة النثر والتفعيلة أو ” حرب الخنادق الشعرية ” – بحسب وصفه – هى نتاج للثقافة الأحادية التى تحكم العقول فى الشرق الأوسط وهى معركة عبثية لأن النوع الشعرى لا يمكن أن يضيره وجود نوع آخر ، وبرأيه أن ما حدث في مصر في 25 يناير 2011 ليس إلا انتفاضة، هو لا يرى ثورة جرت على ضفاف النيل، ولذا فإن ما كتب عن هذه الانتفاضة ليس شعراً على أي مقياس إبداعي .

شارك طه بعض شعراء السبعينات في تأسيس جماعة “أصوات الشعرية” وأصدر مجلتي “الكتابة السوداء عام 1988”، و”الجراد” عام ،1994 وصدر له أربعة دواوين شعرية هي: “لا تفارق اسمي، الطاولة ،48 إمبراطورية الحوائط ، ممر البستان” ، وهنا حوار معه.

 * فى قصيدة 31 ديسمبر من ديوان “امبراطورية الحوائط” تقول “هكذا / يتجول المصريون كما تتجول أفراس / الماء جنب مقابرهم” ، فهل صار هذا قدر المصريون فى كل العصور ؟

 المصريون يقدسون موتاهم ويدفنونهم فى المنازل على مر التاريخ ، وهم لم يغادروا وطنهم إلا بداية من السبعينات بعد أن أصبح الوطن عاجزا عن توفير الكفاف الذى يرضون به فى العادة ، وأفراس النهر أيضا لا تحب التجول مثلهم مثل المصريين ، وهذا ليس قدرا ولكنه مزيج من جغرافيا وتاريخ مصر الذين انتجا ثقافة الشعب المصرى الآخذة حاليا فى التحلل .

* هل معنى هذا أنه يمكن أن تصبح مصر بلا هوية ثقافية خاصة بها كما حدث مع بلدان عربية أخرى؟

بالنسبة لمصر تغيير هويتها الثقافية مستحيل ، ولكن هذه الهوية يمكن أن تصاب بتشوهات لفترة من الزمن ، حدث هذا من قبل عبر تاريخنا ، ومصر ليست مثل باقى الدول المحيطة بها ، فهى صاحبة حدود أقيمت منذ آلاف السنين بينما الدول المحيطة كلها دول مصطنعة سواء اسرائيل ، دول الهلال الخصيب ، والخليج ، هؤلاء ثقافتهم هجينة بحكم تكوينهم ولا يصح أبدا القياس على مصر عند الحديث عن هذه الكيانات .

* ما رأيك فى الشعر الذى كتب تعبيرا عن ثورة 25 يناير المصرية؟

هذا ليس شعرا على أى مقياس ابداعى، إنه مجرد إثبات وجود لشعراء يعتقدون أن النجم لابد وأن يبدع فى كل الظروف ، وبالنسبة لى ما حدث هو انتفاضة وليس ثورة ، هذه الانتفاضة كان من الممكن أن تتطور إلى ثورة حقيقية وهذا لم يحدث وربما أحد أسباب الانتكاسة اسراع الانتليجستيا فى القفز عليها وتوصيفها بأنها أعظم ثورة فى التاريخ ، وهذا هراء محض .

 * تنتقد شعر الثورة برغم أن هناك أسماء مشهورة كتبت قصائد عنها ؟

الكتابة التى واكبت الانتفاضة المصرية تشبه ما كان يكتبه بعض الكتاب الروس ابان الثورة البلشفية، عندما كانوا يكتبون عن الجرارات الزراعية والسوفيتات . .. الخ ، وهى كتابة تشبه الكتابة الصحفية وبرامج ” التوك شو ” التى تصاحب مثل هذه الأحداث ، ربما لها بعض الأهمية شعبيا فى وقتها ، ولكنها بالتأكيد خارج خريطة الإبداع .

* ما رأيك فى فاعليات ملتقى الشعر العربى الذى عقد بالقاهرة؟

هذا الملتقى الشعرى بين بوضوح مدى افلاس المؤسسة الرسمية المصرية فى مجال الثقافة والابداع ، وهو يرتبط بمدى نفوذ أصحاب هذا الملتقى ، رغم أن الظاهر أنهم معارضون وهذا الأمر يحتاج إلى رؤية أعمق ، فالمعارضة السياسية الجذرية لا علاقة لها بالصراع الوظيفى والتكالب على مكتسبات وزارة مترهلة كوزارة الثقافة .

 * ولماذا نفس الوجوه تتكرر فى معظم الفعاليات الشعرية فى مصر؟

تكرار الوجوه واستمرارها يعود للأمراض البيروقراطية المتفشية فى جسد الثقافة المصرية ، الوجوه الشعرية ليست فقط السرمدية والأبدية ، هذا ينطبق أيضا على كافة المؤسسات ، فالنظم الدكتاتورية أسوأ ما تخافه هو التغيير ، ولا يقومون به إلا عقب كارثة أو ثورة أو انقلاب .

* كعضو فى لجنة الشعر ، هل ترى أن الشعراء بحاجة لكيان يجمعهم ؟

رغم عضويتى فى لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة ، إلا أننى أتمنى زوال هذه الكيانات ، فهى نتاج للعلاقة الايديولوجية بين النظام المصرى والنظام الشمولى فى الاتحدا السوفيتى السابق ، وبالنسبة لى اعتبرها مناسبة لمقابلة بعض أصدقائى ودافع للخروج إلى الشارع ليس أكثر ، لا توجد فى أى دولة محترمة ادارة للشعر أو للقصة ، هذه خزعبلات تركتها الدولة الشمولية التى انهارت فى 1967 ولكنها تركت ميراثها .

* مقهى البستان حاضر بقوة فى أشعارك . ما السر ؟

هذا المقهى جمع جيلنا مع الأجيال التى سبقتنا ، منذ السبعينات كان مقهى ريش يمثل المقهى البرجوازى بالنسبة لنا فانسحبنا فى نفس الممر وجعلنا من مقهى البستان معلما ثقافيا وابداعيا وفى هذا المقهى قابلت وصادقت أنور كامل وابراهيم فتحى وجميل عطية ابرهيم زابراهيم منصور ، وباقى السلسلة من المفكرين والمبدعين المصريين، وكان أكثر الأماكن التى افتقدتها خلال وجودى فى الولايات المتحدة.

* تستخدم الحكاية ثم تستكملها بقصيدة. هل ترى أن هناك تكامل بين الألوان الأدبية ؟

هذا النمط من الكتابة موجود منذ زمن طويل ، كتب صاحب ” منطق الطير ” نصه باستخدام الحركية التى ينتجها تلاحق الحكاية مع الانشاد ، وبالنسبة لى لا أجد غضاضة فى تزاوج الابداع فهناك مصطلح “الكتابة” وهو ما أفضله بالنسبة لنصوصى، فأنا أكتب ولا أقرض شعراً، ولا أرى تلك القداسة المزعومة فى الكلام المموسق الذى يدعى “الشعر” .

* وهل نستطيع أن نقول أنها شكل جديد لقصيدة النثر ؟

لا أحب مصطلح قصيدة النثر فقد تم ابتذاله كثيرا، وأصبح لدى الكثيرين مثل الدين الجديد ، وما يكتب فى مصر باعتباره قصيدة نثر هو شعر حر أى متحرر من العروض والقوافى ، وقصيدة النثر مفهومها أعمق من مجرد التخلص من العروض والقوافى انها كتابة تمارس أقصى درجات الحرية ولا تخش امتزاج الابداعات التى ابتكرها البشر على مر تاريخ ثقافتهم .

* الجزء الثانى من ديوان ” امبراطورية الحوائط ” عن أنور كامل ورفاقه . هل كان هذا رثاء منك لهم ؟

نعم كتبت ” بورتريه نهائى لأنور كامل ” وأنا فى مدينة ” شيكاغو” بعد أن بلغنى نبأ وفاة أنور كامل الذى ربطتنى به علاقة وثيقة وهى أكثر من مجرد مرثية تخصه وحده ، فهى مرثية زمن لم نره ولكن عشته مع حكايات أنور كامل ومع قراءة تراث هذه الفترة المنيرة من تاريخ مصر ، أنا شخصيا أحب قراءة هذا النص من آن لآخر وكأننى لم أكتبه .

* وهل ترى أنك أنصفته بكتابة نصف ديوان شعرى عنه ؟

لا أنا ولا غيرى يمكنه انصاف أنور كامل أو جيله ، هذا يحتاج لعصر يعاد فيه قراءة تاريخنا الحديث بمعزل عن الايديولوجيا القومية العربية العنصرية أو الإسلامية المنغلقة .

* أشعارك تبدو وكأنها قصص قصيرة أو حدوته فى شكل قصيدة ؟

كما قلت وأقول دائما أننى أعتبر نفسى أمارس ” الكتابة ” كما أعتقدها وهى جماع لفنون القول، ولا أحب محاصرة مشاعرى باشكال كتابية محددة لمجرد أن لها وجود فى التراث العربى الشعرى أو الدينى ، الكتابة فعل منفتح على كافة الثقافات وهى ليست ابنة التراث العربى فقط لأن تراثنا المصرى سمته الأولى التعدد والانفتاح .

* أربعة دواوين شعرية منذ عام 1980 وحتى الآن . ألا ترى أنك مقل فى انتاجك الشعرى ؟

نعم أنا مقل جدا ، لأننى كما قلت من قبل لا أعتبر نفسى كائنا مهمته الكتابة تحت كل الظروف ، والأصدقاء الذين كتبوا عشرات الكتب والدواوين أكتفى بحسدهم وأتمنى لو امتلكت قدرتهم على الكتابة الدائمة .

* ما سر اختفاء مجلة ” الجراد ” ؟

سواء مجلة ” الكتابة السوداء ” التى صدرت فى عام 1988 أو مجلة ” الجراد ” التى صدرت عام 1994 ، لا أعتقد أنه كان من الممكن استمرارهما فقد كانا اجابة لحاجة تخص ذلك الزمان وأولئك الأشخاص ، ولم أطمح إلى استمرارهما لمجرد الوجود كان من الأفضل أن يموتا وهما فى طور الطفولة بما فيها من براءة ونقاء .

* الإصدارات الأدبية كيف يمكن أن تكون فاعلة وذات تأثير وهى تعانى فى معظمها من ضعف التمويل المادى ؟

التمويل المادى مشكلة كبيرة لكل نشاط ثقافى، ولكن المشكلة الكبرى هى فى مدى حاجة المجتمع الثقافى لهذا المنتج أو ذاك ، فنحن نرى الكثير من المشروعات والمنتجات الثقافية ومشكلتها أن لا علاقة لها بالمناخ الثقافى المتواجد فى الواقع ، انها أنشطة يبتكرها البيروقراطيون لأسباب عدة معظمها مالى أو لصراع وظيفى ، إذن المشكل المالى هو آخر أسباب فشل هذا النشاط الشكلى .

* ما رأيك فى فاعليات وملتقيات قصيدة النثر  الذي عقد في مصر؟

أنفر من احتكار نمط شعر واحد على المشهد سواء كان هذا المشهد مؤتمرا شعريا أو احتفالية ، قصيدة النثر أو الشعر الحر مجرد انماط جديدة لاثراء القصيدة المكتوبة بالعربية أى أنها اضافة وليست خصما ، وإلا فأننا نعيد الدائرة إلى نقطة البداية ونمارس الفاشية الإبداعية التى مارسها النقاد والمبدعون طوال تاريخنا .

* ولكن لماذا يهاجم شعراء التفعيلة قصيدة النثر ؟

المعركة الدائرة الآن أو ما أسميه “حرب الخنادق الشعرية” هى نتاج للثقافة الأحادية التى تحكم العقول فى الشرق الأوسط وهى معركة عبثية لأن النوع الشعرى لا يمكن أن يضيره وجود نوع آخر ، والتجاور لا الصراع هو سمة عصرنا ، وإذا لم يمكننا الإيمان بتجاور الأنواع والثقافات فلا جدوى من قصيدة نثر أو تفعيلة والأفضل أن نكف ونكتفى بالاستمتاع بما تبقى لنا من حياة .

                                              عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم